شبكة النبأ: إقتحمت خلوتنا عنوة،
واستباحت وجه عزلتنا الطوعية، واندست في الخصوصية الفردية على نحو خارج
عن إرادتنا، فباتت تملي علينا رغباتنا، وتسرق أوقاتنا، وتهيئ وجباتنا،
بالشكل الذي تبرمجنا على هواها وتسيرنا وفق إرادتها، ولكن بشكل ونوع
آخر.
الشاشة الصغيرة اليوم، بتنوعها وتعدد ألوانها كالطيف الشمسي، وتباين
قسماتها وأشكالها.. هي عالم لامتناهي من الأرقام والبيانات، وعالم
لامتناهي من الأشكال والوجوه، عالم لامتناهي من الألسن واللغات
والشيفرات والرسائل، المتمثلة بالمسلسلات والأفلام والبرامج والأخبار و
و... هلم جرى من هذا التعدد كثير.. عالم لا يتوقف عند حد معين، ولا
ينحصر في شيء معين، حتى باتت عدوى التعددية التي ينتهجها العالم
السياسي اليوم متمثلة خير تمثيل في هذه الشاشة.
والتي هي وإلى عهد ليس ببعيد كانت محصورة وضيقة في مكان معين. بل
موجهة ومرسلة على شكل خاص. متمثلة بقناتين شخصيتين منفردتين في الساحة
الإعلامية العراقية آنذاك.
القفزة التي شهدها الشارع العراقي والانفتاح بعد زوال كابوس الهيمنة
الكلي من على صدر المواطن العراقي، هيأ للمادة العلمية العالمية الدخول
بحرية والتجول على حساب الصدمة التي من الممكن ان يحدثها انفتاح الباب
على مصراعيه بعد عقود من الانغلاق والانكفاء الكلي.
ربما يخيل للقارئ اننا ننادي بالتحجيم والمقص الكامل وسلاح الرقيب
المطلق، وهذا بحد ذاته هو الكارثة التي أوصلتنا إلى هذا المنعطف الضيق،
لن نخوض في هذا المجال أبدا، الحديث لايخص مشكلة عراقية فقط، أو عائلة
عراقية فقط، بل هي مشكلة أكبر وأكثر تعميما، هي العائلة العربية، وربما
العائلة العالمية.
ولعدم تشعب الموضوع لنركز على فقرة واحدة، وظاهرة نراها تتجلى بشكل
ملفت للنظر، هي ظاهر القنوات الفضائية، وعلاقتها بشهر رمضان.
فالحقيقة المرة التي نشاهدها اليوم أننا بتنا نتاجر بإيماننا،
ونشتري به ما يحلو لنا، وأي متاجرة تلك، بل أنها أصبحت متاجرة على جميع
الأصعدة والمقاييس، السياسية منها والاقتصادية والثقافية وغيرها كثير.
لذا نرى من قبح الموقف ان المادة الإعلامية لا تجد لها متنفس إلا في
شهر رمضان، والمسلسلات الشيقة ـ بحسب قولهم ـ لا تجد لها مساحة إلا في
شهر رمضان، والبرامج الترفيهية والكوميدية أيضا لا تجد لها رقعة عرض
إلا في هذا الشهر.
من المؤكد ان هذا يدعو للاستغراب والتساؤل! فأوقات السنة مفتوحة على
الآخر، ما المانع أذن من عدم عرضهم لـ (العرض الأول أو الحصري)، إلا في
هذه الأيام من أيام السنة.
التساؤل الوحيد المهيمن على الموقف، هو من يقف وراء هذه الظاهرة؟
ومن يمول ريع البرامج الرمضانية؟ ومن له الباع في تنسيق وبرمجة القناة
الفضائية العربية؟ ليكون الجواب سريعا ودون تردد: حتما أنهم ليسوا
العرب، حتما أنهم ليسوا المسلمين، ـ ليس لأمانتهم طبعا ولكن لقلة
خبرتهم ـ حتما ان الحملة الفضائية الرمضانية موجهة ومبرمجة بشكل منتظم
ومدروس وحسب خطط أعدت مسبقا.
لذا كان لزاما علينا ومن دافع الحرص والشعور بالمسؤولية ان نناشد
أصحاب الشاشات الصغيرة ـ وهذا جُل ما يمكننا عمله ـ بالتريث قبل الضغط
على زر الكونترول لعرض أي قناة فضائية. فربما سنكون إذ ذاك شركاء في
حرب طويلة ضد هذا شهر، وصاحب هذا الشهر. |