وصايا المرجع الشيرازي في شهري رجب وشعبان

 

شبكة النبأ: هذا التقرير يمثل مجموعة مقتطفات من توجيهات وارشادات المرجع الديني الكبير سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله الوارف لمجموعات العلماء والزوار والمقلدين مقتبسة من موقع مؤسسة الرسول الاكرم (ص) www.s-alshirazi.com.

 العلم بلا تقوى وعمل كفر وفساد

* الإنسان بالنور يرى الأشياء وبالنور يعرف الخطر والنفع، ويبصر المجوهرات والعقارب والحيّات. وقد اعتبر الإسلام العلم نوراً، واعتبر الجهل ظلاماً وفرّق بينهما وفضّل العلم على الجهل، حيث قال سبحانه وتعالى في القرآن الحكيم: «قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون». فصاحب العلم صاحب نور، والجاهل غارق في الظلام. والعلم والجهل بنسبتهما يتعاكسان في الصعود والنزول، أي كلما كان الإنسان أكثر علماً كان أكثر نوراً وأقلّ ظلاماً، والعكس بالعكس.

إن العلم الذي اعتبره الإسلام نوراً هو العلم المقرون بتقوى الله تبارك وتعالى. لأن العلم بلا تقوى يؤدّي أحياناً إلى الضلالة والإفساد والفساد كما ورد في الروايات الشريفة، ومنها الحديث الشريف عن مولانا الإمام زين العابدين صلوات الله عليه: «..فإنّ العلم إذا لم يُعمل به لم يزدد صاحبه إلاّ كفراً ولم يزدد من الله إلاّ بُعداً». فعلماء السوء عبر التاريخ أفسدوا الأمة وأفسدوا التاريخ أيضاً.

أما العلم المقرون بتقوى الله سبحانه فهو الذي يجعل صاحبه عظيماً، ويخلّده في التاريخ كما خلّد الشيخ المفيد والسيد الرضي والمحقّق الأردبيلي والشيخ الأنصاري والسيد بحر العلوم رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.

- إن تحصيل العلم بحاجة إلى تعبئة جيّدة، فالشيخ المفيد درس معه زملاء كثيرون لكنهم لم يصلوا إلى ما وصل إليه الشيخ المفيد، وذلك لأنهم لم يعبّئوا أنفسهم تعبئة علمية جيدة، ولم يبذلوا طاقاتهم في تحصيل العلم.

- لقد كان نظام الحوزة العلمية المباركة في السابق لايعرف للعطلة معنى، فكان الطلاب يدرسون في فصول السنة كلها.

- كل إنسان سيّد نفسه، فإن جدّ واجتهد فسيوفّقه الله تعالى. وأنتم بمقدار ما تبذلونه من جهود وطاقات توفّقون وتنالون المراتب الرفيعة.

 معنى الخلق الحسن

- إن التحلّي بالخُلق الحسن هو أنه إذا تعرّض الإنسان للسبّ من أحد فليردّ عليه بالكلام الحسن أو يحسن إليه، فقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: «وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً». أو إذا قطعة أحد من الأرحام أو الأقارب أو الأصدقاء فليقم بصلته وإن استدعى ذلك مرّات عديدة، أو إذا عمل أحد من الأصدقاء أو الأرحام مأدبة ولم يدعه لها فعليه أن لا يقابله بالمثل. كما أن التحلّي بالخُلق الحسن هو أن يتعامل الزوج بالحسنى مع زوجته إن كانت سيّئة الخلق أو يصبر على سوء خُلقها ولا يعاملها بالمثل، وعلى الزوجة أن تصبر على سوء خلق زوجها وتتعامل معه بخلق حسن ولا تردّ عليه بالمثل، وهكذا ينبغي أن يقوم به الأرحام والجيران والشركاء وزملاء العمل والأصدقاء بعضهم مع بعض.

 الإيمان رهين الصبر

- قال مولانا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه: «عليكم بالصّبر فإنّ الصبرَ من الإيمان كالرّأس من الجسد، ولا خير في جسدٍ لا رأسَ معه ولا في إيمانٍ لا صبر معه»، إن الجسد يعيش بالرأس، فإذا قطع الرأس فسوف لا ينتفع الجسد وإن كان له قلب حيّ وسالم، أو رئة سالمة، أو كبد سالم، أو كانت باقي الأعضاء سالمة. وهكذا يكون الصبر بالنسبة إلى الإيمان، أي ان الإيمان رهين الصبر، فمن لا صبر له لا إيمان له، كما ورد أيضاً في الحديث الشريف عن مولانا الإمام الصادق صلوات الله عليه حيث قال: «الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا ذهب الرأس ذهب الجسد كذلك إذا ذهب الصبر ذهب الإيمان».

 محاسبة النفس كل يوم

- إن نيل رضا المعصومين صلوات الله عليهم هو نيل لرضا الله سبحانه وتعالى، لإن الله تعالى قد قرن رضاه برضاهم، ورضاهم تابع لرضا الله تبارك وتعالى وذلك بما جعله عزّ وجلّ لهم من العصمة. ومن الأمور المهمة التي توجب نيل رضا المعصومين هي محاسبة النفس كل يوم، كما ورد عن العديد من أئمة أهل البيت الأطهار سلام الله عليهم ومنها الحديث الشريف عن مولانا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه: «ليس منّا من لم يحاسب نفسه كل يوم، فإن عمل خيراً حمد الله واستزاده، وإن عمل سوء استغفر الله»

لذا على المؤمنين والمؤمنات أن يلتزموا بمحاسبة أنفسهم كل يوم ولو لدقائق معدودة، وأن لا يؤخّروا التوبة عن هفوة صدرت منهم أو معصية إلى يوم آخر.

 الظلم لا يختصّ بالطغاة

- إن الظلم لا يختصّ بالطغاة والحكّام ومن على شاكلتهم، فقد يظلم الزوج زوجته، وقد تظلم الزوجة زوجها، وقد يظلم الأولاد آبائهما، أو يظلم الوالدين أولادهما، وقد يظلم الأرحام أو الشركاء أو الجيران بعضهم بعضاً.

 التكبر عاقبته النار

- إن التكبر عاقبته النار ومن التكبر الفخر والتفاخر على الآخرين. فالنفس الأمّارة بالسوء تميل إلى التكبر، فإذا انساب الإنسان إلى ماتشتهيه النفس ومنه التكبر ولم يحكّم عقله فستكون عاقبته النار. أما التواضع فإنه يقود الإنسان إلى الجنة، ومن التواضع نسبة الخير إلى الله تعالى وإلى الإسلام، فقد قال عزّ من قائل: «ما أصابك من حسنة فمن الله». لذا يجدر بالإنسان أن يعزم على التحلّي بالتواضع واجتناب التكبّر ويواصل ذلك حتى ينجو من النار. فعلى الإنسان أن لايتكبر بماله وبقوّته وبعشيرته وبعلمه. فالعلم بنفسه ليس فضيلة بل هو وسيلة إذا استعملها الإنسان في الخير فسيكون فضيلة، أما إذا استعملها في الشر كما هو الحال في عالم اليوم فسيكون شرّاً.

 استجلبوا رحمة الله بالرحمة

- إن الله تعالى يحبّ الإنسان الذي يملك قلباً رحيماً تجاه غيره من الناس وحتى الحيوان، ومن يرحم غيره يستجلب رحمة الله لنفسه. ليس من الضروري أن يكون الإنسان مجبولاً على الرحمة، فهذا الخُلُق الفاضل وغيرها من الفضائل قابلة للتحصيل والاستزادة، وما على المرء سوى أن يعزم على التحلّي بها حينها سيوفّقه الله تعالى. فعلى الزوج أن يكون رحيماً تجاه زوجته، وعلى الزوجة أن تكون رحيمة تجاه زوجها، والأبوان عليهما أن يكونا رحيمين تجاه أولادهما، وعلى الأولاد أن يكونوا رحماء تجاه آبائهم، وعلى الكبير أن يرحم الصغير، وعلى الصغير أن يرحم الأكبر منه، ومن له مرتبة اجتماعية عالية أو كان مسؤولاً كبيراً عليه أن يرحم الأدنى منه، ومن كانت مرتبته الاجتماعية أدنى عليه أن يرحم الأعلى منه مرتبة، والأقرباء والجيران وزملاء العمل عليهم أن يرحموا بعضهم بعضاً.

ارضوا بما قسمه الله لكم

- إن الرضا بما قسم الله ليس معناه أن لا يسعى الإنسان في رفع مشاكله أو سدّ نواقص حياته أو دفع معاناته، بل عليه أن يعمل عملاً دؤوباً ويواصل نشاطاته ويبذل جهده وسعيه ومع ذلك يقنع بما قسمه الله عزّوجلّ له، سواء رفعت مشاكله أو نواقصه أو لم ترفع، حتى يهنأ في معيشته وحياته وينال رضا الله عزّ وجلّ.

 كمال الايمان في أن يحبّ لغيره ما يحبّ لنفسه

- إن الصلاة ليست هي كلّ الإيمان بل هي جزء منه، وهكذا الصوم والحج، فإذا أراد المؤمن أن يكون كامل الإيمان فعليه أن يلتزم بباقي أجزاء الإيمان، ومن أهمها أن يحبّ لغيره ما يحبّ لنفسه، وليس المهم أن يتصف الطرف المقابل بهذه الصفة الفاضلة، بل إنّ المهم للمؤمن هو أن يسعى إلى إكمال إيمانه بالاتصاف بهذه الصفة.

 حافظوا على إيمانكم بترك الغضب

- إذا غضب الإنسان فسينتهي إيمانه في لحظة الغضب، حينها سوف لا يبقى للغاضب شيء سوى اقتراف المظالم والمعاصي والتعدّي على الآخرين. ولهذا يكون الغضب سبب الكثير من جرائم القتل التي ترتكب كل يوم على وجه الأرض، وسبب الكثير من مظالم الظالمين الكبار والأدنى منهم كظلم الزوج لزوجته، وظلم الزوجة لزوجها، وظلم الأرحام والشركاء بعضهم لبعض. أما الإيمان فإنّه يقيّد الإنسان عن فعل كل الموبقات والمعاصي والمظالم. إن على الإنسان أن يعزم ويصمم على الحفاظ على إيمانه وذلك بأن يترك الغضب، لأن «الْحِدَّة ضَرْبٌ مِنَ الْجُنُونِ لأنَّ صَاحِبَهَا يَنْدَمُ فَإِنْ لَمْ يَنْدَمْ فَجُنُونُهُ مُسْتَحْكِمٌ» كما قال مولانا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه.

 التعبئة العلمية والتقوى

- لقد مرّت في التاريخ أحقاب وأزمنة سوداء ما كان يستطيع فيها المرء أن يصل إلى معرفة مفردة من ألوف المفردات إلاّ عبر سنين، أما اليوم فالوسائل الحديثة مهيّأة وبات تحصيل العلوم سهلاً وميسراً أكثر بكثير من الماضي، ومع توفر وسائل تحصيل العلم وسهولة التعلّم سوف لا يبقى اليوم للطالب ما يعتذر به إلى الله تعالى في طلب العلم، فالوسائل الحديثه قد هيأت الأمور لكسب العلم، وما على أهل العلم إلاّ أن يلتزموا بأمرين وهما:

الأول: التعبئة العلمية. فالذي عنده تعبئة علمية جيدة سيكون قادراً على معرفة التحريف في المأثور والتاريخ والأحكام، ونقلها وكشفها للعالم حتى لا يقعوا في الضلالة. وكلما كانت التعبئة العلمية أكثر كانت المقدمة أقوى للوصول إلى ما لأجله خلق الله سبحانه وتعالى البشر وهو قوله جلّ وعلا: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ والإنسَ إلاّ لِيَعْبُدُونِ». فعلى أهل العلم أن يغتنموا الدقائق والساعات في طلب العلم حتى يوفّقوا لمعرفة الإسلام الذي أراده الله تبارك وتعالى، ويعرّفوه للبشرية أجمع.

الثاني: التقوى الحقيقية. إن طالب العلم بحاجة إلى التقوى بل المزيد من التقوى، فكلما يرتقي الطالب في العلم مراتب عليه أن يرتقي في التقوى مراتب ومراتب أيضاً حتى يشمله التوفيق الإلهي. فإذا لم يقرن طالب العلم رقيّه العلمي بالرقي في التقوى فسيحرم التوفيق والإعانة من الله تعالى ويحرم الرعاية من مولانا بقية الله الإمام صاحب العصر والزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف.

 الظلم يحجب الدعاء

- إن الله سبحانه وتعالى جعل لاستجابة الدعاء شروطاً ومنها:

الأول: يجدر بالداعي الذي يرجو الإجابة من الله تعالى أن لا يكون ظالماً لأحد.

الثاني: أن لا يكون الداعي عاذراً لظالم على ظلمه.

إن الظلم لا يختصّ بالظالمين أمثال فرعون وشداد ومعاوية ويزيد وهارون ومأمون ومن على شاكلتهم، فقد يظلم الزوج زوجته حقّها الذي جعله الله لها، وقد تظلم الزوجة زوجها حقّه الذي جعله الله له، وقد يظلم الأولاد أباهم أو أمّهم حقّهما الذي جعله الله تعالى لهما، أو يظلم الوالدين أولادهما حقّهم الذي جعله الله لهم، وهكذا قد يظلم الأرحام أو الشركاء أو الجيران بعضهم بعضاً.

 حفظ اللسان يضمن دخول الجنة

- إن العين قد تدخل الإنسان الجنة أو النار، وهكذا اليد والرجل وسائر الأعضاء، أما اللسان فإن دوره في هذا المجال أكثر بكثير من باقي الأعضاء، فقد قال علماء الأخلاق: إنّ آفات اللسان أكثر من آفات كل الأعضاء، فاللسان يُدخل الإنسان الجنة أحياناً ويدخله النار أحياناً كثيرة، فإذا أرْخى الإنسان العنان للسانه ولم يضبطه فإنه سيدخل النار، إذا عزم الإنسان على حفظ لسانه ربما يصعب عليه ذلك في بادئ الأمر، لكن الله تعالى يسهّل عليه ذلك شيئاً فشيئاً، بعدها سوف لا يرى أية صعوبة ويصبح هذا الأمر عادة عنده، فقد قيل: الخير عادة والشرّ عادة، فالمهم إذاً هو أن يعزم الإنسان على حفظ لسانه ويواصل ذلك والله تعالى يوفّقه.

لذا يجدر بالزوج أن يحفظ لسانه مع زوجته ولا يظلمها به، ويجدر بالزوجة أن تحفظ لسانها تجاه زوجها، وهكذا الوالدان تجاه أولادهما، والأولاد تجاه والديهما، والشركاء والأرحام والأقرباء بعضهم مع بعض.

 الأجر بمقدار العطاء

- أن الإنسان يحصل على الأجر بمقدار ما يعطي في سبيل الله تعالى من نسبة ما يملكه، سواء أعطى من فكره أو طاقاته أو نشاطه أو ماله، فيجدر بالإنسان الذي يعطي أو يتصدّق القليل نسبة إلى ما عنده أن لا يستهين بما يعطيه أو يتصدّقه في سبيل الله سبحانه. إن ما يملكه الإنسان من مال وطاقة وفهم وذكاء وعلم وغيره فكلّه من الله تبارك وتعالى، كما تقول الآية الشريفة: «ما أصابك من حسنة فمن الله»، فيجدر بالإنسان الذي أعطاه الله القليل أن لا يستهين بما أُعطي، ويجدر بالذي أعطاه الله الكثير أن لا يطلب الأكثر وأن لا يقيس نفسه بمن أُعطي القليل.

الظالم مسلوب الإيمان

- من كانت يده ظالمة ولسانه ظالماً فهو مسلوب الإسلام ومسلوب الإيمان. فقد جاء في الروايات الشريفة: عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ سلام الله عليه: يَا سُلَيْمَانُ أَ تَدْرِي مَنِ الْمُسْلِمُ؟ قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ أَنْتَ أَعْلَمُ. قَالَ الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ .

يقول الابن: رأيت أبي في عالم الرؤيا مساء ذلك اليوم، فشكرني كثيراً على ما فعلته.

 النيّة الصالحة تجعل للعمل قيمة وأجراً

- إنّ النيّة هي التي تحدّد العمل وتؤطره وتجعله ذا قيمة أو بلا قيمة، والنيّة هي التي تجعل من رجلين قاما بعمل واحد في أن يدخل أحدهما الجنة بهذا العمل والآخر يدخل النار بالعمل نفسه، فقد قال مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله: «إِنَّمَا الأعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى».

 جميع الحقوق محفوظة 

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد  7/أيلول/2008 - 6/رمضان/1429

[email protected]