فعل القراءة في القران الكريم

برير السادة

يحضى فعل القراءة في القران الكريم بأهمية خاصة و كبيرة لكونه منطلق الدعوة الإلهية, وأساس التشريع السماوي الهادي للتي هي أقوم, فالرسالة السماوية التي أراد الله للبشر أن يطيعوه فيها ويعبدوه بها بداءت بأمر القراءة في قولة تعالى "اقرأ باسم ربك الذي خلق".

 وثانيا فان الدستور الإلهي المتضمن على المعارف والعلوم والحقائق اخذ اسمه من فعل القراءة التي تعني الجمع كما يقول علماء اللغة " وقرأت الكتاب قراءة وقرانا ومنه سمي القران. والأصل في هذه اللفظة الجمع, وكل شي جمعته فقد قرأته. وسمي القران لأنه جمع القصص والأمر والنهي والوعد والوعيد والآيات والسور بعضها إلى بعض وهو مصدر كالغفران والكفران"  

ففعل القراءة بوابة الدخول للعلوم والمعارف والمواعظ والمنجزات والتجارب الحضارية. حتى مع كون أمر القراءة خاص بقراءة الوحي السماوي "القران الكريم" . وذلك لعدة اعتبارات منها تأكيد القران وحثه على النظر في الآفاق والأنفس والسموات والأرض في العديد من آياته كما في قوله تعالى"أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق واجل مسمى وان كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون"  وقال تعالى"قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين"  وقال تعالى "قل انظروا ماذا في السماوات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون"  ..

من هنا فان الدعوة لقراءة القران والتدبر في آياته هي دعوة لقراءة الكتاب التكويني والحياتي والتأمل والتفكر فيه.

فالقران الذي تحدى البشر أن يأتوا بسورة مثل القران كما في قوله تعالى "وان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فاتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين"   قد قرر عجزهم وانكسارهم في نظرهم ألآفاقي والكوني ايضا قال تعالى "الذي خلق سبع سماوات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور * ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير" 

فتطابق الدعوة القرآنية للتدبر والتأمل والتفكير في الكتاب التدويني والتكويني, وتقرير نتيجة التحدي بالعجز والانكسار في الكتابين تجعل من فعل القراءة دعوة مفتوحة لرفعة الإنسان وتكامله. فبهذا الفعل "القراءة" يتكامل الإنسان ويسمو يقول الامام الشيرازي في هذا المعنى "اقْرَأْ)) للتأكيد في القراءة ((وَرَبُّكَ)) يا رسول الله هو ((الْأَكْرَمُ)) من كل كريم، ومن كرمه خلق الإنسان من تلك العلقة القذرة، وأوصله إلى المقامات الرفيعة الَّذِي عَلَّمَ)) الإنسان المعارف والعلوم ((بِ)) سبب ((الْقَلَمِ))، فلولا خلقه للقلم وتعليمه للإنسان الكتابة لبقي الإنسان في دياجير الجهل والرذيلة، فمنه سبحانه "القراءة" فـ"اقرأ..."، ومنه الكتابة فعلم "بالقلم"، ومنه البدء "من علق"، ومنه الإيصال إلى الكمال."

"فالآيات ما هي إلا تعبير يتسع ليشمل المسطور في الكتب والمنشور في الوجود, فسور الكتاب تقرا وآفاق الكون تقرا وتتلازم القراءتان حتى ينتج من هذا التلازم علوم ومعارف وخبرات وتجارب, يقام عليها العمران وتنبثق منها حضارة الإيمان"

ففعل القراءة الذي بدا به الوحي السماوي ليرسم مسيرة الإنسان في عوالمه المختلفة ويحدد طريق حركته في الحياة نحو الأهداف الكبرى يوحي بأهمية هذا الفعل في تكامل الإنسان, ودفعه نحو معالم الخير والصلاح, وتحقيق الهدف والغاية من الخلق..

فهذا الفعل هو نقطة البداية للتدبر والتأمل في الكتابين التكويني والتدوين, فلا تدبر وتفكر من غير قراءة, ولا عبرة ولا موعظة من دون قراءة تجارب الآخرين, ولا تلاقي للحضارات والأمم من دون قراءة لبعضها البعض..على أن تكون هذه القراءة مستوعبة لذات, ومنفتحة على الأخر أيا كان وصفه وتصنيفه (آفاق – أنفس). على أن قراءة الكتاب التدويني مقدمة وسابقة على قراءة الكتاب التكويني والحياتي, لكونه ينطوي على مكتسبات الأمم السابقة وتجاربها, ويقدم لنا عصارة خبراتهم وجهدهم ومنجزاتهم العلمية والأخلاقية, الأمر الذي يجعل من قراءتنا قراءة واعية ومفتوحة على  الاحتمالات المختلفة والمتنوعة.

فمن الدعوة القرآنية ندرك أهمية القراءة في صناعة الإنسان وفي بناء الحضارة " وتذكر إن الحضارة العربية الإسلامية, إنما انطلقت اثر الصيحة الإلهية التي كانت السطر الأول في أخر رسالة سماوية هبط بها جبريل الأمين, ليلقي بها في سمع رسول الله "ص" وهو يتحنث في غار حراء, فتدوي بها جنبات الغار وتتردد أصداؤها في انحا مكة (اقرا)"

 فالقراءة نواة الحضارة لكونها عملية معرفية تؤسس عليها الحضارات كيانها, وتصنع إنسانها على ما تنطوي عليه من مكتسبات أخلاقية وعلمية, ذلك أن الحضارة حضور وشهود وفعالية نحو التعلم وحركة نشيطة للبناء والتطوير "والحضارة هي (القراءة) لا تقوم ولا تتأسس إلا بها, لذلك قيل "امة تقرا, امة ترقى" لو فتحنا على مادة (اقرا) في القواميس, لما وجدنا بين المعاني القاموسية للقراءة, لكننا لو استقرانا التاريخ, واستنطقنا الواقع, لوجدنا الحضارة والقراءة مترادفين متلازمين لا تنفك إحداهما عن الأخرى"

فغياب هذا الفعل من الأمة هو غياب لكافة المفاهيم القرآنية التي تنطوي على النهوض والكرامة والحياة, فكيف لأمة فقدت فعل القراءة أن تعرف مفاهيم كتابها السماوي وتدرك مقاصده التي جعل أداة الوصول إليها, ومفتاح خزائنها (القراءة).  إذا القراءة حركة نهضوية وثورية على الأغلال الفكرية والثقافية السائدة. فهل نقرأ؟

 جميع الحقوق محفوظة 

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد  7/أيلول/2008 - 6/رمضان/1429

[email protected]