شبكة النبأ: قال المرجع الديني سماحة
آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله إن شهر رمضان
المبارك فرصة جيدة ومناسبة لتربية النفس وتربية الآخرين. ونحن طلاب
العلم مهما كانت درجات إيماننا نبقى بحاجة إلى تربية أنفسنا حتى نتخلّص
تماماً من ميول النفس الأمارّة بالسوء كالعداوة والحقد وغير ذلك.
فالنفس الأمّارة بالسوء عدوّ الإنسان.
جاء ذلك عندما قام جمع من أساتذة وطلاب الحوزة العلمية من طهران
وإصفهان وقم المقدسة وجمع من العلماء والفضلاء من العراق وسورية ولبنان
واليمن والخليج وأمريكا وأوروبا بمناسبة قرب حلول شهر رمضان المبارك
بزيارة في بيته المكرم بقم المقدسة يوم الأربعاء الموافق للخامس
والعشرين من شهر شعبان المعظّم 1429 للهجرة، فألقى سماحته فيهم محاضرة
قيمة إليكم جانباً منها:
إذا رهن شخص بيته لشخص ثانٍ مقابل مبلغ معين فإن البيت يبقى ملكاً
للأول حسب الآراء الفقهية، لكن في حال عدم إرجاعه مبلغ الرهن للراهن
فإن ملك البيت سيبقى رهين الراهن أي محبوساً، ولا ينفكّ هذا الحبس إلاّ
بإرجاع مبلغ الرهن للراهن. وهكذا حال النفس، فهي ملك للإنسان لكنها
تبقى رهينة أعماله، فإن عمل صالحاً فسيفكّ رهنها ويصبح كسلمان المحمدي
وأبي ذر الغفاري والشيخ المفيد والسيد بحر العلوم ويحظى بالجنّة. وإن
لم يعمل الصالحات فستبقى النفس محبوسة وتكون عاقبته إلى سوء. ولكن
هنالك عمل إن قام به الإنسان فسيفكّ رهن نفسه ألا وهو الاستغفار، فقد
قال مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله في إحدى خطبه الشريفة التي
ألقاها في استقباله لشهر رمضان الكريم: «أيها الناس إن أنفسكم مرهونة
بأعمالكم ففكّوها باستغفاركم»(1).
وأشار سماحته إلى قرب حلول شهر رمضان المبارك وقال: إن شهر رمضان
المبارك فرصة جيدة ومناسبة لتربية النفس وتربية الآخرين. ونحن طلاب
العلم مهما كانت درجات إيماننا نبقى بحاجة إلى تربية أنفسنا حتى نتخلّص
تماماً من ميول النفس الأمارّة بالسوء كالعداوة والحقد وغير ذلك.
فالنفس الأمّارة بالسوء عدوّ الإنسان كما ذكرت الروايات الشريفة، ومنها
قول مولانا النبي الأكرم صلى الله عليه وآله: «أعدى عدوّك نفسك التي
بين جنبيك»(2). ومثلها كمثل من يكون في غرفة فيها أسد جائع، فهل هذه
الحالة مدعاة لراحة البال؟ وبما أن هذا العدو لا يمكن رؤيته فعلى من
يسعى لتحصيل ملكة التقوى أن يروّض نفسه دائماً وأن لا يغفل عن الحقّ
وأن يطلب من الله تعالى التوفيق .
وكنموذج على من لم يجاهد نفسه الأمّارة بالسوء قال سماحته: إن
الزبير بن العوام ابن عمة مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله، جاهد
في سبيل الإسلام وكان في خدمة النبي والإمام أمير المؤمنين صلوات الله
عليهما لسنين عديدة لكنه صار من أهل النار لرضوخه لأهواء ابنه كما قال
مولانا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه: «ما زال الزبير رجلاً
منّا أهل البيت حتى نشأ ابنه المشؤوم عبد الله»(3).
وبلعم بن باعوراء الذي عاصر النبيّ موسى على نبينا وآله وعليه
الصلاة والسلام حظي بمرتبة رفيعة من الإيمان لكنه رضخ للشيطان فصار من
الضالين.
وكان شمر بن ذي الجوشن لعنة الله عليه من أصحاب الإمام أمير
المؤمنين صلوات الله عليه وقاتل بين يدي الإمام في معركتين واستمع من
الإمام مواعظ كثيرة لكنه لم يجاهد نفسه الأمّارة بالسوء فضلّ وخسر.
وقال سماحته: إن تربية النفس تكمن في العمل بتعاليم القرآن وتعاليم
المعصومين الأربعة عشر صلوات الله عليهم، وعلى رأسها معرفة عقائد الدين
وأصوله، والعمل بالواجبات وترك المحرّمات. ومعنى تربية النفس أن يؤمن
الإنسان بأن الله تعالى عالم بما في الصدور «وهو معكم أينما كنتم»(4).
وفي جانب آخر من محاضراته دعا سماحته المبلّغين إلى اتّباع سنّة
وسيرة الرسول وأهل بيته الطاهرين وقال: يقول القرآن الكريم: «لقد كان
لكم في رسول الله أسوة حسنة»(5). فيجدر بالمؤمنين وبالأخصّ الذين
يمارسون العمل التبليغي أن يتأسّوا بمولانا رسول الله صلى الله عليه
وآله وبأهل البيت صلوات الله عليهم في عباداتهم وتعاملهم وسلوكهم مع
عوائلهم وأرحامهم وباقي الناس. فمولانا رسول الله صلى الله عليه وآله
كان له زوجات عديدات، وكان يرى الأذى من بعضهن، لكنه صلى الله عليه
وآله لم يعاملهنّ بحدّة أو عنف.
إنّ استعمال الحدّة مع النساء وإن كان جائزاً في بعض الموارد لكنه
يعدّ اليوم حراماً بالحكم الثانوي. فالتعامل بحدّة ـ والذي صار متفشّياً
اليوم في مجتمعاتنا ـ هو عمل مخالف لسنّة رسول الله صلى الله عليه وآله،
وكلّ من يتعامل بحدّة فهو ليس من أتباع المعصومين صلوات الله عليهم.
فالحدّة تفتّت المجتمع وتوجب النفور وبالخصوص عند الشباب.
لذا يجدر ممارسة الهداية مع الناس جميعاً وبالأخصّ الشباب كما كان
يتعامل مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله بلين ورحمة. وعن هذا
التعامل العظيم لمولانا رسول الله صلى الله عليه وآله قال أحد
الغربيين: لقد ربّى نبيّ الإسلام الناس بتعامله أكثر من أقواله.
وفي ختام محاضرته أكّد دام ظله: إن الذين وُفّقوا في تربية أنفسهم
وتربية غيرهم كانوا بشراً مثلنا، وسبب موفقيتهم أنهم جعلوا التأسّي
بسيرة النبي وأهل بيته صلوات الله عليهم نصب أعينهم دوماً، وزهدوا في
الدنيا وجدّوا كثيراً في عملهم وسألوا الله تبارك وتعالى التوفيق في
ذلك.
...................................
[1] / وسائل الشيعة/ ج10/ باب 18 تأكّد استحباب الاجتهاد في العبادة
و.../ ص313/ ح 13494.
[2] / عدّة الداعي/ ص314.
[3] / نهج البلاغة/ باب الحكم/ ص 555/ ح453.
[4] / سورة الحديد: الآية4.
[5] / سورة الأحزاب: الآية 21. |