التكرار هو تواتر معنوي في التراكيب والبنى والأساليب والنصوص
يهدف وظيفيا للإيحاء والتوكيد على أمر ما فحضوره أذن حضور بلاغي من
هنا نعرف أن الأدوات المنهجية الملائمة لدراسة هذه الظاهرة هو المنهج
الأسلوبي فالأسلوبية تعتمد في أدواتها المنهجية على اللغة وأدواتها
اللسانية ( الصوت والصرف والنحو والمعنى ) كميزان ومعيار لما هو متميز
ويطرد ويتواتر من الأشكال اللغوية بنحو يعكس فنية وبلاغية المستعمل.
إن المنبهات الأسلوبية ونعني بها ما يلفت النظر أكثر من غيره في
النص هي المقومات والركائز البلاغية التي تمنح النص فنيته (( فالمنبهات
كفيلة بإيقاظ وعي المتلقي واستنفاره لدرجة يضحى فيها هذا المتلقي واقعا
تحت سلطة التأثير الناتج عن المنبهات التي تولدها الظاهرة اللغوية التي
تتحول إلى شحن المتلقي شحنا عاطفيا )) والتكرار هو أحد المنبهات
الأسلوبية في النص.
والقران الكريم يرد فيه التكرار على نحو مشخص ومدرك فنيا وبلاغيا
وكان التكرار نافذة لمن طعن و شكك بمرجعية القران السماوية والإلهية في
القرن الثاني والثالث الهجري واصفين التكرار عيبا ومأخذا على القران
وقد تكفلت المؤلفات التي انطلقت لتوجيه الآيات المتشابهة في القران
لتوجبه التكرار وغيره من المتشابهات ( ليس المقصود من التشابه آيات
الذات والصفات وغيرها وإنما الآيات المتقاربة في اللفظ والمعنى وترد في
مواضع مختلفة من القران). التكرار في القران الكريم يرد في السورة
الواحدة ويعطي دلالة خاصة بها مثل فبأي آلاء ربكما تكذبان في سورة
الرحمن وهو أنموذج لتكرار أسلوب وكذلك سورة (الكافرون ) وكذلك تكرار
الشرط في سورة التكوير وهناك تكرار مفردة في سورة مثل مفردة ( الناس )
في ( سورة الناس ) ويتكرر الصوت الواحد في السورة الواحدة مثل الفاصلة
القرآنية وكذلك الأحرف المقطعة في أوائل السورة فهذه الأحرف ترد وتكرر
في السورة أكثر من بقية الأحرف غير المقطعة وهي دائما من مضاعفات الرقم
19 وهو أمر إعجازي.
فهناك تكرار على صعيد السورة الواحدة ينبغي أن ينظر إليه وحده
وهناك تكرار يرد في الآية الواحدة وهو فن الجناس ( ويوم تقوم الساعة
يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة ) تكرار المفردة وهناك تكرار الصوت في
الآية الواحدة ( وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا ) فقد تكررت
الأصوات المهموسة ( سكت فحثه شخص ) بما يتناسب مع مشهد الخشوع والهمس
الصوت الرقيق وهناك تكرار الأساليب على صعيد ما يسمى بـ ( أسلوب الفترة
) فآيات القران الكريم تقسم إلى سور مكية وسور مدنية وهناك أساليب
تتكرر في الآيات المكية ولا تتكرر في السور المدنية وكان هذا ضابطا عند
علماء القران الكريم لمعرفة المكي والمدني فالقسم والشرط يتكرر أكثر
في المكيات من السور القرآنية.
وعلى صعيد القران بكل سوره جميعا هناك تكرار مثل تكرار المفردات
وما يبحثه الإعجاز العددي فمفردة الملائكة في القران الكريم تتكرر بنحو
يساوي عدد الشياطين وكذلك الدنيا ومفردة الآخرة تتكرر بنحو واحد
والأيام تتكرر بنحو يساوي أيام السنة 365 عدد أيام السنة وعدد مفردات
الأشهر يتكرر بنحو يساوي عدد الأشهر في السنة 12 شهرا، ومما يشار اليه
هو ان الإعجاز العددي باب واسع جدا.
وهناك تكرار القصة فقصة ادم والملائكة وحكاية إبليس تتكرر مرات عدة
في القران وكذلك قصة موسى التي تتكرر كثيرا وغيرها وفي كل مرة هناك
جوانب فنية ومقاصد معنوية وعبر تختلف عن سابقاتها من قصص ينبغي تسليط
الضوء عليها.
ولتتبع هذا التكرار في القران الكريم نحتاج الى دراسة بلاغية تعتمد
على الوصف اللغوي لكنها أولا وأخيرا هي دراسة بلاغية ويفضل أن تعالج
على وفق المنهج الأسلوبي الحديث للجدة والمعاصرة ولاقتراب المنهج
الأسلوبي من البلاغة وكما توصف الأسلوبية ( البلاغة أسلوبية القدماء ,
والأسلوبية بلاغة المحدثين ) فضلا على ذلك إن المنهج الأسلوبي يعتمد
الجوانب اللسانية في التحليل ( المستويات اللغوية الصوتية والصرفية
والنحوية والمعنى ) وهو اقرب إلى التخصص اللغوي. |