يشهد عدد المسلمين الذين يقبلون على الصيام في فرنسا تزايدا كبيرا
حتى بين الذين لا يلتزمون بشكل تام تعاليم الدين الامر الذي اعتبره
خبراء مؤشرا على تزايد اثر الخطاب الديني في فرنسا العلمانية.
وبحسب استطلاع اجرته اسبوعية "لا في" الكاثوليكية فان 88% من مسلمي
فرنسا يؤدون فريضة الصيام. وتصل هذه النسبة الى 94% عند الشبان دون
الثلاثين عاما.
في المقابل فان الفرائض الاخرى في فرنسا التي تضم اكبر جالية
للمسلمين في اوروربا (بين اربعة وخمسة ملايين مسلم) لا تلقى الاقبال
نفسه. وقال 56% من المسلمين الذين جرى استجوابهم انهم لا يؤدون الصلوات
الخمس في حين لم يقم الا 4% منهم بفريضة الحج.
وقال الباحث مالك شبل وهو مؤلف للعديد من الكتب حول الاسلام ان
تزايد الاقبال على الصيام "ظاهرة نلحظها منذ 15 عاما". واضاف ان هذه
"الظاهرة في جوهرها عامل انطواء على الهوية الدينية: في وقت ما اصبح
لدى المسلمين في فرنسا شعور بانهم يشبهون الاخرين عبر العالم".
ورأى ان هذه الممارسة هي ثمرة الدعوات الدينية الحماسية والخطاب
السياسي في فرنسا. وقال ان "الوعظ اوجد في نهاية المطاف عقدة ذنب لدى
غير الملتزمين دينيا الذين لم يعد بامكانهم الظهور بين الملتزمين".
واضاف ان هؤلاء الاخيرين "تمكنوا من تلقف خطاب القادة السياسيين الذين
يؤكدون انهم يريدون الخروج بالاسلام الى النور".
وقال وزير الداخلية الفرنسي نيكولا ساركوزي لدى تأسيسه المجلس
الفرنسي للديانة الاسلامية الجهة الممثلة لمسلمي فرنسا قبل ثلاث سنوات
انه يريد اخراج الدين الاسلامي "من الاقبية والمستودعات". ومن الامور
الاخرى التي تفسر ظاهرة تنامي عدد الصائمين الحنين الى البلد الام.
وينطبق ذلك مثلا على كاتب جزائري قدم الى فرنسا قبل عشر سنوات. وهو
متزوج من فرنسية وناشط شيوعي وملحد لكنه يصوم خلال شهر رمضان. ويقول
طالبا عدم كشف هويته "انه الحنين الى الوطن. زوجتي تقول عني انني مجنون
ولكن ذلك لا يزعجني".
ورأى عبد الرحمن دحمان رئيس مجلس الديموقراطيين المسلمين في فرنسا
الجمعية الناشطة ضد التطرف الاسلامي والذي قدم الى فرنسا في 1964 ان
عدد الصائمين "سجل انفجارا" بنهاية ثمانينات القرن الماضي. وقال "اصبح
رمضان شهر الهوية بالنسبة لاتباع ديانة باسرهم" ويرمز الى فشل "سياسة
تكييف" الاجانب التي اتبعتها فرنسا منذ سبعينات القرن الماضي.
وكان هذا المستشار التربوي السابق لاحظ آثار ذلك في المدارس
الاعدادية والثانوية حيث يتزايد عدد الشبان الصائمين حتى بين
الفرنسيين. وتقول لوري الطالبة في ثانوية مونتري بضواحي باريس "اصوم
احيانا تضامنا مع صديقاتي المسلمات".
ويؤكد مالك شبل ان رمضان باعتباره "المبدأ الاشد (شقة على النفس) في
الاسلام" فانه يوفر "نوعا من التسابق بين الشبان (..) ما يمنحهم وضعا
معينا ويتيح استبعاد من لا يصوم من المجموعة".
ورمضان شهر الحرمان والتضحية هو ايضا شهر الاحتفال والتبذير في بعض
احياء باريس مثل "برباس" كما يضفي على بعض الضواحي طابع المدينة
العربية العتيقة حيث يتم بيع مستلزمات الوجبات المالحة والحلوة على
الرصيف احيانا.
وتقوم المحلات التجارية الكبرى بتخصيص اجنحة لبيع المنتجات الحلال
التي تحترم ضوابط الشريعة الاسلامية. وهذه السوق التي ظلت هامشية لفترة
طويلة اصبح يقدر حجمها اليوم بما بين 1,5 وثلاثة مليارات يورو وهي تنمو
بنسبة 15 بالمئة سنويا. |