بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك قال سماحة آية الله العظمى السيد
صادق الحسيني الشيرازي دام ظله: إن شهر رمضان المبارك ربيع الأعمال
الصالحة والإحسان والخيرات، فينبغي استثماره أكثر من ذي قبل في هذه
المجالات. ومنها السعي في هداية الشباب وتثقيفهم بثقافة الإسلام.
جاء ذلك في كلمة القاها سمتحته على جمع من أعضاء ورؤساء حسينية
ومؤسسة الإمام الصادق سلام الله عليه للقرض الحسن في بيته المكرّم
بمدينة قم المقدسة يوم الاثنين الموافق للسابع عشر من شهر شعبان
المعظّم 1427للهجرة.
في البدء استهلّ سماحته الكلام بالآية الشريفة: «وَوُضِعَ الْكِتابُ
فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا
وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً
إِلاَّ أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ
أَحَداً»(1) وقال:
إن الآية الشريفة الآنفة الذكر تؤكّد أن الناس جميعاً سيرون ما
عملوه في الدنيا في صحيفة أعمالهم يوم القيامة، وذلك بعد أن يمرّ
الجميع بثلاثة مواطن: الأول عند خروج الروح من البدن. والثاني عندما
يوضع المرء في القبر ويُهال عليه التراب. والثالث عندما ينفخ المَلَك
إسرافيل في الصور للمرة الثانية، ويُبعث الناس من قبورهم.
وقال سماحته: كتب أحد العلماء من الذين عاصروا والدي رحمهما الله
تعالى كتاباً حول عالم ما بعد الموت، وصوّر كيفية موت الإنسان والبعث
في يوم الآخرة مستنداً في ذلك على الروايات والأحاديث الشريفة. ومما
جاء في هذا الكتاب قوله:
بعد أن أنزولوني في القبر وأهالوا عليّ التراب وتركني أهلي و...،
رأيت شابّاً صبيحاً جميلاً، لم أر مثله في حياتي قطّ، ووضع رأسي في
حجره، فرفعت رأسي عن حجره أدباً وتواضعاً، وقال لي: أنا حبيبك ورفيقك،
وسأكون بخدمتك. ففرحت كثيراً برؤيته وسألته: من أنت؟ قال: أنا أعمالك
الصالحة التي عملتها في الدنيا.
وبعد فترة رحل وتركني فغمّني ذلك، ثم جاءني شخص آخر كان قبيح المنظر
وقال لي: أنا أعمالك السيئة التي اقترفتها في الدنيا. وبعد فترة تركني
الأخير أيضاً، ففرحت لتركه إيّاي. وكنت أفرح بحضور الشاب الجميل حيث
كان يطيّب خاطري ويواسيني، وحين حضور قبيح الوجه كنت أغتمّ وأستاء لأنه
كان يؤيسني.
وذات مرّة جاءني الشاب الجميل وكنت جائعاً فشكوت له جوعي، فقال لي:
اذهب ليلة الجمعة إلى أهلك، فلعلّهم يتذكرونك بفعل الخيرات لك. فذهبت
إلى بيتي بهيئة طير، وجثمت على غصن شجرة أنظر إلى ما تفعله زوجتي
وأبنائي وأقربائي وأصحابي، الذين اجتمعوا على حدّ قولهم ليصنعوا لي
الخيرات. فطبخوا الحساء والرزّ، وأقاموا مجلس عزاء الإمام الحسين سلام
الله عليه وقرأوا الفواتح. ولكنّي رأيت أن أعمالهم لا تنفعني في شيء،
لأنّ الهدف الحقيقي من أعمالهم كان إعلاء سمعتهم عند الناس، ولذلك فهم
لم يدعوا للطعام فقيراً واحداً، ولم يكن هدف المدعوّين سوى تناول
الطعام وتصريف شؤونهم الخاصّة، فلا استرحام من أجلي، ولا دمعة على
الحسين بن علي سلام الله عليهما. فعدت إلى منزلي في المقابر بحال من
اليأس والإحساس بالهوان ودخلت القبر، فوجدت الشابّ الجميل جالساً وفي
وسط الحجرة طبق من التفّاح، فسألته: من أين هذا؟ فقال: لقد قمت أنت
بزيارة مولانا علي الأكبر في إحدى السنين، وهذا الطبق ثواب تلك
الزيارة.
فعقّب سماحته: هذه القصّة تدل بوضوح على أهمية النيّة ودورها في أصل
كل عمل. وتدلّ أيضاً على أن روح الإنسان عند ما تفارق البدن تتخلّص من
كثير من القيود الماديّة، وتنكشف لها ما كان خافياً عليها في الدنيا
كما في قوله عزّ من قائل: «لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا
فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ».
وبعد أن بيّن سماحته أن الإنسان لا يدري متى يموت، وأن الموت يأتي
بغتة قال: كل واحد منّا لا يدري متى يموت، لذا يجدر بالجميع أن
يستثمروا حياتهم في هذه الدنيا ما داموا فيها لعمل الخير والصلاح وما
يرضي الله عزّوجلّ، حتى يضمنوا السعادة في الآخرة، وحتى لا يكونوا من
النادمين والمتحسّرين. وفي هذا يقول مولانا الإمام أمير المؤمنين صلوات
الله وسلامه عليه: «الآن، الآن، من قبل الندم».
وفي هذا الصدد نقل سماحته قصة مفادها: قبل زهاء أربعين سنة كنت
جالساً على مائدة الطعام مع بعض الأشخاص، ففجأة سقط أحدهم على الأرض
وفارق الدنيا إثر سكتة قلبية، وكانت لقمة من الطعام في فمه. ففتحوا فمه
بصعوبة كي يخرجوا اللقمة منه. فأخرجوا نصفاً منها، والنصف الآخر كان
ممغوضاً وهو الذي أدّى إلى إصابة الميّت بالسكتة القلبية.
وأوصى سماحته بضرورة مطالعة تاريخ السلف الصالح من العلماء الأتقياء
وجعلهم أسوة للتأسّي بهم وقال: كان أخي المرحوم قدّس سره الشريف يهتم
بعدم الإسراف في كل شيء، وبالاستفادة القصوى والأصحّ من كل وسيلة،
وكمثال على ذلك أنه كان يبري قلم الكتابة جيّداً، لأنّ الكتابة بالقلم
غير المبريّ تأخذ مساحة أكبر في الورقة.
وفي جانب آخر من حديثه وصف سماحته الرضا بما قسم الله تعالى والصبر
من الصفات الأخلاقية الرفيعة وقال: الصبور من لا يجزع في مواجهة
المشاكل، والأعلى منه مرتبة هو من يصبر ويرضى بما قسم الله سبحانه
وتعالى له. وهكذا بالنسبة إلى الأخلاق الحسنة، فإن التحلّي بها له
مراتب عديدة. ففاعل الخير والإحسان يمكنه أن يرتقي في عمله الصالح هذا
بأن لا يحصر إحسانه وفعله للخير لشخص أو شخصين أو ثلاثة، بل يحاول أن
يشمل إحسانه لكثير من الناس. فكلما يرتقي الإنسان في طريق الكمال
والإحسان إلى الناس وخدمة أهل البيت الأطهار سلام الله عليهم يرتقي في
نيل المراتب الرفيعة.
وبمناسبة حلول شهر رمضان المبارك قال سماحته: إن شهر رمضان المبارك
ربيع الأعمال الصالحة والإحسان والخيرات، فينبغي استثماره أكثر من ذي
قبل في هذه المجالات. ومنها السعي في هداية الشباب وتثقيفهم بثقافة
الإسلام.
أما هداية الناس عامة فهو بحاجة إلى تخطيط وتنظيم، ويمكن العمل به
عبر المؤسسات الخيرية والمراكز الثقافية. وكل واحد منكم يستطيع بالنيّة
الخالصة والصادقة، وبالهمّة، وبذل الجهد أن يكون سبباً في هداية الكثير
من الشباب والناس.
أسأل الله سبحانه وتعالى ببركة أهل البيت صلوات الله عليهم أن يمنّ
على الجميع باليقظة الدائمة والاستعداد ليوم الحساب. وصلى الله على
محمد وآله الطاهرين. |