يكاد يرتبط اسم رمضان في العراق ارتباطا وثيقا بسوق الشورجة ،
ولا يمكن لعائلة عراقية ان تستقبل رمضان الا من دكاكين الشورجة وروائح
البهارات والتوابل المميزة التي تنبعث من على بعد عشرات الامتار عن
السوق.
غير ان رئة بغداد التجارية " الشورجة " لم تعد كالسابق تستقبل
روادها بكثير من البهجة والفرحة بحلول شهر رمضان المبارك ،فالتدهور
المستمر للوضع الأمني بات يعوق المواطن من الذهاب إلى الشورجة وشراء
حاجات رمضان فضلا عن عزوف أصحاب المحال التجارية في المحافظات التي
كانت تعتمد في تجهيزها على الشورجة عن التوجه الى بغداد بسبب المخاطر
التي يتعرضون لها في الطريق.
والشورجة كلمة فارسية تعني محل الشورة أو الماء المالح ويقال إن
موقعها كان مستنقعاً ، وربما مجموعة آبار أو مسطح للمياه الجوفية.
سوق الشورجة يبدأ من جوار المدرسة المرجانية المعروفة بجامع مرجان
على الجانب الأيسر لشارع الرشيد قبالة سوق البزازين ، وشارع السموأل ثم
يأخذ السوق امتداداً عرضياً نحو شارعي الخلفاء و الجمهورية وتطل نهايته
على شارع الكفاح وشارع غازي الذي صار في السنوات الأخيرة شورجة جديدة
تجمع بين تجارة السجائر والبورصة.
ومن معالم الشورجة القديمة التي بقيت أسماؤها متداولة حتى الآن ـ
قهوة الحنطة ـ وخان دجاج ـ وحمام الشورجة ـ وسوق الصغير ـوسوق
البقالخانة ـ وسوق التمارة ـ وسوق الفاكهة وعلاوي الشورجة، وسوق الغزل،
وجامع سوق الغزل، وتحت التكية و سوق العطارين وأسماء محلية كثيرة هي
امتدادات الشورجة المركز التجاري الكبير في قلب العاصمة بغداد.
ويقول صباح حمدي أحد تجار العطاريات في السوق لوكالة أنباء ( أصوات
العراق ) " هذه السنة كانت أكثر صعوبة علينا بسبب الأحداث التي شهدتها
الشورجة من الحرائق الكارثية التي قدرت خسائرها بمليارات الدنانير
مرورا بالتفجيرات وأعمال العنف الاخرى."
واستطرد "العصابات تجوب السوق تقتل وتختطف وتسرق وتمارس كل عمليات
الإرهاب والترويع أمام الملأ ولا أحدا يستطيع التصدي لها."
وأبدى حمدي تخوفه من تلاشي هذا السوق التراثي إذا ما استمر الوضع
على ما هو عليه الآن.
وقال حبيب قادر عبد الله وهو تاجر للبضائع والسلع المنزلية " السوق
تعاني ركودا كبيرا منذ عدة أشهر ، والمتبضعون في نقصان مستمر."
وأضاف إن الشورجة ، هذا السوق الحيوي ، ربما يبقى منه الاسم فقط إذا
لم تكن هناك التفاتة من الحكومة لرعايته والاهتمام به."
وأشار الى أنه في رمضانات أيام زمان كان الشورجة يزدحم بالمتبضعين
حتى أن المرور في أزقة السوق يصبح غاية في الصعوبة بسبب كثرة زوار
السوق ومرتاديه."
واستدرك "هذه الأيام وقبيل رمضان لم نجد تلك الصورة فقد غابت
تماما."
وقال السيد احمد سعد نوري وهو تاجر للمواد الغذائية في الأربعين من
عمره ويسكن منطقة الكرادة إن "اغلب المحال التجارية أقفلت أبوابها
وانتقل أصحابها إلى أماكن أخرى أما خوفا على حياتهم من القتل والاختطاف
أو نتيجة شحة المتبضعين بسبب الأوضاع الأمنية."
واضاف " كنا إذا اقترب موعد شهر رمضان ملئنا متاجرنا بمختلف المواد
التي عادة ما تحتاجها العائلة العراقية كالنشا والدقيق والرز والطرشانة
والسمسم والتين المجفف والجوز واللوز وغيرها."
وقال أبو علي ،وهو مواطن جاء للتبضع ، " الأوضاع الأمنية لا تسر ،وعمليات
الاقتتال الطائفي بدأت تأخذ حيزا في الواقع العراقي وهذا ما يدفعني الى
عدم الخروج من بيتي والاكتفاء بما يتوفر للمائدة الرمضانية في الأسواق
القريبة من البيت."
ومن جانبها تقول رواء ،وهى شابة جاءت بصحبة خطيبها نهاد " جئنا إلى
الشورجة على أمل شراء بعض الحاجيات المهمة خصوصا ونحن مقبلون على
الزواج ، لكن للأسف لم نشتر أي شيء."
وأضافت "ما أن نزلنا من السيارة تحت جسر المشاة الحديدي حتى شاهدنا
شابا يشهر مسدسه دون خجل أو خوف ،وسمعنا كلمات تخدش الحياء لذلك حاولنا
الخروج من السوق والعودة إلى المنزل في أسرع وقت."
كما أكد مالك ، وهو سائق تاكسي، أن " التداعيات الأمنية والخوف جعلت
السوق يغلق أبوابه ظهرا لتصبح منطقة أشباح يسودها الصمت والوحشة ولا
شيء غير اللصوص والعصابات." |