لكي لا نجعل صيامنا شرهاً ونهماً

 

استفادت البشرية كثيراً من كلام الله تعالى في القرآن الكريم وكذلك من كلام نبيه الكريم وآله الطاهرين، فلا ينفع المكابرة والترفع عن الحاجة إليها، لأن النور غير قابل للحجب. ومن فرائضه تعالى على الناس الصيام فائدة لهم حيث جعل طاعته فيما ينفع الناس ومنها قول الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) (صوموا تصحوا..)

حيث أثبتت الدراسات الكثيرة صحة جدواها، ففي الصوم، وحال الامتناع عن الطعام عموماً، تحدث عمليتان أساسيتان هما:

1- ينتقل الجسم إلى تغذية نفسه معتمداً على الاحتياطات المتراكمة داخله، يأخذ من مخزون المواد العضوية من السكريات والشحوم والبروتين ولا يفرط بسهولة في المواد غير العضوية مثل الحديد المختزن في الكبد من بقايا الكريات الدموية الحمراء منتهية الأجل.

2- يتخلص الجسم تدريجياً من الفضلات والسموم المتخلفة بداخله على امتداد فترات طويلة، فهو من ناحية لا يستقبل المزيد من السموم والنفايات الناتجة عن تحلل الطعام في الجهاز الهضمي، ومن ناحية أخرى يطرح ما تراكم به من سموم عبر اللعاب وعصارة المعدة والبنكرياس والحوصلة الصفراوية والبول والغائط والمخاط.

إضافة للعمليتين الأساسيتين السابق ذكرهما، يحصل الجسم على قدر كبير من الراحة وتوفير الكثير من الطاقة المستهلكة في عملية الهضم. ومثال ذلك أن القلب تنخفض نبضاته إلى (60) نبضة في الدقيقة، أي أنه يوفر طاقة (28800) نبضة كل (24) ساعة. نتيجة لهذه الراحة يشرع الجسد بترميم نفسه، وتشير الأبحاث الطبية إلى أن عملية الشيخوخة التي لا تتوقف منذ ميلاد الإنسان حتى موته، لا يمكن وقفها بأي أدوية أو معالجات فيزيائية، والطريقة الوحيدة لإبطاء شيخوخة الجسد هي بتقليل السعرات الحرارية التي يتناولها الإنسان بمعدل (30%) والصوم نموذج لهذا الإقلال من السعرات الحرارية.

كل هذه الفوائد الجسدية نجنيها من الصوم، لكن بانقضاء نهار الصوم وبدء الإفطار، تحدث فوضى كبيرة تطيح بكل ما جناه جسد الصائم، لأن العادات التي يظنها البعض حميدة، وهي ليست كذلك، تجعل ربات البيوت يخرجن كل ما لديهن من فنون الطهي في رمضان، فتمتلئ مائدة الإفطار بعشرات الأصناف من الأطعمة، في تنوع عجيب، وبكميات تفوق الاحتمال في الأيام العادية، أنواع وأشكال من اللحوم والمعجنات والأرز والمكرونة والخضار المطبوخ والمحاشي والمقليات والعصائر والمخللات والحلويات، ويبدو ذلك كله في عيون الصائمين جميلاً، لكن معدهم وملحقاتها ترى غير ذلك، بدليل كثرة حدوث التلبكات المعوية وعسر الهضم والآلام والانتفاخات، وهي كلها أعراض تشير إلى أن الجهاز الهضمي بعد أن أطمأن واستراح فوجئ بمعاملة سيئة.

طبعاً مصدر هذه المعاملة السيئة في الصدمة التي تسببها الكميات الضخمة المفاجئة من الطعام التي تنهال عليه وتفوق قدرة الجهاز الهضمي على استيعابها الحركي والحيوي، بعد منحة الاسترخاء التي أهداها له الصوم طوال النهار، لكن هناك سبباً آخر ذكر في كتاب (لياقة من أجل الحياة) وهو أن الخلط الصحيح بين الأطعمة التي تتناسب فيما بينها وتتلاءم مع الكيمياء الحيوي للهضم، هو من أهم شروط الصحة الجيدة. ولها قاعدة وهي أن وجبة الطعام ينبغي أن تحتوي على المجموعات الغذائية الأربع الأساسية الشهيرة: وهي: البروتين والنشويات والدهون والفيتامينات.

وبدلاً من ذلك يقترح المؤلف توزيع هذه العناصر أو المجموعات المتباعدة على مدار اليوم، وليس جمعها في وجبة واحدة. وشن هجومه الأكبر على الجمع بين العنصرين الذين اعتاد الناس على الجمع بينهما وهما:

النشويات مع البروتينات: لحم ومكرونة، أرز وسمك، خبز وبقول، لبن وأرز، ولعل المقصود هنا هو الإفراط – الكمي والنوعي – في الجمع بين هذين العنصرين في وجبة واحدة. وإليه يرجع الأعراض السلبية التي يعاني منها الناس في أعقاب الولائم الكبيرة. فهل عرفنا أهداف الصوم الصحيحة.