العبادات كل متكامل هدفها تطهير النفوس

 

في شهر رمضان المبارك تظهر النفوس على حقيقتها وفيه تتجسد المعاني الفاضلة والأهداف السامية ففيه من تنوع الالتزامات ما يخرج خبايا النفوس ويبلور الإخلاص ويظهر الزيف لكي يتمكن الإنسان من معرفته ومحاولة التخلص منه واستبداله بما هو خير.

ولكل عبادة هدف وغاية ينبغي تحققها، ولأجلها تم تشريعها، وبهذا الأمر صرحت كثير من الآيات والأحاديث، فمن أهداف الصلاة أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر ومن أهداف الصوم التقوى، وذلك لقوله تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) وكذا بقية العبادات كما أن من أهداف الحج التوحد على أرض الله سبحانه وتعالى بالإسلام، وتحقيق كثير من المنافع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وما إلى ذلك.

ولكن استهداف هدف ما من وراء هذه العبادة أو تلك لا يعني تلقائية تحققه، بل لا بد أن يقترن ذلك بمساهمة إيجابية من الإنسان نفسه، عبر خلق حالة من التفاعل بينه وبين العبادة، وعندما نتحدث عن تفاعل الإنسان، فإننا نعني تفاعل كل الأبعاد التي تتركب منها شخصيته، من نفسية وانفعالية وروحية، وحتى الجسدية منها، ومع هذا التفاعل تبدأ عملية استثمار العبادة إذ مثل العبادة كمثل المواد الخام، لا يستفيد منها الإنسان ما لم يحرّك فيها تجربته، ويُعمل فيها جهده، أو فقل: العبادة أشبه بالبوصلة التي تضبط حركة التفاعل والاستثمار، نحو توليد مناخ تربوي مؤثر، يكتسب فيه العابد مناعة أخلاقية وروحية ومفاهيمية وما إلى ذلك.

ومن جميل ما ذكر في الكل الذي لا يتجزأ من الشريعة الإسلامية عدة أمور:

1- أن التفاعل الجسدي، كونه بعداً من أبعاد الشخصية، لا يمكن إبعاده عن العبادة، ليتحدث عن إيمان في القلب لا تتبعه الجوارح، ولذا كانت العبادة مركبة من أمرين: المضمون والشكل، أو الجوهر والمظهر، وليست شكلاً فحسب، ولا مضموناً فقط.

وهذا يفتح المجال أمامنا للتحدث عن أهمية النوعية في العبادة، مقابل الكمية التي لا روح فيها، أو مقابل أن تتحول العبادة إلى نوع من الروتين الذي لا يحمل في داخله عناصر التفاعل الإيجابي بين الإنسان والعبادة، الأمر الذي يدفع نحو فهم جديد لكثير من الاستحبابات العبادية ذات الكميات الكبيرة، وضرورة تقييدها بالمستوى الذي لا تتحول فيه العبادة إلى حركات جوفاء.

2- أن العبادة بوصفها عملية تربوية تتسع لتشمل حياة الإنسان، ولذا أخطأت بعض الاتجاهات التي بلورت فهماً خاطئاً، مفاده أن بلوغ الإنسان لمرتبة معينة، من العلم أو اليقين أو الإيمان، يعفيه من مسؤولية العبادة في مستواها الشكلي.

3- أن العبادات في الإسلام هي كل متكامل، ولكل منها دوره في بناء الشخصية، وتغذية عناصرها، ولأجل ذلك لا مجال للتجزيئية في العبادة، بحيث يصوم الإنسان ولا يصلي، أو يحج ولا يصوم، أو يصلي ولا يدفع الخمس والزكاة، لأن التجزيئية في العبادة تخفي وراءها خلفية باطنية تصادم كل العبادات الأخرى، لأن كل العبادات تنطلق لتدفع الإنسان للقيام بها من موقع الاستجابة لنداء الله سبحانه، ومن الجلي أن عدم الاستجابة لله في موقع يعني خللاً في هذه العلاقة التي يُراد بناؤها من خلال كل العبادات.

فالشريعة الإسلامية كل لا يتجزأ والله سبحانه وتعالى لا تخفى عليه خافية وتكاليفه كلها لازمة لكل مسلم وهي روافد لتطهير النفس من كل دنس وخطيئة وعصمة من الذنوب والآثام.