فأروني كيف تستقبلوه؟

 

عن الإمام الرضا (عليه السلام) عن آبائه عن علي (عليه السلام) (أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خطبنا ذات يوم فقال: أيها الناس، أنه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات، هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله، أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعائكم فيه مستجاب، فاسئلوا الله ربكم بنيات صادقة، وقلوب طاهرة أن يوفقكم لصيامه، وتلاوة كتابه، فإن الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم...).

طبعاً للاستقبال بشكل عام مراسمه المتنوعة ذات الدلالات الواضحة والمعاني الكبيرة تبين عظمة وأهمية المراد استقباله، وخير استقبال للشهر الكريم هو ما ذكره النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث التعريف المتكامل لأيامه ولياليه وساعاته حيث الخير الكثير والسعادة الدائمة في كل لحظة من لحظاته وينبغي الاستعداد لاغتنام كل لحظة وثانية فيه لبناء النفس والغير وعنه أيضاً (صلى الله عليه وآله وسلم) هو شهر الصبر.. وشهر المواساة.. أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار...).

إذن قد أقبل علينا هذا الشهر الفضيل، بما يحمله من معان وما يدفعنا إليه من تأمل، فيجعلنا نأنس بالسكينة التي وهبها الله لنا في أيامه المباركة، ونعيش لحظات مراجعة للذات، والتاريخ، عسى أن نجد بين سطورها ما ينفع ويبقى. فشهر رمضان مدرسة الروح والفكر والضمير، ودورة تكميلية للنواقص البشرية، وحملة تطهيرية، لتصفية الرواسب، التي تتكلس في قرارات الإنسان، خلال أحد عشر شهراً أو خلال سنين ماضية، فتوفر هذا الشهر للإنسان فترة هدوء وراحة بال وانقطاع إلى الله ليعيد ترتيب أفكاره ويجدد صفقته مع الله تعالى حيث التجارة التي لن تبور أبداً، والصفقة الرابحة على الدوام.

ولا تخفى النفحات الربانية والذكريات الإسلامية، ففي هذا الشهر الكريم أنزل الله سبحانه وتعالى كتابه الكريم هدى للعالمين، فأحيا به القلوب، وطهر به النفوس، وحرّر به العقول وأيقظ به الضمائر وعالج به مشكلات الإنسانية، وفي هذا الشهر فرض الله الصيام، وأصبح الصوم فريضة الله الكبرى التي اختصها سبحانه وتعالى بأنها له وأنه يجزي بها، ويكافئ الصائم خير المكافأة عليها، وهو شعيرة من شعائر الله لم تكتب على المسلمين إرهاقاً لجسومهم، ولا إرهاقاً لأرواحهم، ولكن هي راحة كبرى لأعضاء الجسم وأجهزته المختلفة، ففي الصوم رياضة للنفس وتقويم للطبع وتهذيب للسلوك، وفي ذلك يقول (صلى الله عليه وآله وسلم) ليس الصيام من الأكل والشرب، إنما الصيام من اللغو والرفث، فإن سابك أحد أو جهل عليك فقل إني صائم، والصوم جُنة ووقاية من كل الآفات النفسية والخلقية والروحية. وفي هذا الشهر الكريم تفتح أبواب الجنان، وتغلق أبواب النيران، وتصفد الشياطين، وفيه الليلة المباركة التي تهبط فيها الرحمات على الطائعين، أنها ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، فهل نستغل فيها هذا الفضل بطاعة الله وأداء فرائضه وقراءة كتابه والتفكير لإعانة خلقه ولنجعل من هذا الشهر الكريم ساحة تقارب وتراحم وصلة، ولنرمي من خلالها شظايا الهم والقلق والتوتر بمسحة العفو والصفح والترابط.