الإيمان حركة تكاملية فعالة في داخل الإنسان،
تعمل على تحديد مساره في الحياة وتوجيهه نحو الرقي والتكامل البشري.
ولا تختص هذه الحركة في جانب معين دون آخر، أو
في فترة زمنية دون أخرى، بل هي مع الإنسان وفي الإنسان والى الإنسان
كما خلقه الله وأودع فيه كنز الفطرة، وكما يريده.
إن شل الحركة الإيمانية عند البعض أفقدهم الكثير
من مستوى الرقي عمن دونهم من الأحياء، وأركزهم في وحل تحكم الغرائز
والشهوات وتعطيل دور الإيمان والعقل.
بل إن الحياة في هكذا نماذج مرتبكة الإيمان أو
معدومته جحيم لا يطاق، كما هو مشاهد في عصرنا الحالي، فحينما انسحب
الإيمان عن ساحة الحياة، وأصبح تراثاً يطالع، والعمل به لا يعدو عن
كونه طريقة رجعية تبعث على النفور والاشمئزاز، شلت حركة الحياة
التكاملية، بل وتراجعت في حسابها الزمني إلى قرون.
وسعادة الإنسان لا تحددها المادة مهما أبدعت
بالإنتاج والتطوير.. فالتقدم إلى الانحطاط وموت الحريات، والتقدم إلى
السقوط والفساد.
فهذه الحياة الضيقة الموبوءة المملوءة بالقلق،
هي نتيجة انعدام الإيمان وبالتالي فقدان الملجأ الفكري والمأمن الروحي
المعنوي في الحياة الفردية والاجتماعية في هذا القرن المضطرب ولا خلاص
من هذه الدوامة المحيرة والنجاة من آثارها المقلقة إلا باللجوء إلى
الاعتقاد الإيماني. ويقول الدكتور بول أرنست أدولف إخصائي في الجراحة
العامة في جامعة بنسلفانيا: (أن أهم عامل لشفاء المريض ليس الفيتامينات
والأدوية والمعدنيات والعمليات الجراحية و.... وإنما هو الأمل والإيمان،
لقد توصلت إلى أنه يجب – فيما بعد – أن يعالج جسم المريض بأعمال
الوسائل الطبية والعمليات الجراحية وتعالج روحه بتقوية إيمانه بالله
تعالى، وقد ثبت أنه إذا لوحظت مسألة الإيمان التوسل بالله تعالى في
أثناء المعالجات واعتبرت عاملاً من عوامل العلاج فإنه ستحصل لدينا
نتائج رائعة..
وفي شهر رمضان يوجد زخم كبير من البرامج الروحية
والعبادية التي تصقل الإيمان وتبعث اليقين إلى نفس الإنسان والطمأنينة
إلى روحه، لذا نرى أن الخير يزداد في هذا الشهر كّماً وكيفاً للفرد
والعائلة والأرحام والمجتمع، ومنها مجالس النساء كما ينقل في السعودية
حيث تساهم في حل الخلافات الزوجية.
فأحاديث المجالس النسائية كثيرة ولا تنتهي،
مستمرة دون توقف، متغيرة حسب الحدث، متجددة باختلاف الحاضرات.
فالمستجدات الاجتماعية البارزة على الساحة تحتل عادة قمة هرم أهم
المواضيع، وتنقسم الصفوف النسائية بين معارضة ومؤيدة ومحايدة، ويشتد في
كثير من الأحيان فوران النقاش في محاولة لتأثير رأي على أخر، لكنه يخلص
في النهاية دون تأثير يذكر على الحاضرات في جو من الألفة والمرح.
ويطفو على أحاديث المجالس النسائية خلال الشهر
الكريم ما يعرض من برامج دينية وثقافية وأسرية وترفيهية داخل المجتمع،
وتتناسب مع قدسية وخصوصية الشهر. ويتطرق الحديث أيضا إلى الوجبات
الرمضانية والبرامج التلفزيونية، ويمتد ليصل إلى المشاكل الأسرية التي
تنشأ بسبب الصيام، وتصل ببعض المجالس إلى عقد اجتماعات خاصة فقط لحل
الخلافات الأسرية.
وفي سياق ذلك، قد تنشأ داخل بعض البيوت السعودية
مشاكل خلال النهار (في رمضان) لأسباب بسيطة، وتقوم بعض المجالس بدعوة
مجموعة كبيرة من السيدات والفتيات، ويتم خلال اللقاء استضافة اختصاصية
اجتماعية أو طبيبة نفسية أو موجهة دينية لنقاش هذه الخلافات، ووضع
الحلول المناسبة لها، ويتم أيضا من خلال اللقاء توجيه الفتيات وإرشادهن
حول الحياة الزوجية، وحقوق وواجبات المرأة المسلمة تجاه زوجها. تقول (سارة
.س) «إن المشاكل بينها وبين زوجها تزداد في شهر رمضان نظرا لكونه مدخنا
شرها، وبالتالي فان امتناعه عن التدخين خلال النهار يجعل منه نارا
موقدة»، وتضيف: «انه يخلق من كل شيء مشكلة ويطلب أصنافا من الطعام
كثيرة وصعبة الطبخ من اجل استفزازي، ويظل طوال الوقت بهذا الشكل حتى
يفطر، وبعدها يعتذر عما سببه لي من مضايقات ويطلب مني أن أسامحه على
عصبيته وانفعاله».
وترى (سعاد .ي) «إن المشاكل التي تقع بينها وبين
زوجها تختلف إلى حد ما عن غيرها فهي تنشأ بعد الإفطار وليس قبله، فهو
يلتزم الصمت طوال نهار الصيام ويغلق غرفته ويرفض إن يكلمنا أو يشتري أي
شيء من نواقص البيت مهما كان السبب، وفور إفطاره يبدأ في تفقد النواقص
ويسأل لماذا غير موجود هذا أو ذاك، وإذا أجبت أن القصور منه وليس مني
يدب بيننا الخلاف». وتقول (مضاوي .ع): «أن على الأزواج تفهم طبيعة
علاقتهم والتعامل من خلال حدود وتفاصيل هذه العلاقة والابتعاد عما يسبب
لكل منهما الضيق طوال العام وليس خلال رمضان فقط».
وتعلق (العنود .ح) على ما يطرح خلال المجالس من
حلول، خاصة مع وجود اختصاصيات يناقشن الحلول بشكل علمي صحيح، بالقول «إن
مثل هذه اللقاءات تساعد المرأة على التعامل مع قضاياها الأسرية، وإن
كانت هناك مواقف غير متوقعة تحدث ويعجز الإنسان عن التصرف خلالها، لكن
يجب أن تكون مجالس السيدات عميقة الطرح وتدور حول قضايا المرأة العامة
والخاصة». ويفسر الدكتور حسين الحميد، استشاري الطب النفسي بمستشفى قوى
الأمن، آلية تحديد الناس للمواضيع التي يتناقشون فيها فيقول «إن ما
يتكلم عنه الناس عادة هو ما يقع في دائرة اهتمامهم، وما يدور في
تفكيرهم، ويحدث في داخلهم القلق والضيق، ويبدي الناس آرائهم ويمنون
أنفسهم بالشيء الذي يريدون إن يحدث أو يخافون وقوعه، ويظل الناس
يناقشون ما يهمهم ويخافون منه في مجالسهم، فلو وقعت قضاياهم في مكان
آخر غير مجتمعهم، فلن يعيروها أي اهتمام ولن يشغلوا أنفسهم بها ولو
للحظة لأنها لا تقع في دائرة اهتماماتهم.
فما أجمل أن نستغل أيام هذا الشهر الكريم في
قضاء حوائج الناس وحل مشاكلهم بدل قضائها في سهرات الغناء والرقص في
الخيم الرمضانية الآثمة فعن رسول الله (ص) (من سعى في حاجة أخيه المؤمن
فكأنما عبد الله تسعة آلاف سنة صائماً نهاره قائماً ليله..). |