لا أحد يعرف على وجه اليقين تاريخ نشأة موائد
الرحمن في مصر ولكن الشيء المؤكد انها تعد أحد أهم مظاهر الاحتفال بشهر
رمضان وتشهد توسعا كبيرا وتنافسا محموما بين القائمين عليها حيث وصل
عدد منظميها الى 10 آلاف شخص ويقدر عدد روادها بـ3 ملايين شخص من سكان
المحروسة.
هناك من يقول ان الأمير احمد بن طولون مؤسس الدولة
الطولونية في مصر هو أول من أقام مائدة الرحمن في مصر في السنة الرابعة
لولايته حيث جمع القواد والتجار والأعيان على مائدة حافلة في أول أيام
رمضان وخطب فيهم «انني لم أجمعكم حول هذه الأسمطة إلا لأعلمكم طريق
البر بالناس، وأنا أعلم أنكم لستم في حاجة الى ما أعده لكم من طعام
وشراب، ولكنني وجدتكم قد أغفلتم ما أحببت أن تفهموه من واجب البر عليكم
في رمضان، ولذلك فإنني آمركم أن تفتحوا بيوتكم وتمدوا موائدكم وتهيئوها
بأحسن ما ترغبونه لأنفسكم فيتذوقها الفقير المحروم»، وأخبرهم ابن طولون
أن هذه المائدة ستستمر طوال أيام الشهر الكريم.
وهناك من يقول نقلا عن المقريزي ان الخليفة المعز
لدين الله الفاطمي كان أول من وضع تقليد الإكثار من المآدب الخيرية في
عهد الدولة الفاطمية، وهو أول من أقام مائدة في شهر رمضان يفطر عليها
أهل الجامع العتيق «عمرو بن العاص» وكان يخرج من قصره 1100 قدر من جميع
ألوان الطعام لتوزع على الفقراء.
ويحكي المقريزي ان القصر الشرقي الكبير كانت فيه
قاعة أطلق عليها «قصر الذهب» وكان الخلفاء يتخذونها لجلوسهم وأعدوها
لولائم الافطار في رمضان، فاذا جاء وقت الغروب امتدت الموائد وحليت
بالأزهار ونسقت عليها أنواع المأكولات والحلوى والقطائف.
وكان الفاطميون يعدون الموائد تحت اسم «دار الفطرة»
وكانت تقام بطول 175 مترا وعرض أربعة أمتار.
ومن أشهر أصحاب الموائد في تلك الفترة كان الأمير
ابن الضرات المولود بحي شبرا بالقاهرة حيث كانت له أراض واسعة تدر عليه
مليوني دينار سنويا، وكان ينفقها في رمضان حيث يعد موائد بطول 500 متر
ويجلس على رأسها وأمامه 30 ملعقة من البلور يأكل بكل ملعقة مرة واحدة
ثم يلقي بها ويستخدم غيرها.
وقد أخذت موائد الرحمن مساحة كبيرة من الحديث في
كتاب «وصف مصر» الذي أعده علماء الحملة الفرنسية على مصر وذكروا انها
عادة رمضانية حيث يتولى الأعيان والتجار اقامة الموائد في الشوارع
الكبرى ويتبارى كل منهم في تقديم أشهى المأكولات التي يغلب عليها طابع
الحلويات، وفي المساء تبدو الشوارع مضاءة وصاخبة، ويجتمع الناس في أبهى
الملابس وينغمسون في كل أنواع التسالي.
وفي عام 1967 تولى بنك ناصر الاجتماعي الاشراف على
موائد الرحمن بشكلها الحالي في مسجد الخلفاء بمصر الجديدة من أموال
الزكاة، وكان أشهر تلك الموائد المائدة التي تقام بجوار الجامع الأزهر
والتي يفطر عليها أربعة آلاف صائم يوميا، وبعد ذلك بعشرة أعوام بدأت
مشاركات الوزراء ورجال الأعمال ورؤساء الجامعات في اقامة موائد الرحمن.
ولعل أشهر تلك الموائد هي المائدة التي يقيمها سنويا الدكتور فتحي سرور
رئيس مجلس الشعب المصري في حي السيدة زينب حيث مقر دائرته الانتخابية،
وتتميز بتواجد العديد من المندوبين عن المائدة يحملون أكواب البلح وقمر
الدين قبل الافطار ويستوقفون المارة والسيارات لحظة انطلاق مدفع
الافطار فمن كان قريبا من منزله اكتفى بالشراب، ومن كان بعيدا عن بيته
أخذوه الى مائدة الرحمن، ونفس الأمر يحدث أيضا في بقية الموائد التي
يقيمها مشاهير المجتمع المصري.
وقد أثار دخول الفنانات ساحة المنافسة في اقامة
موائد الرحمن خلال الأعوام السابقة جدلا عنيفا بين رجال الدين الذين
انقسموا بين مؤيدين ومعارضين لمثل هذه الموائد، فبعض الشيوخ أفتوا بعدم
جواز الافطار على موائد الفنانات استنادا الى قوله صلى الله عليه وسلم
«إن الله طيب لايقبل إلا طيبا»، ولأن مصدر أموال هؤلاء الفنانات هو من
إظهار مفاتن الجسد، إلا ان دار الإفتاء المصرية أعلنت ان موائد الرحمن
من باب البر أياً كان مصدرها، فلماذا نمنع الفنانات من اقامتها ابتغاء
مرضاة الله.
ومن أشهر الفنانات اللاتي كن قد بدأن اقامة موائد
الرحمن في مصر كانتا الراقصة فيفي عبده وشريهان والمطربة المغربية
سميرة سعيد وتضم تلك الموائد ما لذ وطاب من الاطعمة.
ومن ابرز الظواهر اللافتة للنظر في موائد الرحمن هي
لجوء العديد من رجال الأعمال القائمين عليها الى الاستعانة بالوجبات
الجاهزة من المطاعم الكبرى أو الفنادق بدلا من اعداد الطعام في مطابخ
ملحقة بمخيمات قريبة من تلك الموائد، بل ان الأكثر من ذلك ان بعض
الجمعيات الخيرية قد بدأت في اتباع تقليد جديد هو ارسال وجبة الافطار
الى منازل الفقراء، وهي الطريقة المناسبة مع شريحة من المصريين الذين
يمنعهم الحياء من الذهاب الى الموائد أو يصعب عليهم الخروج إليها في
الشوارع لأسباب مختلفة.
ويصل مقدار ما ينفقه القائمون على موائد الرحمن
خلال شهر رمضان في القاهرة وحدها الى مليار جنيه حسب دراسة حديثة
اعدتها لجنة الفتوى بالأزهر الشريف، وفي دراسة أخرى أعدتها جامعة
الأزهر قدرت عدد رواد موائد الرحمن في مصر بـ5 في المائة من مجموع
السكان أي حوالي 3 ملايين مواطن، كما بلغ عدد منظمي موائد الرحمن ما
يقرب من 10 آلاف شخص ينفقون على موائد القاهرة مليار جنيه بالاضافة الى
مليار آخر في بقية المحافظات. |