مسجد السيدة نفيسة واحة ايمانية فريدة

 

زيارة واحدة في رمضان لمسجد السيدة نفيسة رضي الله عنها تكفي لكي تصبح عاشقا لهذا المكان مدى الحياة، فالمسجد العريق يتمتع بحالة روحانية نادرة جدا تبعث على الهدوء والسكينة في نفس كل زائر ولذلك فهو يحظى بمكانة عالية في وجدان المصريين الذين يكثرون من زيارته خاصة يوم الأحد من كل اسبوع أو كما يطلقون عليه يوم الحضرة،

ولابد أن تشمل الزيارة ضريح السيدة نفيسة المقام النفيسي وصلاة العصر، ولا يعرف أحد ما هو السر وراء ارتباط الزيارة بيوم الأحد ولماذا صلاة العصر بالتحديد التي يختصها مريدي السيدة نفيسة ولكنه كما قال الشيخ حسن حفيد أقدم أئمة المسجد الشيخ عبدالخالق إنه اجتهاد من المصريين توارثوه جيلا عن جيل فمن منطلق حبهم لآل البيت خصصوا لكل ضريح من أضرحة آل البيت يوما للزيارة أطلقوا عليه الحضرة.

وهذه الطقوس التي يمارسها الآلاف من مريدي نفيسة العلوم لا تقتصر على البسطاء فقط وإنما تواظب عليها مجموعة كبيرة من صفوة المجتمع من وزراء وعلماء ورجال سياسة نذكر منهم الدكتور فتحي سرور رئيس مجلس الشعب ود. اسامة الباز مستشار الرئيس مبارك للشئون السياسية ومصطفى كمال حلمي رئيس مجلس الشورى ومن المسئولين السابقين المهندس حسب الله الكفراوي وزير الاسكان وعبدالحليم موسى وحسن الألفي وزيرا الداخلية والدكتور اسماعيل سلام وزير الصحة السابق كما اختار الشيخ الشعراوي رحمه الله مكانا بالقرب من مسجدها ليقيم استراحته المشهورة والتي ما زالت موجودة حتى الآن وبها مائدة للفقراء.

وخلال شهر رمضان الكريم تتحول ساحة مسجد السيدة نفيسة الى واحة ايمانية ساحرة قلما توجد أمام مسجد آخر غيره وربما يكون المكان المتسع والحديقة الموجودة أمامه خلقت له هذه الخصوصية، كذلك فإن المقابر المحيطة بالمسجد تضيف الى المكان رهبة وخشوعاً، ويقضي القادم الى مسجد السيدة نفيسة في رمضان أجمل الأوقات ما بين صلاة العصر وآذان المغرب حيث يجتمع داخله مئات الصائمين من محبيها لقراءة القرآن في حين تلتف أعداد غفيرة أخرى حول الشيخ حسن الجمل إمام وخطيب المسجد ليستمعون الى الدرس اليومي.

الدعاء المستجاب

وليس غريبا أن يحظى مسجد السيدة نفيسة بهذه المكانة العظيمة عند المصريين الذين عرف عنهم حب آل البيت وأولياء الله الصالحين فمنذ وصولها الى مصر عام 193 التفوا حولها وأحاطوها بحبهم ورعايتهم ودأبوا على زيارتها للاستفادة من علومها وليسألونها الدعاء وبعد وفاتها لم ينقطعوا عن زيارة ضريحها وزاد اعتقادهم في كرامات السيدة نفيسة ونفحاتها حيث أصبح يقينا لديهم أن المشهد النفيسي من المقامات التي يستجاب فيها الدعاء فنذروا النذور وأكثروا من الصلاة والدعاء بالمسجد وعلى مدى أكثر من 1200 عام توارثت الأجيال هذه المعتقدات وتوافد الى مقامها المريدون من شتى أنحاء مصر للصلاة في رحاب مسجدها الطاهر، وظل المسجد على مدار تاريخه الطويل ضمن اهتمامات العلماء والأمراء والحكام الذين تعاقبوا على مصر فجددوا المقام ووسعوا المسجد حتى وصلت مساحته الآن الى حوالي ألفي متر بعد أن كان مجرد حجرة في دار أبي جعفر خالد بن هارون السلمي، فكان من المعروف عن كافور الأخشيدي أنه لا يدع زيارة السيدة نفيسة في الخميس من كل أسبوع فيدخل الى ضريحها يسأل الله قضاء حوائجه ويفي بالنذر وينثر المسك والطيب على مقامها ويحسن على الفقراء الموجودين به، وكان معروف أيضا عن خديوي مصر عباس حلمي الثاني اعتقاده الشديد في كرامات السيدة نفيسة وقد قام بتجديد مسجدها عام 1314هـ وأقام في هذه المناسبة احتفالا كبيرا حضره الأمراء والعلماء والأعيان وصلى فيه الجمعة وظل المسجد مفتوحا حتى صباح اليوم التالي بسبب تزاحم الزائرين الذين جاءوا اليه من شتى أنحاء مصر، وكانت آخر التجديدات التي شهدها المسجد منذ حوالي عشرة أعوام على يد الدكتور علي المفتي رئيس جمعية المهتدين لعمارة مساجد آل البيت وشملت التجديدات توسعات كبيرة ضاعفت مساحته ليصبح حوالي ألفي متر واقامة دور ثاني للحريم ودارا للمناسبات، ويحفظ المصريون سيرة السيدة نفسية رضى الله عنها عن ظهر قلب والمكتوب جزء منها على مدخل مقامها، كما طبعت سيرتها في كتيبات خاصة بها كل مناقبها وكراماتها.

كرامات السيدة نفيسة في مصر

تقول هذه الأوراق عن حفيدة الرسول ان السيدة نفيسة رضى الله عنها ولدت بمكة المشرفة أثناء خلافة أبوجعفر المنصور، ونشأت رضوان الله عنها في المدينة المنورة التي كان والدها حسن الأنور واليا عليها، وكانت تحب تلاوة القرآن والعبادة مع ملازمة حرم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، واتسمت بالزهد والورع والصلاح والتقوى ولما بلغت من العمر 15 عاما رغب كثير من الصالحين في خطبتها الى أن وافق والدها على زواجها من اسحاق المؤتمن وهو من آل البيت بعد أن رأى في المنام أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وافق على الزيجة فتم الزواج ورزقت منه بالقاسم وأم كلثوم، وكانت رضي الله عنها كثيرة التلاوة للقرآن الكريم وتفسيره صائمة النهار، قائمة الليل، وقالت عنها زينب بنت أخيها خدمت عمتي نفيسة أربعين سنة فما رأيتها نامت ليلا ولا نهارا بل كانت مشتغلة بالعبادة وما أفطرت إلا في العيدين وأيام التشريق.

حجت السيدة نفيسة ثلاثين حجة وكانت تتعلق بأستار الكعبة وهي تطوف وتبكي وتقول: إلهي وسيدي ومولاي.. متعتني وفرحتني برضاك عني فلا تسبب لي سببا يحجبني عنك، إلهي سهل لي زيارة قبر خليلك ونبيك ابراهيم عليه السلام فأجاب الله طلبها وزارت قبره الشريف بعد آخر حجة لها أوائل عام 193هـ ثم توجهت الى مصر مع والدها حسن الأنور وزوجها اسحاق المؤتمن وولدها القاسم وابنتها أم كلثوم.

إسلام 70 يهوديا على يديها

عند قدوم السيدة نفيسة رضوان الله عنها الى مصر استقبلها الرجال والنساء بالهوادج وفرحوا بها فرحا عظيما نظرا لحبهم الشديد لآل البيت ولما سمعوه عن علمها وكراماتها ووصلت السيدة نفيسة الى مدينة مصر القديمة يوم السبت 26 رمضان عام 193هـ ونزلت بدار كبير تجار مصر جمال الدين عبدالله بن الحصاص ومكثت به أشهرا والناس يأتون اليها للتبرك بها والاستفادة من علمها، ثم انتقلت الى دار أم هاني بمنطقة المصاحبة ـ حي الحسينية الآن ـ وكان بهذه الجهة رجل يهودي يدعى أبو السرايا أيوب بن صابر له ابنة مقعدة توجه بها الى السيدة نفيسة واستأذنها في البقاء عندها حتى تعود من الحمام فأذنت لها ولما جاء وقت صلاة الظهر توضأت السيدة نفيسة بجانب الفتاة المقعدة فجرى ماء الوضوء اليها وألهمها الله أن تمسح بذلك الماء أعضاءها فتحركت وشفيت من مرضها وعندما شاهدتها أمها بكت بكاء شديدا ولما حضر والد البنت وعلم ما حدث أسلم وأسلمت معه زوجته وابنته وشاع الخبر في العائلة فأسلم أهلها وكانوا نحو سبعين يهوديا بسبب هذه الكرامة وأصر الرجل على انتقال السيدة نفيسة الى بيته بدرب الكروبيين بجوار مسجد المعرف بشارع القبر الطويل بالحسينية وما زالت هذه الدار موجودة حتى الآن وكذلك الحجرة التي كانت تتعبد فيها، ولما ذاعت كرامات السيدة نفيسة في مصر هرع اليها الناس من كل جهة فازدحموا على بابها وضاق بهم البيت فعزمت السيدة على الرحيل الى الحجاز ولكن أهل مصر تمسكوا بها وتوجهوا الى أمير مصر السري بن الحكم يطلبون منه التدخل لابقاء السيدة نفيسة في مصر فذهب اليها.

15 عاما في مصر

وقد أقامت السيدة نفيسة في مصر 15 عاما حيث جاءت اليها في رمضان عام 193 للهجرة وماتت في رمضان عام 208، ويذكر كتاب الجواهر النفيسة في مناقب السيدة نفيسة رضوان الله عنها لمؤلفه الراحل الشيخ محمد عبدالخالق إمام المسجد أن الإمام الشافعي رضي الله عنه كان يزورها كثيرا ويستمع منها للحديث ويقرأه عليها وكان إذا مرض أرسل اليها أحد أصحابه يطلب منها الدعاء له بالشفاء، ويقول المؤلف انها شاهدت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في منامها يأمرها بالاقامة في مصر ويخبرها بوفاتها فيها فقامت بحفر قبرها الشريف في دار أبي جعفر خالد بن هارون السلمي والمعروف الآن بمسجدها بالمشهد النفيسي ولما جاءها مرض الموت أرسلت لزوجها اسحاق المؤتمن تستحضره اليها من المدينة وزاد بها المرض في أول جمعة من رمضان عام 208هـ فأشار عليها الأطباء بالافطار لما رأوا بها من ضعف فقالت معاذ الله ثم قالت اصرفوا عني طبيبي ودعوني وحبيبي ولما فاضت روحها الشريفة أراد زوجها أن ينقلها الى البقيع عند جدها عليه الصلاة والسلام ولكن أهل مصر تمسكوا بها وطلبوا منه أن يدفنها عندهم فأبى ولكنه رأى في منامه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يأمر بذلك فدفنها في قبرها الذي حفرته بنفسها في مصر. (عن البيان)