شبكة النبأ: في كل عام تتوافد
اعداد مليونيه نحو كربلاء المقدسة من اجل احياء مراسيم زيارة
الاربعين (والتي تصادف في العشرين من صفر)، مشيا على الاقدام، حيث
تلتقي عند قبر الامام الحسين بن علي (ع)، واخيه الامام العباس بن
علي (ع)، الذي استشهد مع الامام الحسين في واقعة كربلاء الشهيرة،
لكن ما ميز الزيارة المليونية لهذا العام انها جاءت مليئة
بالتحديات الارهابية والحملة الشرسة التي شنها تنظيم ما يسمى
(الدولة الاسلامية/ داعش) ضد اتباع اهل البيت (ع) من المسلمين
الشيعة، بعد ان سيطر على مناطق واسعة من العراق، شملت محافظة
الموصل بالكامل، اضافة الى اجزاء من صلاح الدين وديالى والانبار
وكركوك ومحافظة بابل القريبة من مدينة كربلاء المقدسة، في شهر
حزيران الماضي، وهدد تنظيم داعش بالزحف نحو كربلاء المقدسة بعد ان
سيطر على منطقة جرف الصخر (التي استردها الجيش العراقي مدعوما
بالمتطوعين الشيعة لاحقا) واصبح على مشارف الطريق الرئيسي الرابط
بين كربلاء المقدسة والعاصمة العراقية بغداد.
وسبق تحرير المناطق القريبة من كربلاء المقدسة من سيطرة تنظيم
داعش، عدة انفجارات بسيارات مفخخة طالت مركز المدينة، الامر الذي
عكس واقع امنيا يشوبه الكثير من المخاطر، سيما وان امكانية حفظ
ارواح الملايين من القادمين نحو كربلاء المقدسة في ظل هكذا اوضاع
قد تبدو ضعيفة، لكن ما حدث قبل وبعد الزيارة، وعلى حسب تصريحات
اغلب المراقبين وكبار المسؤولين الامنيين والخدميين فاق جميع
التصورات، فأعداد الزائرين قفزت الى الضعف، خصوصا من الاجانب الذين
وصل عددهم الى اكثر من اربعة ملايين زائر من عشرات الجنسيات
العربية والاسيوية والغربية، كما ان عدد الخروقات الامنية تكاد
تقترب من نتيجة الصفر (اذ اطلق ارهابيون عدد من قذائف الهاون التي
استهدفت مدينة كربلاء وادت الى استشهاد شخص واصابة اخرين بجروح)،
وتجاوزت المنافذ الحدودية العراقية مع دول الجوار طاقتها
الاستيعابية بعد ان شارك ملايين من المسلمين الشيعة الاجانب مع
العراقيين في احياء زيارة الامام الحسين بن علي (ع)، وتحدي الارهاب
الذي هدد بإسالة انهار من الدماء باستهداف الزائرين في محاولة لمنع
اقامة هذه الشعائر الدينية التي لا تتناسب وفكرهم التكفيري المتطرف
والذي منع اغلب التوجهات الدينية الاخرى التي تخالف معتقداتهم في
المناطق التي سيطر عليها، اضافة الى تفجيره لأغلب المراقد والرمز
الدينية المقدسة لعامة المسلمين في العراق وسوريا.
تحدي التهديدات الإرهابية
فقد أحيا الملايين من الشيعة في العراق ذكرى أربعينية الإمام
الحسين في مدينة كربلاء رغم التهديدات بتعرضهم لهجمات، وتقول
السلطات العراقية إن حوالي 17 مليون شخص زاروا كربلاء على مدار
الأيام الأربعين الماضية، وبقي الكثير منهم في المدينة لإحياء
الذكرى الأربعينية، وشارك أكثر من مليون شخص من إيران، وعُززت
الإجراءات الأمنية لمنع عناصر تنظيم الدولة الإسلامية ومجموعات
مسلحة أخرى من شن أي هجمات، وكان البعض منهم قد ساروا على اقدامهم
لأكثر من اثني عشر يوماً للوصول الى كربلاء من مدن في اقصى جنوب
العراق، أو عبر حدود إيران، في حين تكدس آخرون في حافلات او شاحنات
للقيام بالرحلة، وأظهرت الصور الجوية التي التقطت للمدينة أنهار من
المصليين المرتدين اللباس الاسود وعلى رؤوسهم اشرطة ملونة، ويلوحون
بالأعلام، كما شوهد رجال واقفين على الاسوار والاسطح والشرفات وهم
يحاولون توجيه تدفق الزوار، لتجنب حوادث قد تنجم عن تدافعهم.
يذكر أن الحكومة العراقية كانت قد اغلقت الشوارع الرئيسية في
بغداد منذ البداية لأسباب أمنية، حيث قيدت السلطات حرية التحرك
والتنقل للتقليل من مخاطر الهجمات، كما شددت السلطات اجراءاتها
الامنية، وسط مخاوف من احتمال شن عمليات انتحارية وسط الحشود،
لإيقاع أكبر قدر من الخسائر البشرية، وأما المدن التي تسكنها
غالبية شيعية في جنوبي العراق، فقد بدت البعض منها فارغة تماماً من
سكانها خلال هذه الذكرى الأربعينية، في حين قال وزير الدفاع
العراقي خالد العبيدي إن سبعة عشر مليون شخصاً مروا على كربلاء
لإحياء ذكرى الاربعينية، بينهم أكثر من اربعة ملايين اجنبي من ستين
دولة، وتوافدت أعداد كبيرة من الزوار على المدينة للوصول إلى مرقد
الإمام الحسين، الذي قتله جيش يزيد بن معاوية عام ستمئة وثمانين
ميلادية، وهم يضربون على رؤوسهم وصدورهم تعبيرا عن الحزن، وتعتبر
اربعينية هذا العام رمزاً لمواجهة الشيعة لتنظيم "الدولة
الإسلامية" المتطرف، والذي يكفر الشيعة. بحسب فرانس برس.
وقد كثفت السطات العراقية تدابير الأمن في ما يعتقد أنه أحد
أكبر التجمعات الدينية في العالم، وحاول مسؤولون كبار في الحكومة
العراقية ذات الاغلبية الشيعية، وايضاً عدد من رجال الدين، تصوير
زيارة هذا العام كنوع من أنواع المقاومة ضد مسلحي تنظيم "الدولة
الإسلامية" الذين سيطروا على مساحات كبيرة من البلاد في شهر يونيو
/ حزيران من العام الجاري، وقد قدمت بلدية طهران ستين شاحنة قمامة
وعشرة آلاف متطوع من عمال النظافة للتخلص من أطنان النفايات التي
خلفتها عشرات الآلاف من الوجبات التي قُدمت للزائرين.
وأعلن اللواء الركن قيس خلف رحيمة، قائد عمليات الفرات الأوسط
التي تتبع لها كربلاء، إن "أعداد الزائرين فاقت كثيرا السنوات
الماضية"، ما دفع السلطات إلى "فتح منافذ دخول جديدة" إلى المدينة،
وفي خطبة الجمعة، أكد الشيخ عبد المهدي الكربلائي ممثل المرجع
الشيعي الأعلى السيد علي السيستاني، إن كربلاء "لم تعد تستوعب
بإمكاناتها الحالية هذه الأعداد الهائلة من الزائرين"، وفي
المحافظات الجنوبية ذات الغالبية الشيعية، بدت الشوارع شبه خالية
من المارة، مع انتقال العديد من القاطنين فيها إلى كربلاء، وتسعى
السلطات العراقية إلى تأمين شعائر هذا العام في حين يؤكد رجال
الدين الشيعة أهمية رمزية المشاركة فيها، في تحد للمتطرفين، في
إشارة إلى تنظيم "الدولة الإسلامية"، وفي دلالة على الأخطار
المتزايدة، قتل شخص وأصيب أربعة بجروح، في سقوط تسع قذائف هاون على
مناطق في غرب كربلاء، بحسب مصادر أمنية وطبية عراقية، واتخذت
السلطات إجراءات أمنية مشددة لتفادي تكرار الهجمات التي غالبا ما
تعرض لها شيعة العراق أثناء إحياء مناسباتهم الدينية في الأعوام
الماضية، والتي أدت إلى مقتل العشرات.
وقال وزير الاتصالات حسن الراشد خلال زيارته هذه المنطقة، ان
"الانتصارات التي تحققت في جرف الصخر كان لها اثر كبير على المسيرة
المليونية ضمن هذه المنطقة" التي تشكل جزءا مما يعرف باسم "مثلث
الموت"، وشهدت سلسلة اعمال عنف طائفية خلال العقد الماضي، وينتشر
حاليا في هذه المنطقة ذات الطبيعة الزراعية والتي تمتد على مساحة
واسعة بين بغداد وكربلاء والانبار (غرب)، مقاتلون من "الحشد
الشعبي" المؤلف من مجموعات شيعية تقاتل الى جانب القوات الحكومية،
منها "منظمة بدر" و"عصائب اهل الحق" و"كتائب حزب الله"، واوضح
الراشد، وهو احد قادة "منظمة بدر"، ان "اليوم كل محيط كربلاء اصبح
آمنا نتيجة هذه الجهود ودماء الشهداء والتضحيات ومشاركة حقيقية
لجهد الحشد الشعبي والقوات الامنية".
تدفق غير مسبوق للأجانب
فيما يتدافع الزوار الايرانيين بالألاف لتخطي حرس الحدود
الايراني والعبور الى الجانب العراقي الذي سهل دخولهم مع الغاء
تاشيرة الدخول للمشاركة في احياء ذكرى اربعين الامام الحسين،
واحتشد الزوار وبعضهم يرفع رايات كتب عليها "معا نسحق الارهاب" في
الساحات عند معبر زرباطية الحدودي بانتظار سيارات لنقلهم الى
المراقد المقدسة، في تدفق يعكس تحديا لتنظيم الدولة الاسلامية
المتطرف، وقال حسين رحيمي من محافظة كرمان "اتينا بامر من اية
الله علي خامنئي للزيارة"، ورغم انه ات للزيارة وليس لقتال
الجهاديين اوضح وهو يمسك بصورة صغيرة لخامنئي مثبته على ظهر جواز
سفره "نريد ان نوصل رسالتنا الى المجموعات الارهابية، باننا
مستعدون لقتال المجموعات الارهابية هنا حالا"، واوصى خامنئي باداء
زيارة الاربعين وامر السلطات بتسهيل كافة الاجراءات للزوار، بحسب
مسؤول ايراني، ووضع الزوار اشرطة على جبهتهم كتب عليه "يالثارات
الحسين" و "لبيك يا حسين" واخرى "الى طريق كربلاء"، وقال زائر اخر
يدعى علي اكبر رضائي قادم من محافظة مشهد "اتينا الى هنا كي نبلغ
المجموعات الارهابية باننا هنا في ساحات المعارك ضد الدواعش" (نسبة
الى احدى تسميات تنظيم الدولة الاسلامية الجهادي).
واضاف وهو يرتدي ملابس سوداء "اتينا الى هنا من اجل ان نثبت
وجودنا هنا في العراق"، وتخوض القوات العراقية معارك شرسة على عدة
جبهات ضد تنظيم الدولة الاسلامية الذي سيطر على مناطق شاسعة شمال
وغرب البلاد، واقرت ايران مؤخرا بشن ضربات جوية ضد معاقل للتنظيم
المتطرف، كما اعلنت انها ارسلت مستشارين لمساعدة بغداد في حربها ضد
المتطرفين، وعلى الرغم من مضاعفة السلطات اعداد الموظفين الا ان
حجم تدفق الزوار فاق قدرة المسؤولين المحليين لا سيما مع ضعف البنى
التحتية في المعبر الحدودي، بحسب قول المسؤولين، واكد وزير
الخارجية الايراني محمد جواد ظريفي دخول مليون زائر الى العراق
للمشاركة في الاربعينية معتبرا ان "مراسم الزيارة هذا العام هي رمز
الانسجام والوحدة بين البلدين"، وقال عادل الزركاني نائب محافظ
واسط ان "عدد الزوار تجاوز حتى اللحظة خمسمئة الف ونتوقع ان يتجاوز
المليون خلال الايام القليلة القادمة وهو عدد غير مسبوق"، واضاف
"ما زالت الخدمة دون مستوى الطموح والدعم الحكومي غير كاف امام
الافواج البشرية، اننا نواجه صعوبات في استيعاب (الزوار) وتقديم
المبيت اللائق لهم وتوفير الغذاء والشراب"، وبرر المسؤول العراقي
هذه الزيادة في اعداد الزوار التي تجاوزت الضعف مقارنة بالعام
الماضي، بالانتصارات الميدانية التي حققتها القوات العراقية مؤخرا
ضد تنظيم الدولة الاسلامية في جرف الصخر ومناطق اخرى، وقال ان
"الانتصارات التي حققتها القوات العراقية اعطت حافزا وتحديا واضحا
من قبل الزوار الايرانيين" للتنظيم المتطرف، بدوره، راى مدير عام
الحدود اللواء علي تموز ان الغاء رسوم تاشيرة الدخول البالغة سابقا
ثمانين دولارا شجع الكثير من الزوار هذا العام، والى جانب معبر
زرباطية هناك ثلاثة معابر اخرى في محافظات الجنوبية تشهد اقبالات
مماثلا. بحسب فرانس برس.
وقال رئيس الوزراء العراقي الشيعي حيدر العبادي أثناء زيارة
لكربلاء الواقعة على بعد 80 كيلومترا جنوب غربي بغداد إن السلطات
لديها معلومات بأن مهاجمين سيندسون بين حشود الزوار وسيقتلون
المدنيين في كل مكان، وأضاف أن قوات الأمن ستحبط أي محاولة لإفساد
الأربعينية لكنها تواجه تحديا مزدوجا، وحولت قوات عراقية كثيرة
جهودها للتصدي إلى مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في أماكن أخرى
بالعراق مما اضطر السلطات إلى الاعتماد بصورة أكبر على الميليشيات
الشيعية للحفاظ على النظام لكن مشاركة الأجانب في أربعينية الحسين
هذا العام زادت كثيرا بعد قرار العراق تخفيف متطلبات اصدار تأشيرات
السفر للزوار، وقال مسؤول في الهجرة إن رسوم إصدار تأشيرة سفر
والتي تصل في العادة إلى 40 دولارا ألغيت بالكامل وأظهرت لقطات
فيديو من على معبر الشلامجة الحدودي مع إيران والواقع على بعد 15
كيلومترا إلى الشرق من البصرة الآلاف يتدفقون عبر البوابات يوميا،
وقال مسؤول حدودي كبير يوم إن 200 ألف إيراني عبروا بالفعل، وقال
اللواء صدام عبد الصاحب إن هذه هي أول مرة يشهد فيها المعبر طوال
تاريخه هذا العدد الكبير من الوافدين، وأضاف أن تدفق هذا العدد
الكبير لم يحدث من قبل إلا بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003
والإطاحة بصدام حسين الذي خاض حربا استمرت ثمانية أعوام مع إيران
وحظر احياء ذكرى أربعينية الحسين، وعبر نحو مئة ألف الحدود حينئذ،
وقال نائب لمحافظ كربلاء إن مليوني أجنبي وصلوا بالفعل إلى كربلاء
معظمهم إيرانيون وإن الملايين الأخرى ستصل من داخل العراق الذي
تعيش فيه أغلبية شيعية، وقالت علوية نجاة وهي زائرة إيرانية جاءت
إلى كربلاء إنها لم تقرر المجيء إلا عندما سمعت "بمعجزة" الغاء
رسوم التأشيرات، وأضافت "جمعت عائلتي وأحضرنا ملابسنا، لم نكن
مستعدين لكننا جئنا فحسب". |