شبكة النبأ: يؤشر الامام الراحل،
آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، عددا
من المقومات التي من شأنها أن تعيد موقع الصدارة للمسلمين، كما كان
عهدهم في قيادة البشرية، الى ما هو أفضل وأكثر حفظا لكرامة
الانسان، التي بدأت في عصرنا الراهن تتعرض للانتهاك، على الرغم من
ادعاءات الغرب بوصفهم قادة الحضارة كما يؤكدون ذلك في مناسبة او من
دونها، بأنهم يحرصون على حرية وحرمة الانسان، لكننا نلاحظ ضعفا في
التطبيق، إن لم ينتفي تماما، فالانسان معرّض للانتهاك في حقوقه
وكرامته، ويتحمل المسلمون عبر العالم، قسطا أكبر من هذه التجاوزات،
على ايدي بعض الحكومات والحكام.
لذلك يرى الامام الشيرازي أن صيانة كرامة المسلمين تكمن في عدة
مقومات، منها الكفاءات ودورها في البناء والتطوير على الصعيدين
الفكري والعملي، وكذلك الاخلاص في العمل، فهذان المقومان، او هاتان
الركيزتان، تمثلان منطلقا اساسيا نحو التغيير الايجابي، ويؤكد
الامام الشيرازي أن قضية عودة المسلمين الى سابق عهدهم، تستدعي
تمسكا بالمنهج الحسيني، وعلينا أن نمضي قُدُما في هذا الطريق،
وصولا الى الهدف المبتغى، ولكن علينا اولا أن نفهم ما هي
الاشتراطات التي تعيش فيها الكفاءات وتؤدي دورها على الوجه الأمثل.
فهل يمكن ان تترعرع وتنمو الكفاءات في الاجواء المستبدة؟ وهل
الارهاب يساعد على ذلك، ثم كيف يمكن للكفاءات ان تؤدي دورها في
الاجواء المختنقة، لهذا على المعنيين من قادة سياسيين وغيرهم من
قادة النخب الاخرى أن يهيئوا الظروف الصحيحة التي تتلاءم معها
الكفاءات، حتى تقوم بواجبها على افضل وجه.
يقول الامام الشيرازي في كتابه القيم، الموسوم بـ (الحسين عليه
السلام مصباح الهدى)، في هذا المجال: (إن الكفاءات لا تعيش في جو
الاختناق والإرهاب، ولا تظهر ثمارها في مثل هذا الجو). إذن لا
نتائج جيدة ولا ثمار ناضجة في محاربة الكفاءات، ولكن للاسف هذا ما
يحدث في بلاد المسلمين، حيث تضطر هذه الشريحة الى الهجرة القسرية
من بلادها الى اجواء تناسبها، والسبب هو الاستبداد السياسي دائما.
كما نقرأ ذلك في قول الامام الشيرازي بكتابه نفسه: (إن هجرة
الكفاءات من أسباب قوّة الغرب وضعف المسلمين، فقد جاء في تقرير
مسبق: خلال ربع قرن فقط هرب من أصحاب العقل والفكر وذوي الكفاءات
العلميّة والعمليّة، من الشرق الأوسط إلى امريكا واروبا وغيرها،
زهاء نصف مليون، هذا بالإضافة إلى الذين قُتِلوا، أو جُمّدت
نشاطاتهم، أو لم تتفتق مواهبهم من ملايين المسلمين).
الكفاءات وركيزة الاخلاص
هناك رابط وثيق بين الاخلاص والكفاءات، يتمثل بالمنتج الذي يمكن
أن نحصل عليه من الكفاءات، فالاخلاص هو عامل حتمي سنجده بصورة
دائمة مع الكفاءات، بمعنى ان المنهج الذي يعتمده الانسان الكفؤ، هو
الاخلاص دائما، ولولا هذا المنهج، لا يمكن أن يكون هناك تأثير كبير
للكفاءات في بناء المجتمع وتطوره، ولكن للاسف يعاني المسلمون من
ظاهرة محاصرة الكفاءات واقصائها، الامر الذي يجعل دورها شبه معدوم
او ضعيف، والسبب هو الاستبداد دائما، حيث الحكام يلاحقون العلماء،
فيتم بذلك إلغاء دورهم، ومن ثم تشريدهم بشتى السبل، ومنها القتل
والنفي وما شابه.
يقول الامام الشيرازي حول هذا الجانب: (لقد أصبحت غالب البلاد
الإسلامية في الحاضر، في عصر النور والذرّة تعاني من حيث سحق
الكفاءات وملاحقة أصحاب العقل والفكر بأبشع مما كانت تعاني منه في
القرون الوسطى وفي عصر الظلم والظلمات، فقد طارد حكّام تلك العصور
كفاءات من أمثال جابر بن حيان الكيماوي الكبير، حتى اختفى).
لذلك لا يمكن أن نتوقع نهوضا اجتماعيا وسياسيا وعلميا، اذا لم
يكن هناك وعيا بدور الكفاءات، والاخلاص في العمل، والالتزام
بالمنهج الحسيني وقضاياه التي تتعلق بتطوير العقل والارادة الفردية
والجمعية، لذلك ليس هناك طريق آخر امام المسلمين سوى التمسك
بالمنهج الحسيني، وهذا يتطلب أن نتعامل مع هذه المدرسة بوعي
واخلاص.
كما يؤكد ذلك الامام الشيرازي في قوله بكتابه المذكور نفسه: (من
الضروري الإهتمام بمزيد من الإخلاص في قضايا الإمام الحسين عليه
السلام، واقتران ذلك بالتقوى). وثمة تأكيد دائم على الربط بين
العمل وبين الاخلاص، حيث نلاحظ تقاربا بين (الكفاءة/ العمل/
الاخلاص)، هذه الثلاثية التي تمكنت من نقل المجتمعات المتأخرة الى
مراكز متقدمة في العالم، لذلك هناك اجر جيد عن العمل الجيد، ويرجع
هذا الى الاخلاص في ذلك العمل، وانجازه بكفاءة تامة.
لذا يؤكد الامام الشيرازي على (انّ العمل إذا لم يكن منبعثاً عن
الإخلاص لم يكن له أجر، بل كان له وزر). هذه هي القيمة الحقيقية
للاخلاص، فبدلا من يكون هناك أجر عن العمل المنجز، يكون الوزر، أي
الذنب، لذلك سوف تضيع سدىً كل الاعمال التي تفتقر للاخلاص.
مكافحة الانحراف
من الامور المتَّفق عليها، أن الانحراف يمكن أن يحدث في مجالات
عديدة فكرية وعملية، وهو في الغالب يكون نتاج غياب الاخلاص
والكفاءة، فمن لم يكن مخلصا في اعماله، لا شك انه سوف يتعرض لبؤر
الانحراف الكثيرة، وهذا ما يستدعي منا البحث عن سبل تدعم الكفاءة
وترسّخ الاخلاص في العمل، وهي مبادئ أساسية في المنهج الحسيني.
فمن يسعى للسير في مسار الحق، والتطور، والتقدم، سيجد ذلك متاحا
في المبادئ الحسينية التي تدعو الى الاخلاص، وتجد في الكفاءات
ركائز تدعم الدولة والمجتمع، بل تقوّم سيرة الفرد وتضاعف من
قدراته، لذلك لابد من الالتزام بالفكر الحسيني والسير على طريق
الامام الحسين عليه السلام، حتى نتمكن من تصحيح الاخطاء الكثيرة
التي تضج بها حياتنا.
إننا لا نختلف عندما نقول أن الكفاءات محاصرة في بلادنا، ولا
نختلف ايضا عندما نقول بغياب الاخلاص في العمل، او ضعفه في افضل
الحالات، ولذلك نعاني من الفوضى، والضعف والارباك في مجالات الحياة
كافة، إننا بصريح الكلام، لم نعر ما يكفي من الاهتمام بالكفاءات،
لاسيما القادة السياسيين في مختلف الحكومات التي تعاقبت على ادارة
شؤون المسلمين، لهذا قد نعاني من مشكلة فقدان الاخلاص بالعمل، وهذا
يدل على ضعف في تطبيق المبادئ الحسينية عمليا في حياتنا، لأننا
فيما لو التزمنا بهذه المبادئ، فإننا لاشك سوف نسير على طريق
التقدم والتطور، لسبب بسيط ان المنهج الحسيني لا يقبل الظلم، ولا
الاقصاء ولا التهميش، ولا غياب الاخلاص في انجاز الاعمال المنوطة
بنا.
وهذه الركائز فيما لو اجتمعت تؤدي الى بناء افضل للدولة
والمجتمع، لذا ليس امامنا سوى الالتزام بالفكري الحسيني، وبطريق
الامام الحسين عليه السلام، وان نراعي الكفاءات، وندعم مبدأ
الاخلاص بالعمل، فهذه كلها دلائل ومؤشرات على اننا ملتزمون بطريق
الامام عليه السلام، ولا شك أن نتائج هذا الالتزام سوف تصب في
مكافحة اشكال الانحراف كافة، وتصب ايضا في مجال تحقيق الاجواء
المناسبة للكفاءات لكي تبدع وتتطور.
كما يؤكد ذلك الامام الشيرازي في كتابه (الحسين عليه السلام
مصباح الهدى)، إذ يركز سماحته قائلا للمسلمين بلسان فصيح وكلام
واضح: (إذا التزمنا بذلك، نكون قد ساهمنا في بيان هدف الإمام
الحسين عليه السلام، وواصلنا نهجه في مكافحة الإنحراف العقائدي
والعملي كالكفر والنفاق والرذيلة والمرض والجهل والفقر والتخلّف
والفوضى والحرب والعدوان). ولعنا جميعا نتفق على أن القضاء على
اشكال الانحراف السابق ذكرها، سيعمل حتما على انتاج حاضنة اسلامية
تساعد وتعاضد الكفاءات، وترسّخ الاخلاص كقيمة اساسية في الأعمال
كافة، وتضع اقدامنا على الطريق الحسيني المعبَّد بالمبادئ الحسينية
العظيمة. |