شبكة النبأ: في الطريق الى كربلاء
المقدسة، سئل شخص صديقه وهو يرافقه في المشي على الاقدام، وسط
الالاف من الرجال والنساء والاطفال المسرعين في التقدم نحو قبر
الامام الحسين بن علي (ع) "ما هي ابلغ رسالة يمكن ان تعبر عنها هذه
الزيارة؟"، فأجابه بعبارة واحدة "انها رسالة سلام ضد العنف".
وكانت التهديدات الامنية الكبيرة التي رافقت جميع زيارات
الاربعين السابقة تؤدي بحياة العشرات من ارواح المواطنين العراقيين
والاجانب الذين وفدوا بالملايين لإحياء هذه الشعيرة المقدسة، الا
ان الزيارة الحالية لها اختلاف استثنائي عن باقي الاعوام السابقة،
بعد ان هدد تنظيم ما يعرف (الدولة الاسلامية/ داعش) بالتقدم نحو
كربلاء واراقة المزيد من الدماء، خصوصا وهم يرومون استهداف زائري
المدينة من المدنيين الذين لا يحملون معهم سوى ارواحهم، واحتل
تنظيم داعش مساحات واسعة من العراق، بعد سيطرته على محافظة الموصل
بالكامل، في شهر حزيران الماضي، اضافة الى مساحات كبيرة من محافظة
الانبار وصلاح الدين وديالى، واجزاء من كركوك وبابل، وشكل هذا
التقدم (سيما في منطقة جرف الصخر التي لا تبعد سوى بضع عشر من
الكيلومترات عن عمق كربلاء المقدسة، والتي كانت منطلقا، اضافة الى
عامرية الفلوجة، لعمليات التنظيم في استهداف المدنيين) لعناصر
التنظيم تحديا هائلا للقوات الامنية، حتى وصل الامر الى درسه
القيام بإجراءات احترازية لمنع سقوط اعداد كبيرة من الضحايا (في
حال تمكن التنظيم من اختراق الخطوط الامنية)، وكان منها تحويل
المشي على القدمين الى ركوب الحافلات من اجل الحفاظ على ارواح
الزائرين.
ورافقت هذه التهديدات الامنية، تهديدات ديمغرافية خطيرة، بعد ان
هجر تنظيم داعش مئات الالاف من القوميات التركمانية والشبك
(الشيعة)، في المحافظات والمدن التي استولى عليها، حيث استقبلت
كربلاء المقدسة لوحدها، اكثر من 70 الف نازح، حيث سكنوا في مدن
الزائرين والحسينيات والجوامع، اضافة الى الفنادق والدور السكنية،
على طول الطريق الرابط بين كربلاء-بغداد وكربلاء-نجف وكربلاء-
الحلة، وهو ذاته الطريق الذي يسلكه ملايين الزائرين، الامر الذي
شكل تحديا اخر تمثل في عجر اصحاب المواكب والحسينات في التوفيق بين
جموع الزائرين والنازحين من مدنهم تحت تهديد عنف داعش المتطرف.
الغريب ان جميع هذه التحديات الامنية والديمغرافية قد ذابت مع
اول خطوة تحركت نحو كربلاء المقدسة، فالانتصارات الكبيرة التي
حققتها القوات الامنية المدعومة من قبل المتطوعين الشيعة (قوات
الحشد الشعبي) قد اذهلت الجميع، خصوصا بعد الانتصار السريع في
منطقة (جرف الصخر)، الذي اربك جميع حسابات التنظيم، وبالأخص زعيم
داعش ابو بكر البغدادي، الذي امر مقاتليه بالانسحاب نحو الفلوجة
بعد ان حاصرت القوات الامنية عامرية الفلوجة التي شكلت ثاني اخطر
المدن التي ينطلق منها الارهابيون نحو كربلاء المقدسة، وجاءت
عمليات عاشوراء (وهو الاسم الرمزي لتحرير جرف الصخر) قبل ايام من
ذكرى استشهاد الامام الحسين بن علي (ع) لتكون البداية في تغيير
معالم العنف التي حاول المتطرفين زرعها خلال ثورة الاربعين
العالمية التي تحاول ايصال رسالة السلام بدلا من العنف والتطرف.
ومع تدفق الالاف الزائرين نحو مدينة كربلاء المقدسة (والتي يقدر
اعداد الزائرين في كل عام نحو 15 مليون زائر خلال عشرة الى خمسة
عشر يوم)، والتي تصادف في موسم الشتاء، فان الخلاف بين النازحين
والزائرين لم يكن حول اقتسام الاماكن التي كانت في السابق مأوى
للزائرين، وانما اصبح الخلاف حول من يخدم من؟
فقد انبرى النازحين من مدنهم في توفير اماكن السكن والطعام
والشراب، رغم ما تعرضوا له من عمليات نهب وسلب على يد عناصر داعش،
وهو امر اذهل الجميع وبالأخص الوافدين على كربلاء المقدسة الذين
رفضوا ان يستخدموا اماكن السكن او الاستراحة التي منحت للنازحين
على الرغم من الحاح (النازحين) بالمبيت في هذه الاماكن.
ويتوقع مراقبين ان تكون هذه الزيارة الاكبر على الاطلاق، بعد
ورود ارقام اولية حول تدفق مئات الالاف من الاجانب عبر المنافذ
الحدودية، اضافة الى الوصول المبكر لجموع المعزين نحو كربلاء، وهو
امر اخر يدل على اصرار المسلمين الشيعة في تحدي العنف والارهاب عبر
ارسال رسالة سلام تؤكد ان لا سلاح ولا ارهاب ولا تطرف يمكن ان يقف
في مواجهة من امن بالسلام وامن بسيد السلام، الامام الحسين بن علي
(ع)، وان من شك في ان هذا السيل الهادر يمكن ان يقف او يتردد
بتهديد او خلاف، فهو لم يعرف جيدا ماذا يعني الامام الحسين بن علي
(ع)، وماذا تعني زيارة الاربعين العالمية. |