شبكة النبأ: معروفٌ عن الامام
جعفر الصادق، عليه السلام، أنه رمز العلم والمعرفة، ومؤسس أول حوزة
علمية في عالم التشيع، الى جانب ذلك نلاحظ أنه صاحب الفضل الكبير
في تدوين معظم الزيارات والاعمال الخاصة بالإمام الحسين، عليه
السلام، وهو شهيد كربلاء، وبطل المواجهة الدامية بين الحق والباطل.
ولعل مقامه – عليه السلام- الماثل حتى اليوم، في شمال مدينة
كربلاء، يكون دلالة على وجود اهتمام كبير وبالغ منه للنهضة
الحسينية، وتقديمها على سائر القضايا التي نهض من اجلها الأئمة
المعصومون، عليهم السلام.
ومن أهم الدروس في هذا المجال، تحدي السلطة والانظمة السياسية
الحاكمة التي ترى انها على النقيض من مبادئ واهداف النهضة
الحسينية، وأن الحرية والوعي والكرامة الانسانية لاتخدم مصالحهم.
لنقرأ ما جاء في الرواية عن الامام الصادق، عليه السلام، في حق
زوار الامام الحسين، عليه السلام، وهو حديث طويل يدعو فيه الامام
لزوار الحسين، يقول: "اللهم يا من خصّنا بالكرامة، ووعدنا
بالشفاعة، وخصنا بالوصية، وأعطانا علم ما مضى وعلم ما بقي، وجعل
أفئدة من الناس تهوي إلينا، اغفر لي ولأخواني و زوار قبر أبي عبد
الله الحسين، الذين أنفقوا أموالهم وأشخصوا أبدانهم، رغبة في برنا،
ورجاءً لما عندك في صلتنا، وسروراً أدخلوه على نبيك، وإجابة منهم
لأمرنا، وغيظاً أدخلوه على عدونا، أرادوا بذلك رضاك، فكافئهم عنا
بالرضوان، وأكلِئْهُم بالليل والنهار، وأخلف على أهاليهم وأولادهم
الذين خلفوا بأحسن الخلف، واصحبهم واكفهم شر كل جبار عنيد... اللهم
إن أعدائنا عابوا عليهم بخروجهم، فلم ينههم ذلك عن الشخوص إلينا،
خلافاً منهم على من خالفنا، فارحم تلك الوجوه التي غيرتها الشمس،
وارحم تلك الخدود التي تتقلب على حضرة أبي عبد الله الحسين، -عليه
السلام-".
إن الزائرين سيراً على الاقدام نحو مرقد الامام الحسين، عليه
السلام، لا يفكروا في مواجهة سياسية مع حاكم او مسؤول في الدولة،
لرد فعل ما، او لتحقيق مطلب ما، كما هي التظاهرات المطلبية او
الاحتجاجية والاستنكارية الهادفة الى إسقاط هذا الحاكم او ذاك
النظام، إنما يسيرون في هذه التظاهرة لهدف سلمي مئة بالمئة، فالهدف
هو تكريس مبادئ وقيم النهضة الحسينية، بل يمكن القول؛ أن الزحف
المليوني الذي نشهده هذه الايام، وهو في تزايد سنة بعد أخرى، يمثل
نوعاً من العرفان بالجميل، من الجموع البشرية، للإمام الحسين، لما
قدمه من دروس التضحية والتحدي والصمود التي يلمسون فوائدها العملية
في واقعهم، سواءً من هو في العراق او في ايران او في الخليج او في
افريقيا او بلاد الغرب وفي أي مكان آخر، من العالم. ففي أي مكان
يحصل خطأ او انحراف في الأداء السياسي، سواءً كان من مسؤول صغير او
كبير، فانهم يرون الحسين الى جانبهم، وعندما يشعرون بالحاجة الى
استخدام نوع من الشدّة والصرامة في الخطاب، يجدون انفسهم على رمال
معركة الطف أمام قوى الانحراف والضلال والتضليل.
وهذا تحديداً كان يفسر خشية النظام الصدامي من شعيرة المشي في
زيارة الاربعين، فهم لم يكونوا يمانعوا في تلك السنوات العجاف، من
ان ينتقل الزوار عبر الحافلات والسيارات الى كربلاء المقدسة لأداء
مناسك الزيارة، وهو ما كان يحصل على طول أيام السنة، وحتى في سائر
الزيارات المندوبة للامام الحسين، عليه السلام، بيد أن مجرد السير
على الاقدام لاعداد ربما تكون بالعشرات، يبعث الرعب في نفوس رئيس
النظام واركان حكمه، رغم ما يدعونه من القوة والمنعة وامتلاكهم
الاموال الطائلة وسيطرتهم على ثروات العراق، التي كانت تقدر في سني
السبعينات بمئات المليارات من الدولارات، الى جانب دعواهم بقدرتهم
التنظيمية في تسيير ابناء المجتمع نحو اهدافهم المرسومة.
فاذا كان المشي والسير على الاقدام مبعث خشية وخوف من لدن طلاب
السلطة والمال والجاه، فانه درسٌ - في الوقت نفسه- لكل مسؤول و
سياسي في أي موقع كان، لأن يوفق منهجه وبرنامج عمله مع المبادئ
الحسينية التي هي ذاتها تعطي الشعارات المرفوعة بخدمة الناس
(المواطنين) وتحقيق طموحاتهم، مصداقية حقيقية، وتخرجها من كونها
كلمات جوفاء وعبارات للاستهلاك الاعلامي والدعائي.
إن السير على الاقدام، يتم عبر مشاعر غاية في الصدق والشفافية،
فليس في الامر أي تعبئة او تحشيد او وعيد بشيء ما لقاء الذهاب الى
كربلاء لزيارة الامام الحسين، عليه السلام، فمن كان يريد أن يسلم
من المواجهة مع الجماهير ومن المطاردة والمحاسبة، ما عليه سوى أن
يواكب قوافل "المشاية" من خلال تطابق منهجه وسلوكه وعمله – ما
أمكنه ذلك- مع مبادئ النهضة الحسينية. |