شبكة النبأ: عرفت الشعوب الاسلامية
منذ اواسط القرن الماضي انها تعيش في ظل أنظمة وحكومات تحت شعار "الاسلام"
وتدرج في دساتيرها تطبيق الشريعة الاسلامية، عدا بعض الدول التي تخلّت
بالاساس عن الموضوع منذ البداية مثل تركيا وتونس، بغض النظر عن مسألة
التطبيق والتعارض الحاصل بين الاحكام والشريعة الاسلامية وبين المناهج
المتبعة والقرارات والاجراءات التي تتخذها على اكثر من صعيد. بيد ان
المحصلة، أن الناس يعيشون في ظل أجواء اسلامية، وبامكانهم ممارسة
شعائرهم الدينية بشكل طبيعي.
أما اليوم (الحقبة الراهنة)، فانها تتعرف على نقطة مضيئة أخرى في
حياتها تحت شعار الاسلام نفسه، وهي التضحية من اجل القيم والمفاهيم
الانسانية التي يحملها هذا الدين، لما لها من اهمية بالغة لها في حياة
الانسان، ومن اجلها جرت واقعة مأساوية مدوية في التاريخ على أرض كربلاء
يوم العاشر من شهر محرم سنة 61 للهجرة، فقد قتل ابن بنت رسول الله، صلى
الله عليه وآله، دون الحرية والكرامة الانسانية، وقيم الوفاء والصدق
وغيرها كثير من قيم السماء السمحاء التي اراد لها الامام الحسين، عليه
السلام، ان تسود بين الناس، سواءً أهل الكوفة، في زمانه، أو جميع سكان
المعمورة وعلى مدى الأزمان.
فاذا كانت تلكم المفاهيم والقيم من صميم الدين، بل وتعكس الفطرة
الانسانية، فهذا يعني ان تكون لها مكانة خاصة من الاهتمام في جميع
الدول الاسلامية، ولو بنسب معينة، وهذا يتأكد استحقاقاً في مرحلة
النضوج السياسي الذي شهدته بلادنا، حيث المطالبة بحرية المعتقد
والتعبير والاجتماعات والتظاهرات والاعتراضات وغيرها من الحريات
السياسية، بل واحياناً الحريات الفردية، فاذا تضمنت الدساتير حرية
التعبير والانتماء الى الاديان والمذاهب واحترامها، فان احترام وحماية
الشعائر الحسينية التي تصدح بهذه المفاهيم وتعمل على نشرها، يكون
بمنزلة الروح والمصداقية لتلك المواد والفقرات الدستورية، بما يعني إن
أي تعرّض وعدوان على هذه الشعائر، بأي شكل من الاشكال، يمثل تجاوزاً
وانتهاكاً للقيم والمفاهيم الدينية. واذا يقتل انسانٌ وهو يمارس
الشعائر الحسنية، فانما تقتل الحرية والكرامة الانسانية والفرصة لتحقيق
السعادة في الحياة.
هنا؛ تحديداً تقع المسؤولية على جميع الانظمة السياسية في العالم
الاسلامي دون استثناء، فهي قرأت – لاشك- او سمعت بالحسين، عليه السلام،
ونهضته وقضيته، وعرفت المغزى والحقيقة، كما يعرفها جيداً المناوئون
للحسين وقضيته في وقتنا الحاضر، الامر يحملهم مسؤولية حماية أي نوع من
أنواع إحياء ذكرى هذا الامام الهمام وقضيته الحقّة، من أناس يخشون هذه
القضية ويخشون الحق ايضاً، لمعرفتهم الكاملة بخطورتها على مصالحهم
ومكانتهم ومصداقيتهم، فلا يجدون طريقاً سوى اتباع المنهج الاموي
والعباسي بسفك الدماء وممارسة الاساليب الارهابية والقمعية
والاستفزازية، فقط وفقط، لوضع السدود امام هذا المد الهادر والحؤول دون
اتساع مساحة اليقظة والوعي في العالم بما تحمله نهضة الحسين، عليه
السلام.
وفي الوقت الحاضر حيث يبحث عديد الحكام في بلادنا عن المشروعية
لنظامهم السياسي، فان هذا الاستحقاق يتأكد يوماً بعد آخر. وإلا ما الذي
يجبر زعيم بلد اسلامي على أن يصف يوم عاشوراء بانه "درسٌ للحياة،
فالامام علمنا بدمه الطاهر درساً لتجنب الحرص والطمع والظلم
والجور..."؟ فيما تعد دولة اخرى أن "كل ما لديها هو من محرم وصفر...".
وهكذا تصريحات لزعماء ورؤساء ومسؤولين كبار يمتدحون النهضة الحسينية
وقضية الامام الحسين، عليه السلام، ويدّعون الوصل بها.
وكلما كان التوجه والتبني لحماية الشعائر الحسينية، ومراسيم إحياء
ذكرى الامام الحسين، عليه السلام، كان ذلك أضمن للمصداقية، ليس فقط لما
يدعون ويقولون بشأن الامام ونهضته وقضيته، إنما لما يدعون من تبنيهم
للشريعة الاسلامية، وأنهم يحكمون بلداً "اسلامياً".
يكفيهم أن يلاحظوا القوانين التي تلتزم بها دول غربية تستضيف جاليات
اسلامية (شيعية)، فالمسيرات والمواكب الحسينية تتوفر لها اجراءات أمنية
خاصة، ولو أن هذه الحماية تعود الى بنود دستورية تكفل التعبير السليم
عن الرأي والمعتقد والاجتماعات، الحؤول دون حصول احتكاك او تصادم مع
جهات مغايرة في الرأي. بمعنى أن لكل مساحته في الحرية الدستورية. وفي
بلادنا الاسلامية، الجميع يقرون مبدأ الحرية،الى جانب شعارات، مثل
الوحدة والعدل والمساواة وغيرها، مما يعني أنهم الأجدر في الحفاظ على
مصداقية هذه الشعارات التي تعد من صميم الاسلام ومن دعائمه الفكرية. |