شبكة النبأ: بسبب انتعاش ظواهر
الجشع والطمع، والانحدار المتواصل للقيم الانسانية، يعاني عالمنا
اليوم، ونعني بذلك عالم الانسان، يعاني من ضعف خطير في منظومة
القيم التي تحكم تفكيره وسلوكه، الامر الذي يؤكد الحاجة الكبيرة
لاعادة جميع القيم الفاعلة الى الحياة، بعد اندثارها بسبب تهافت
الدول والحكومات والشركات على تحقيق مصالحها، وفق قانون الجشع
وتمجيد الذات، بغض النظر عن الازمات التي يتعرض لها العالم، وعمّا
يصيب الناس من قهر وحرمان وفقر، فنرى تكدّس ثروات الارض بأيدي
الأقلية، فيما تبقى الاكثرية من البشر، تعاني الجوع والمرض والجهل،
بسبب الضمور الواضح لمنظومة القيم التي تحكم سلوك الانسان وتفكيره.
هنا لابد للعالم والانسانية جمعاء، من البحث الحقيقي والمنظّم
عن بديل قيَمي، له القدرة على إنعاش المشاعر الفطرية الصادقة،
والقيم التي من شأنها أن ترفع قيمة الانسان ومكانته وتحافظ على
كيانه وكرامته، وتجعله مكرّما ومصانا من الذل والابتذال، بسبب
ظاهرة الجشع والطمع التي تحيط بجميع ذوي القدرة والقوة والبطش في
العالم، سواءً على مستوى الدول والحكومات، أو على مستوى الشركات
والاشخاص ايضا، فلا يصح أن ينحدر الانسان الى الحد الذي يجعل منه
عبدا للمال، حتى لو خسر نفسه وقيمه واخلاقه وانسانية.
ولنا في منظومة القيم الحسينية الانسانية خير مثال لانقاذ
الانسان من محنته الراهنة المتمثلة بضآلة القيم، واذا اردنا أن
نتخلص من ازمات الانسان في عموم المعمورة، لابد أن تعاد سجية
الانسان وفطرته، الى الحضور في العلاقات المتبادلة بين الناس افردا
وشركات وحكومات ودولا، وعلينا جميعا أن نضغط بالاتجاه الذي يجبر
الحكومات والسياسيين والمتنفذين في العالم، الى اعتماد قيم جديدة،
تضمن دحر الازمات المتتابعة التي تدمر حيوات المجتمعات في عموم
الارض.
ولدينا ملَكَة الإيثار الحسيني، وهي واحدة من أهم القيم التي
يمكنها أن تحصّن الانسان من العوز، والجهل والمرض، والايثار
بالمفهوم الواضح له، يعني تفضيل الانسان لغيره على نفسه، او
المساواة في المصالح والفوائد وفق قاعدة أضعف الايمان، وعندما
نتابع سيرة الامام الحسين عليه السلام وعلاقاته مع اصحابه وذويه
الاطهار، فإننا سوف نلاحظ اشتغال هذه الملَكة حتى في احلك الظروف
والمواقف، واكثرها صعوبة ومخاطر تصل الى حد فقدان الحياة، وكلنا
على علم بالموقف الإيثاري العظيم للامام الحسين عليه السلام من
أصحابه الذين رافقوه في رحلته من الحجاز الى كربلاء المقدسة، فقد
دعا الامام عليه السلام جميع من معه الى مغادرة معسكر القتال،
ويمكنهم أن يتخذوا من الليل جملا، في اشارة واضحة بأن لهم الحق في
اختيار مغادرة ارض المعركة، وهذه حالة نادرة من حالات نكران الذات،
وهي تصف لنا ذلك الموقف العظيم للامام الحسين عليه السلام حيال
أتباعه، الذين تمسكوا بالبقاء في ارض المعركة، واختاروا الشهادة في
حضرة الحق، والنور والعدل الحسيني الذي رفض الظلم وقارع الطغيان
الأموي بأبشع صوره وأشكاله.
ولا يمكن أن ننسى وقفة سيدنا العباس بن علي بن ابي طالب عليهما
السلام، في مشهد جلب الماء للاطفال والنساء بسبب العطش الذي استشرى
بينهم بسبب منع الجيش الاموي الماء عنهم، في واقعة ظالمة قلّ
نظيرها، على العكس تماما من حالة الايثار التي وصلت حد تقديم الروح
قربانا للتضحية، إذ لا يمكن أن نجد شبيها لها على مر التاريخ،
وعندما نسوّق مثل هذه المواقف العظيمة، وننشرها بين اوساط العالم،
فإن النتائج لابد أن تكون مؤثرة، ولابد للعالم الانساني اجمع أن
يعود الى نفسه وجذوره الأصيلة حتى يتخلص العالم البشري من أزماته
التي صنعها تفضيل الذات على الاخرين من دون وجه حق.
من هنا ليس امام العالم والانسان أينما كان سوى اعتماد ثقافة
الايثار الحسيني، حتى يتخلص من الاعباء الكارثية التي تحيط ببني
البشر، بسبب السياسات الرعناء، والافكار المريضة التي غيّرت
الانسان، وجعلت منه عبدا للمال والشهوات على حساب فقراء العالم
وضعفائه، اما السبل التي يمكن من خلالها ترويج وتسويق ونشر القيم
الحسينية في ارجاء العالم، فإن الامر يحتاج الى جهد عالمي متماسك
ومتشارك في التخطيط والتنفيذ، ولكن لابد أن تكون هناك نوايا صادقة
لى المعنيين بهذا الامر، لاسيما حكومات وقادة الدول وجميع النخب،
إذ ينبغي أن تتقدم هذا الجهد وتخطط له بالصورة التي تجعل منه
ممكنا، حتى يمكن الاستفادة عالميا من القيم القيم الحسينية كافة.
ولعل العالم المحتقن بالصراعات والحروب والامراض الخطيرة
والصفقات المشبوهة، يحتاج الآن لثقافة وملَكة الايثار أكثر من اي
وقت مضى، وهذا يتوافر في القيم الحسينية، ومنها قيمة الايثار
والتضحية من اجل الآخرين، وهي التي تعيد الانسان الى انسانيته
وجذوره وصدقه، ومراعاته لنفسه، بعيدا عن الصراعات والازمات التي
تفتك بالعالم أجمع، بسبب افتقاره للقيم الانسانية التي تعيد اليه
توازنه واستقراره |