شبكة النبأ: الشعائر الحسينية
التي تقام باشكال مختلفة، في الوقت الذي تحمل معها معاني التضامن
والمواساة مع مصيبة الامام الحسين، عليه السلام، وايضاً تبني قضيته
و نهضته، فانها تمثل فرصة للتغيير والبناء الذاتي لمن يريد التحوّل
من حال الى آخر أرقى وأسمى، من خلال تجسيد مفاهيم وقيم، مثل
التضحية والتفاني والوفاء والتواصي والتسامح وغيرها كثير. وهذا لا
يقتصر – قطعاً- على فترة المناسبة الممتدة في شهري محرم وصفر، إنما
تشمل كل ايام السنة، بل هي تشكل فناراً للانسان وسط امواج الفتن
والاضطرابات الفكرية منها والسياسية والاقتصادية.
من هنا نلاحظ سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق
الشيرازي – قدس سره- وهو يوصي بضرورة تحلّي القائمين على الشعائر
الحسينية بالصفات الخاصة، كونهم يمثلون طليعة المجتمع المتأثر بشكل
عام بالذكرى الأليمة، وهذه الضرورة مردّها الى أن تجسيد الصفات
الحسينية و"الكربلائية"، تمهد الطريق لتعميم هذه الصفات على مساحة
أوسع في المجتمع، بحيث تكون لدينا شريحة واسعة ممن يحمل الوعي
والإدراك الكامل لما جرى في واقعة الطف، ويحمل ايماناً عميقاً
باهداف النهضة الحسينية. وهناك مواصفات يوصي بها سماحته في كتابه
"إحياء عاشوراء"، نأتي على بعضها:
أولاً: حاجتنا الى الحسين عليه السلام
هنالك حقيقة علينا أن نعيها وهي؛ إن الامام الحسين، وايضاً
الأئمة المعصومين، عليهم السلام، مستغنون عن الناس، ولا حاجة لهم
بما نصنع من اجلهم، سواء ما نقوم به خلال أيام محرم وصفر، او
المناسبات الاخرى، إنما صاحب الحاجة هو الانسان نفسه، فالمعصومون
يمثلون نوراً ساطعاً كما الشمس في العُلى، تبث الدفء والضوء
والحرارة ولا تأخذ من أحد شيئاً.
وعندما نتحدث عن القيم الانسانية والاخلاقية الدينية التي جسدها
ودعا اليها الامام الحسين، عليه السلام، في نهضته وحتى الساعات
الاخيرة من معركة الطف، فاننا نفخر باننا دون سكان هذا العالم
ننتمي الى مدرسة علمت الاجيال والتاريخ قيم الحرية والعدالة
والكرامة والتضحية من اجل الآخرين. وهذا ليس كل شيء، بل المهم
التعلّم من هذه المدرسة وجعل النهضة الحسينية طريقاً تسير عليه
الاجيال ويشهد لها العالم بالحقانية، وهذه بالحقيقة تمثل فرصة
كبيرة وذهبية لنا بأن نحول هذه المناسبة الى مدرسة نستفيد منها قبل
فوات الآوان، فربما الاجال تداهم الانسان في كل لحظة، لذا يعد
سماحة المرجع الشيرازي الموفقين لخدمة اهل البيت، عليهم السلام، بـ
"السعداء"، والسعادة، هي الامنية العظيمة التي يتمناها كل انسان،
لكن التمني لا يكفي، إنما العمل الجاد والمستمر والواعي في هذا
الطريق، وأن يكون مصداقاً لما ورد في دعاء الافتتاح "....ولا
تستبدل بي غير". يقول سماحته: "هذه العبارة ذات اهمية كبيرة جداً
للقائمين على مجالس العزاء الحسيني على الرغم من مكانتهم المرموقة،
فيجب ان يتنبهوا الى معناها ويدعو الله ان يوفقهم لاستمرار خدمة
اهل البيت، عليهم السلام، حتى الرمق الاخير".
ان البعض يتصور ان كل الفرص متاحة لهم دائماً في حياته بأن يجسد
يوماً ما قيم ومبادئ النهضة الحسينية، بما أوتي من بعض الامكانات
المادية والوجاهة الاجتماعية، فاذا لم يقم بهذا العمل اليوم، يعتقد
ان له فرصة غداً، ولا يهم إن أنفق اليوم او بعد شهر، وهكذا... وقد
وقع في هذا التصور الخاطئ والمنزلق الخطير عدد كبير ممن رافقوا
الامام الحسين، عليه السلام، في مسيرته من مكة الى كربلاء، وحسب
المصادر التاريخية فان عدد من رافقوا الامام حتى أرض العراق، كان
حوالي ألف شخص، لكن حانت ساعة الاختبار العسير، عندما ورد الامام
خبر استشهاد مسلم بن عقيل وهانئ ابن عروة في الكوفة، فادرك الامام
حالة من التململ داخل المحيطين به، فقام خطيباً فيهم وكشف لهم عن
الخبر الأليم بما يعني انقلاب رأي اهل الكوفة على الامام الحسين،
عليه السلام، فاعلن امام الجميع انهم في حلّ من بيعته ولا يلزمهم
بشيء، فمن اراد الانصراف فله ذلك، فتفرق الناس عنه يميناً وشمالاً.
وبقي معه العدد القليل الذي موفقاً في اختياره وقراره، كما كان كلٌ
من زهير ابن القين (العثماني)، والحر (العسكري في جيش ابن سعد)،
موفقان ايضاً في قرارهما التاريخي والمصيري عندما اثبتا قدرتهما
على التغيير الذاتي رغم صعوبة وتعقيد الظروف المحيطة بهم. والتحول
من المغريات والامتيازات، الى حيث الحصار والعطش والموت.
ثانياً: الاخلاص
إنها الصفات والخصال التي يجب ان تتوفر في كل الناجحين
والطامحين نحو الافضل في الحياة، حتى المبدعين والمبتكرين إنما
بلغوا الفتوحات العلمية والاكتشافات الباهرة، من خلال التحلّي بهذه
الصفة، فهم لم يطلبوا من خلال بحوثهم واجتهادهم وتجاربهم، سوى
النجاح وخدمة الآخرين، وبهذا النوع من الاخلاص، خُلدوا في التاريخ،
فكيف اذا كان الاخلاص لله تعالى، ولرسالته السمحاء ولقيمه العظيمة؟
ويصف سماحته الاخلاص في الامام الحسين، عليه السلام، وكيف انه في
الرمق الاخير، حيث أحاط به الاعداء وهو مثخن بالجراح، إلا انه يدعو
الله تعالى: "اللهم انت ثقتي في كل كرب ورجائي في كل شدّة...".
ويصف سماحته هذه الكلمات بانها قمة التسليم والاخلاص لله تعالى،
وأن علينا أن ننتهج نفس النهج في اعمالنا عند خدمتنا في "البيت
الحسيني" وأن لا نتوخى غير إعلاء اسمه وذكره وأهدافه.
ثالثاً: التقوى
وهي النقطة التي يعدها سماحة المرجع الشيرازي، بانها "الأهم"،
وتزداد اهميتها – يقول سماحته – بالنسبة للمعزّين في شهر محرم
الحرام. ولا يخفى على المتابع لتفاصيل النهضة الحسينية، بأن هذه
الصفة أو الملكة في النفس، تمثل شرطاً اساس فيمن واكب حركة الامام
الحسين، عليه السلام، في تصديه للانحراف والطغيان، فالذي يريد
السير في طريق الحسين واصحابه، عليه أولاً ان يتقن التمييز بين
المحرمات وغيرها، والتحسس - ما أمكن – من مواطن الشبهة والوقوع في
المحرم والمعصية، حتى وإن كانت صغيرة يستسهلها الناس، او تحولت الى
عمل دارج في المجتمع، مثل الكذب او النظر الى المحرمات او استحصال
المال بكل الوسائل الممكنة. فهذا لا يعفي صاحبه من اتخاذ الاجراء
اللازم والسريع والتبرؤ من هكذا اعمال وسلوكيات.
هذه الصفة بالحقيقة تمثل باباً واسعاً للنجاح في جميع الاعمال،
لانها توفر لصاحبها الشرعية والمقبولية بين الناس بعد الله –
تعالى- وعندما يكون من الموالين لأهل البيت ، عليه السلام، فالتقوى
تمثل الحصن الاكبر لجملة من المناقب والخصال الحميدة التي تمكن
الانسان من إقامة العلاقات الجيدة والخوض في اعمال ومشاريع ناجحة
ومثمرة تحقق اهدافاً كبيرة لصاحبه وايضاً للمجتمع والامة، وإلا
فهنالك الكثير ممن له القدرة المالية والوجاهة والنفوذ لأن يقوم
بكثير من الاعمال الخيرية والانسانية، لاسيما خلال مراسيم إحياء
ذكرى الامام الحسين، عليه السلام، بيد ان مجرد افتقاد هذه الصفة،
يوقع صاحبه في إشكالات عديدة تضيع عليه فرصة اللحاق بركب الامام
الحسين، عليه السلام، فضلاً عن احتمال انعكاس هذه المشاريع سلباً
على الواقع الاجتماعي، بمعنى أنه بدلاً من ان يكون قريباً من
الامام ونهضته، سيبتعد وتتحول مشاريعه الى نقمة وسبب للنزاعات
وتصفية الحسابات والمناوشات الكلامية... كما يقول سماحة المرجع
الشيرازي في هذا الكتاب. |