شبكة النبأ: في ليلة الحادي عشر
من شهر محرّم الحرام 1436 للهجرة، ليلة الغربة على أهل البيت صلوات
الله عليهم في كربلاء الملحمة والفداء والإباء، وكالسنوات السابقة،
ألقى المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيّد صادق الحسيني
الشيرازي دام ظله، كلمة قيّمة بجموع المعزّين، من العلماء
والفضلاء، والطلبة، وعامّة المؤمنين والموالين لآل الرسول الأطهار
صلوات الله عليهم أجمعين، تطرّق فيها إلى بيان بعض خصائص القضية
والشعائر الحسينيتين المقدستين، إليكم نصّها:
عظّم الله أجورنا وأجوركم بمصابنا بالحسين صلوات الله عليه
وجعلنا وإيّاكم من الطالبين بثاره مع وليّه الإمام المهديّ من آل
محمّد صلى الله عليه وآله وعجّل الله تعالى في فرجه الشريف.
الله هو المنتقم للإمام الحسين
في البداية أعزّي مولانا وسيّدنا بقيّة الله المهديّ الموعود
عجّل الله تعالى فرجه الشريف، فهو وليّ دم الإمام الحسين صلوات
الله عليه، والمتولّي لدم الإمام الحسين عليه السلام ولثأر الإمام
الحسين صلوات الله عليه. والثأر يعني الانتقام، فمن ألقاب مولانا
المهديّ عجّل الله تعالى فرجه الشريف هو المنتقم. وهذا اللقب مشتق
ومأخوذ من لقب الله تعالى، فمن الأسماء الحسنى لله تعالى هو
(المنتقم). وفي الروايات الشريفة أن الله تعالى هو المنتقم لدم
الإمام الحسين صلوات الله عليه. والإمام المهديّ عجّل الله تعالى
فرجه الشريف هو المنتقم بإذن الله تعالى. فراجعوا بحار الأنوار
للعلاّمة المجلسي فستجدون فيه باباً مفصلاً حول ذلك، حيث ذكر إن
الله هو الذي يثأر لدم الإمام الحسين صلوات الله عليه. فكيف يثأر
الله تعالى للإمام الحسين صلوات الله عليه؟ وكيف سيكون هذا الثأر؟
وإننا نستجير بالله تعالى بأن لا نكون في دائرة يثأر الله تعالى
منهم للإمام الحسين صلوات الله عليه، والعياذ بالله.
في عالم البشرية، فإنّ المنتقم لدم الإمام الحسين صلوات الله
عليه هو الإمام المهديّ الموعود عجّل الله تعالى فرجه الشريف، وهو
في طول ثأر الله تعالى وليس في عرضه. وكذلك وفي هذا الطول، أي في
ثأر الإمام المهديّ صلوات الله عليه، فإنّ كل شيء هو مسؤول ومأمور
بالانتقام لدم الإمام الحسين صلوات الله عليه.
مسؤولية الثأر للإمام الحسين
ورد في إحدى الزيارات الصحيحة للإمام الحسين صلوات الله عليه
التي مهما يتأمّل الإنسان فيها ويراجع الروايات الأخرى ويسأل من
الأكابر عنها اعتقد أنه لا يمكنه أن يدرك أبعاد ما ورد في الزيارة
وفي هذه الجملة منها: (وضمّن الأرض ومن عليها دمك وثارك). فهذه
مسؤولية على كل الموجودات، بما فيها الإنس والجن، بل وحتى ذرّات
خاتم العقيق الذي يتختّم به الإنسان، باعتبار أن هذه الذرّات هي من
الموجودات في الأرض، وهي مسؤولة عن الانتقام لدم الإمام الحسين
صلوات الله عليه.
وقد احتار العلماء في هذا القول وهذه العبارة، ومنهم العلاّمة
المجلسي والمرحوم الفيض الكاشاني والمرحوم السيد عبد الله شبّر
وغيرهم، حيث عندما وصلوا إلى هذه العبارة عبّروا عنها بـ(هل وهل
وهل، ولعلّه ولعلّ ولعلّ) علماً بأنهم من المتبحّرين في الروايات
الشريفة.
فما يعني: (وضمّن الأرض ومن عليها دمك وثارك)؟ فالمسؤولية التي
تبيّنها هذه العبارة هي مسؤولية الدم ومسؤولية الثأر. ولهذا أمر
مولانا الإمام الباقر صلوات الله عليه بأن نقول (وجعلنا وإيّاكم من
الطالبين بثاره) عندما يعزّي بعضنا بعضاً بمصاب الإمام الحسين
صلوات الله عليه.
لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين
هنا أذكر لكم رواية عن النبي صلى الله عليه وآله ونقلها مسنداً
الشهيد والأكابر، كالمجلسي وغيرهم رضوان الله عليهم، وهي: (إنّ
لقتل الحسين عليه السلام حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً).
وقبل أن أبدأ بالحديث عن هذه الرواية أرى أن أعزّي بهذه المصيبة
أيضاً، وهي أعظم المصائب في عالم الوجود وهي مصيبة عاشوراء التي
تتجدّد كل يوم وتعلوا دوماً، كما ذكر رسول الله صلى الله عليه
وآله، مهما تعرّضت لمحاولات المحاربة والعرقلة، فهي تنتشر وتتوسّع
في العالم أكثر وأكثر. فأعزّي بهذه المصيبة جميع البشرية المسؤولة
عن دم الإمام الحسين صلوات الله عليهم، سواء تعلم بذلك أو لا تعلم.
فالذي لا يعلم وقاصر فهو معذور، وأما الذي يعلم ويقصّر فهو غير
معذور. وأعزّي بالخصوص كافّة المؤمنين والمؤمنات، الماضين منهم
والحاضرين وأجيال المستقبل، وبالأخصّ الذين كانوا سبباً وخدموا
وبذلوا الجهود لأجل تعظيم الشعائر الحسينية المقدّسة، كل حسب ما
بذل وحسب مقامه، وأدعو للجميع بأن يديم الله تعالى عليهم هذا
التوفيق أكثر أكثر.
بعض مقاطع هذه الرواية الشريفة ترتبط بأصحاب الاختصاص. فـ(لقتل
الحسين) ظرف لا يكون مسند إليه أصلاً كما ذكرت كتب البلاغة
والعربية، فهذا الظرف هو مسند دائماً. والمسند مكانه بعد المسند
إليه أي هو وصف، فيجب أن يكون موصفاً لكي يكون الوصف. والنبيّ هو
سيد الفصحاء كما قال صلى الله عليه وآله: (أنا أفصح من نطق
بالضاد). فلماذا قدّم هذا المسند؟ فالمسند لا معنى له إذا لم يكن
المسند إليه. فمثلاً إذا كان زيد مريضاً أو عالماً أو جالساً أو
كاسباً أو غنياً أو فقيراً (وهي كلها مسند) فيجب أن يكون أولاً
(مسند إليه) وهو (زيد) ليقال عنه بأنه مريض أو عالم أو كاسب وغيره.
فظرف (الجار والمجرور) لا يكون مسند إليه أصلاً، و(الحرارة) هي
مسند إليه. فلماذا أخّر النبي صلى الله عليه وآله (المسند إليه)؟
علماً بأن هذا الأمر له أمثلة كثيرة، ولعله بالمئات، في القرآن
الكريم الذي هو قمّة الفصاحة. وهذا من أسباب الحصر، تقديم ما حقّه
التأخير، وهذا له ظهور في الحصر. ويعني أن هذه الحرارة في قلوب
المؤمنين خاصّة بقتل الحسين صلوات الله عليه، ولا توجد في مكان
آخر.
من علامات الإيمان الرفيع
إنّي ذكرت كراراً وأكرّر مرة أخرى حتى لا تحصل شبهة لأحد وأن لا
يشكّك أحد، وهو أن أربعة أشخاص هم أفضل من الإمام الحسين صلوات
الله عليه، وهم: جدّه وأبوه وأمه وأخوه الأكبر صلوات الله عليهم
أجمعين، ولكن لم يرد بحقّهم عن النبي صلى الله عليه وآله مثل ما
ورد بحقّ الإمام الحسين صلوات الله عليه أبداً. وهذه من خصائص
الإمام الحسين صلوات الله عليه، وهي بالمئات، كما يستفاد من
الروايات الشريفة، التي لم يسع الوقت للأفاضل الماضين كي يكتبوها،
وأرجوا من المؤمنين أن يقوموا بهذا العمل قدر موفقيتهم في هذا
المجال، هذا أولاً.
وثانياً: وهذه (الحرارة) من علامات الإيمان الرفيع. فليمتحن كل
واحد منكم نفسه وليرى كم هي حرارة قتل الإمام الحسين صلوات الله
عليه في قلبه ووجوده، وكم تستمر، وهل تبرد قليلاً ما، أولا تزداد
حرارة يوماً بعد يوم؟
إنّ (لا) في (لا تبرد) هي لام النفي. فما الذي (لا تبرد)؟
الذي لا يبرد هي (حرارة)، وهي نكرة في سياق النفي. وفي سياق
النهي لها ظهور في العموم. فإذا كان هذا فإنّ (لا تبرد) ستكون
موصلة للمعنى الكامل. و(أبداً) قد ذكرها النبيّ صلى الله عليه وآله
للتأكيد، بحيث إن لم يذكر (أبداً) لما كان التأكيد. فالمعنى واضح
ولا لبس فيه.
هذه العبارة أو هذا القول من رسول الله صلى الله عليه وآله فيه
مطالب كثيرة وكثيرة وكثيرة. فتعبير (في قلوب المؤمنين) تشمل الرجال
والنساء. فجع المذكر يأتي للمذكر، ويأتي للمذكر والمؤنث معاً
أيضاً. والقرآن الكريم والروايات ملئية بذلك. والنبي صلى الله عليه
وآله يبيّن أمراً تكوينياً، ومن الممكن أن يكون له مقدّمات الوجود
وأن يكون اختيارياً كما هو كذلك حيث أكثره مقدّمات اختيارية.
ينبغي على الإنسان أن يستمع إلى المراثي حتى لا تقلّ هذه
الحرارة. أو يجلس في بيته ويقرأ كتب المقاتل ويتأمل في مصائب
كربلاء.
للحفاظ على الحرارة الحسينية
أحد العلماء المعاصرين، وهو على قيد الحياة حالياً، قبل قرابة
47 سنة، حضر في مدرسة المرحوم آية الله العظمى السيد البروجردي
رضوان الله تعالى عليه في النجف الأشرف، وكانت المناسبة حينها هي
زيارة الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه في يوم المبعث، وأنا
شخصياً كنت حاضراً أيضاً. فقرأ أحدهم أبياتاً أبكت كل الحاضرين.
وهذا العالم قال لي: أنا ومنذ خمس سنوات لم أبك ولم تسيل دموعي
أبداً، وكنت متألّماً كثيراً على هذه الحالة. فكنت أحضر في مجالس
عاشوراء وكنت أحاول البكاء ولكن بلا جدوى، وبقيت على هذه الحالة
حتى في ليلة وصباح عاشوراء وحتى عند استماعي للمقتل. فتألّمت وسألت
نفسي ما السبب، وما دهاني؟ حتى إني قلت للبعض اقرأوا المصيبة لي
لكي أبكي وأنا على استعداد بأن أعطيكم قبال بكائي الأجرة، فلم
ينفع. فقد قلت لأحد الخطباء المعروفين اقرأ لي المصيبة فإن أبكتني
سأعطيك خمسة دنانير. علماً قيمة الدينار في ذلك الزمان كانت كبيرة،
بحيث أن المرتب الشهري لطالب العلم كانت ديناراً واحداً.
هذا العالم قال لي أما في هذه الليلة فقد بكيت كثيراً. فرحم
الله من جعلني أبكي.
إذن على الإنسان أن يسعى إلى أن لا تقلّ هذه الحرارة فيه، وأن
لا يفعل ما يسبب في تقليل هذه الحرارة، ومنها المعصية، ومن المعاصي
الظلم. فأحياناً يقوم المرء بالظلم ويتصوّر انه ليس من الظلم،
ولكنه في الواقع هو من الظلم. ومن الظلم، كما ذكر العلاّمة
المجلسي، أن يكون عاذراً لأفعال الآخرين ولأعمالهم الخاطئة
ولأقوالهم الخاطئة.
كما على الإنسان أن يأخذ بيد الآخرين أيضاً، من الذين فقدوا
حرارة قتل الإمام الحسين صلوات الله عليه في قلوبهم، وذلك بالتشجيع
وبقراءة الروايات والقصص الخاصّة بذلك، وباصطحابهم إلى المجالس
الحسينية، وأن لا ندعهم يحرموا من درجة هذا الإيمان الرفيع. وهذا
الأمر هو من المسؤولية ومن الأمر بالمعروف، حيث بعض مراتبه وموارده
واجب كفائي، وأحياناً تكون واجباً عينياً، إذا فقد من فيه الكفاية،
وهذا يبحث في مكانه الخاص به. وهذه مسؤولية جميع المكلّفين، رجالاً
ونساء، والعالم والجاهل، والغني والفقير، والعامل والموظّف،
وغيرهم.
مواساة الأنبياء للحسين
إنّ الشعائر الحسينية بدأت من عند الله تعالى، حيث أرسل جبرئيل
عليه السلام للأنبياء ليخبرهم بقضية الإمام الحسين صلوات الله
عليه، ومنهم خليل الرحمن إبراهيم الذي يحظى بأعلى المراتب من بعد
رسول الله صلى الله عليه وآله والمعصومين الثلاثة عشر صلوات الله
عليهم، حيث قال تعالى بحقّه: (واتخذ الله ابراهيم خليلاً). علماً
بأن هذا الاتخاذ هو تشريفي، فالله تعالى ليس له جسم.
ذكرت الروايات الشريفة ان ابراهيم عليه السلام وصل أرض كربلاء،
وهذا الأمر كان قبل قضية الإمام الحسين عليه السلام قرابة أربعة
آلاف سنة، فتعثّرت قدميه بأرض كربلاء وسقط وخرج الدم من رأسه. فسأل
ابراهيم عليه السلام من الله تعالى: ما الذي صدر منّي لكي أعثر
وأسقط ويخرج الدم منّي؟
فقال الله تعالى: ليست عقوبة، بل إنّ هذه الأرض يقتل فيها
الحسين، فسال دمك فيها تأسياً بدم الحسين.
فمن هذا الذي حصل، ما الذي أراد الله تعالى أن يقوله لإبراهيم؟
وماذا يريد أن يقوله لنا؟ وماذا يريد أن يبيّنه للتاريخ؟
فلماذا يجب أن يكسر الرأس؟ ولماذا يجب أن يسيل الدم؟
مكانة الشعائر الحسينية عند علماء
التشيّع
إنّ الأعاظم الأكابر من المحقّقين والفقهاء الورعين المتّقين
استفادوا من الأدلّة كثيراً وجعلوا الاستثناءات لقضية الإمام
الحسين صلوات الله عليه، ومنهم الشيخ خضر بن شلال الذي يذهب لزيارة
قبره الكثير من الناس ويطلبون قضاء حوائجهم فتقضى لهم، ومنهم أنا
شخصياً حيث ذهبت إلى زيارة قبره وقرأت سورة الفاتحة على روح الشيخ
خضر فقضيت حاجتي التي كنت آيساً من قضائها. وراجعوا موسوعة (أعلام
الشيعة) لآغا بزرك الطهراني وانظروا ماذا كتب حول الشيخ خضر
ومقامه، نقلاً عن أكابر مراجع التقليد. فالشيخ خضر كان صاحب سرّ
السيد بحر العلوم رضوان الله عليه وتلميذه. يقول الشيخ خضر في
كتابه (أبواب الجنان) ـ وهو كتاب مهم جدّاً، وأوصي بمطالعته ـ
ويصرّح بأنه إن قام الإنسان بإحياء الشعائر الحسينية ويعلم بأنه
سيقتل، فهذا جائز. بل وقال العلاّمة الأميني بأن مجموعة من العلماء
قد قالوا بهذا أيضًا. ولم يأت العلماء بهذا القول من عندهم بل من
الروايات الشريفة، كما ذكر الشيخ خضر في كتابه المذكور.
وهكذا سال دم النبيّ موسى عليه السلام وغيره من الأنبياء.
فلماذا يخاف ويستوحش البعض من إراقة الدم لأجل الإمام الحسين صلوات
الله عليه؟ فليطالعوا أكثر وليتأمّلوا أكثر، فالروايات كثيرة
وكثيرة ومتواترة ومن درجات المتواتر العالية. ونحن علينا أن نأخذ
بأيدي هؤلاء حتى لا يكونوا من أهل النار، سواء كانوا قاصرين أو
مقصّرين، فو الله من المؤسف والمؤسف، أن يكونوا من أهل النار بهذه
الشبهات.
إنّ الله تعالى يعفو عن حقّه وعن حقّ الأنبياء ولكن لا يعفو عن
حقّ الإمام الحسين صلوات الله عليه أبداً.
مواساة الحسين واجبة على الأنبياء
تأملوا واعلموا ان الله تعالى هو الحكيم والرؤوف والرحمن
والرحيم، فلماذا جرى للنبي إبراهيم عليه السلام ما جرى عليه في
كربلاء؟ إذ كان من الممكن أن يجري على ابراهيم غير ما جرى عليه من
تعثّره وسيلان الدم من رأسه. والله تعالى له القدرة المطلقة وليس
عاجزاً. لكن تأمّلوا في الرواية الشريفة، حيث قال الله تعالى
لابراهيم بعد ما أصابه: لتواسي الحسين. علماً بأن التأسّي يقال
للذين يأتون من بعد المتأسّى به، وليس للذي لم يأت إلى الدنيا بعد.
ولكن الله تعالى في قضية الإمام الحسين صلوات الله عليه قد غيّر
حال ووضع اللغة العربية، وهذا يدلّ على أهمية هذا الأمر وقيمته
الثمينة جدّاً. فماذا يريد الله تعالى أن يقوله حول الإمام الحسين
صلوات الله عليه؟ وما هي رسالة هذه الإرادة الإلهية لنا جميعاً؟
وماذا يريد تعالى أن يقوله للبشرية والتاريخ؟
إنّ الله تعالى قال لابراهيم يجب أن يسيل دمك على هذه الأرض
لأنه قد سبق في علمنا أن في هذه الأرض سيقتل الحسين، فيجب أن تواسي
الحسين ويسيل دمك. فالشعائر الحسينية بدأت من عند الله تعالى
واستمرت عند الأنبياء والأولياء، وخصوصاً عند المعصومين الأربعة
عشر صلوات الله عليهم الذين أكّدوا كثيراً وكثيراً على قضية الإمام
الحسين صلوات الله عليه، ومن بعدهم أكابر وكبار علماء الإسلام،
ومنه السيد الميرزا الشيرازي الكبير رضوان الله تعالى عليه صاحب
ثورة التبغ.
الشيرازي الكبير وإحياء الشعائر الحسينية
فراجعوا الكتب واقرأوا ماذا كتبوا عن الشيرازي الكبير وعن
احواله، ومنها (مآثر الكبراء) و(أعلام الشيعة) وكتاب (تكملة أمل
الآمل) لآية الله السيد حسن الصدر رضوان الله عليه أحد تلامذة
الشيرازي الكبير، وفي (الغدير) للعلاّمة الأميني، وفي (أعيان
الشيعة) للسيد الأمين حيث كتب بحقّ الشيرازي الكبير ما لم يكتبه
بحقّ غيره من الأكابر من العلماء. فالشيرازي الكبير لم يكن مرجعاً
فقط، بل كان منقذاً لإيران من استعمار عرف على وجه الأرض في زمانه
بأكبر استعمار. وحول هذا الأمر كتبت الألوف والألوف من الصفحات،
فراجعوها وتأمّلوا فيها، لتعرفوا مقام الشيرازي الكبير، الذي طرد
من إيران أكبر استعمار وهو الاستعمار البريطاني، بل أجبره على
الخروج. وهكذا فعل تلميذ الشيرازي الكبير، أي الشيخ محمد تقي
الشيرازي رضوان الله تعالى عليه، حيث أجبر الاستعمار البريطاني
المدجج بالسلاح على الخروج من العراق، وذلك بقيادته لثورة العشرين،
وأنقذ العراق من الاستعمار المباشر.
لقد كتبوا في أحوال الشيرازي الكبير عندما سكن في سامراء التي
كان الشيعة فيها حينها أقليّة قليلة، أي في زمن الحكومة العثمانية.
والحكومة العثمانية كانت تسجن كل من يلعن يزيد وتعرّضه للتعذيب.
وفي ذلك الزمان أسّس الشيرازي الكبير ثلاثة مراكز في سامراء، الأول
لطلبة العلوم الدينية، أي مدرسة، وهذه المدرسة فجّرها صدام، وكانت
أكبر المدارس الدينية بالعراق في ذلك الوقت. والثاني حسينية،
والثالث بيته. وكانت تخرج من هذه المراكز الثلاثة، ثلاثة أشكال من
العزاء الحسيني. فكان يخرج من الحسينية عزاء الناس والكسبة
وأحياناً كان يشارك فيه أهل العلم. وكان يخرج من المدرسة موكب
العلماء وطلبة العلوم الدينية، وكان الشيرازي الكبير يشارك فيه.
وكان يخرج من بيت الشيرازي الكبير العزاء الخاص بأول الساعات من
صباح عاشوراء. وكان الشيرازي الكبير بنفسه يؤمّن مصاريف وتكاليف
هذه المواكب والعزاء.
عندما كان الشيرازي الكبير في سامراء، قتلوا نجله الأكبر، وهو
الميرزا محمد الشيرازي الذي لو لم يُقتل لكان مرجع التقليد من بعد
أبيه، لما كان له من مقام علمي كبير، ومقام رفيع في التقوى. وعاش
الشيرازي الكبير بعد مقتل نجله قرابة سبع سنين، ولم يترك مهامه
وإدارته في تسيير وخروج تلك المواكب والعزاء إلى أن رحل عن الدنيا.
فلماذا كان أكابر العلماء هكذا يتعاملون مع قضية الإمام الحسين
صلوات الله عليه؟ فهل كان يعتقدون بأن الإمام الحسين صلوات الله
عليه أفضل من المعصومين الأربعة من قبله؟
شعيرة مقدّسة
إنّ الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء هو من أهم تلامذة السيد اليزدي
والآخوند، وهو أول من كتب الحاشية على العروة الوثقى، له كتاب حول
الإمام الحسين صلوات الله عليه اسمه (الآيات البيّنات) وقد كتب فيه
حول عزاء صباح عاشوراء هكذا: لقد رأيت وشاهدت العزاء الخاص في صباح
عاشوراء قرابة ستين سنة، فلم أسمع أن أحد المشاركين فيه قد مات
أبداً.
وأنا شخصياً وخلال (65) عاماً من الأعوام التي مرّت لم أسمع بان
أحداً من المشاركين في هذا العزاء قد مات بسبب هذا العزاء. فلماذا
إذن هذا الإستشكال على هذه الشعيرة؟
ألا يموت في شعيرة الحجّ كل سنة بعض الناس؟
وألا يموت بعض الزوّار في زيارتهم للإمام الحسين صلوات الله
عليه؟
وألا يموت البعض وهم في حال الصلاة، أو في حال الصيام؟
فلماذا لا يموت أحد في هذه الشعيرة الحسينية المقدّسة، أي شعيرة
صباح عاشوراء؟
إنّ هذه من الاستثناءات التي جعلها الله تبارك وتعالى بالنسبة
للقضية الحسينية المقدّسة.
انظروا إلى تاريخ المتوكّل، وانظروا ماذا فعل وصنع. فقد قام
بهدم كربلاء (17) مرّة، واعتقل الألوف من المعزّين وهدم بيوتهم.
وقد كتب العلاّمة المجلسي رضوان الله عليه في البحار ان المتوكّل
كان (يشتم فاطمة) صلوات الله عليها. وهذا هو مانع الشعائر الحسينية
المقدّسة. وهذا المتوكّل يصف بعض أهل العامّة في بعض كتبهم، أقواله
بأنها من المسائل الشرعية، ومنها كتاب (البحر الزخّار في مذاهب
علماء الأنصار). وهذا يدلّ على ان أعداء الإمام الحسين صلوات الله
عليه قد أعدّوا قوى لمحاربة القضية الحسينية المقدّسة.
ألا لعنة الله على يزيد
إنّ قتلة الإمام الحسين صلوات الله عليه (طولياً) هم: شمر وابن
سعد وابن زياد ويزيد لعنة الله عليهم. فشمر هو الذي باشر وارتكب
الجريمة الكبرى، وكان أميره ابن سعد. وابن زياد هو الذي أرسل ابن
سعد، ويزيد لعنة الله عليه هو الذي بعث ابن زياد لعنه الله. وقد
ذكرت الروايات الشريفة ان النبي الكريم صلى الله عليه وآله قال:
(مالي وليزيد، اللهم العن يزيد). فلماذا لم يقل النبي صلى الله
عليه وآله (مالي ولشمر)؟ أو (مالي ولابن سعد)؟ أو (مالي ولاين
زياد)؟
إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله كان يعلم ان يزيد هو مسبّب
هذه الجريمة. فالكبار دائماً هم المسؤولون أولاً. ولهذا ترى بعض
النواصب يكتبون في كتبهم بأن يزيد ما كان على علم بما جرى في
كربلاء، والدولة الإسلامية كبيرة ومترامية الأطراف وواسعة، والحاكم
أحياناً تخفى عليه الجزئيات ولا يعلم بها!!!
وهكذا كان البعض يبرّر ما كان يفعله البهلوي الأول من محاربته
للشعائر الحسينية. وهذا البعض الذي كان يبرّر أفعال البهلوي، لا
توجد عنده وفيه تلك الحرارة الحسينية التي ذكرها النبيّ صلى الله
عليه وآله، مع أنه قد يكون شيعياً بالاسم، ومعتقداً بالمعصومين
الأربعة عشر صلوات الله عليهم، ولكن بما أنه يفقد تلك المرتبة
الرفيعة من الإيمان، فإنّه لا يحسّ بتلك الحرارة.
عاشوراء لا تنتهي
إنّ عاشوراء لا تنتهي، فالله تعالى أراد أن تبقى عاشوراء وتنتشر
وتتوسّع وتكبر، وهذا ما يمكنكم أنتم أن ترونه في العالم وأن تسمعوه
من أقاربكم ومعارفكم ممن يعيشون في مختلف نقاط العالم. فسنوياً
توسّس المئات والمئات من الحسينيات والمواكب والمجالس الحسينية في
المئات والمئات من المدن والقرى. وهذه من مصاديق (ولا يزداد أمره
إلاّ علوّاً) الذي بشّر به النبيّ صلى الله عليه وآله. فاسعوا إلى
المحافظة والإبقاء على حرارة قتل الحسين صلوات الله عليه في
أنفسكم، وأن لا تبرد في أنفسكم حتى بمقدار وبنسبة واحد بالمائة.
واسعوا إلى الأخذ بأيدي الآخرين إلى الشعائر الحسينية المقدّسة،
قدر ما تستطيعون، وذلك باللسان وبالمال وبالحضور والمشاركة
وباتّخاذ الدور اللازم، وبالتشجيع والخدمة والتعاون، وغيرها.
التفاني في خدمة الشعائر الحسينية
قبل أشهر، نقل لي أحد الإخوة من القاطنين في إحدى الدول غير
الإسلامية، بأنه في السنة الماضية أو التي قبلها، حضرت في مجلس
حسيني يقيمه الشيعة في ذلك البلد غير الإسلامي، وقد حضرت فيه، وكان
فيه الرجال والنساء بشكل منفصل. فقال لي صاحب البيت الذي يقام فيه
المجلس وهو يشير إلى امرأة كانت حاضرة بالمجلس: هذه المرأة كانت
مسيحية وذهبت إلى كربلاء وأسلمت هناك وتشيّعت هي وزوجها، وبسببهما
تشيّع (26) من أرحامهما وأقاربهما. فسألته: كيف حصل ذلك؟ قال: اذهب
واسأل منها. فسألت من المرأة وأخبرتني بذلك، وكانت من الشخصيات
الرسمية ولها منصب حكومي كبير في ذلك البلد. وقال لي صاحب البيت ان
هذه المرأة تسكن بالقرب منّا، وتأتي كل يوم إلى هنا، قبل بدء
المجالس بنصف ساعة، وتقوم بتنظيف وغسل المرافق الصحيّة، فقلنا لها
هذا العمل لا يناسبك ولا يناسب مقامك، فقومي بعمل آخر كتوزيع الشاي
أو الحليب أو الطعام، أو بكنس المكان، أو ببسط السجاد، فترفض وتقول
هذا ما يناسبني، وهو أن أقوم بغسل المرافق الصحيّة التي يستعملها
المعزّين الحسينيين.
ياإخوة الإيمان، وياأخوات الإيمان، وياأبناء الإيمان، في كل
مكان بالعالم، وكل من يسمع صوتي، احذروا وانتبهوا أن لا تسبقنّكم
تلك المرأة في نيل القرب من مولاتنا السيدة فاطمة الزهراء صلوات
الله عليها يوم القيامة وتبتعدون أنتم عنها صلوات الله عليها.
فالقضية الحسينية المقدّسة قضية عظيمة، فاسعوا إلى الانضمام إليها
والعمل لأجلها أكثر وأفضل. وإذا خطر في ذهن أحدكم شبهة أو شكّ
فليسأل عنها، وليكن سؤاله سؤال متعلّم لا متعنّت، كما ذكرت
الروايات الشريفة.
أسأل الله تبارك وتعالى، ببركة المائدة العظيمة الإلهية التي
بسطها الله تعالى باسم الإمام الحسين صلوات الله عليه في الأولين
والآخرين وفي الدنيا والآخرة، أسأله تعالى أن لا ننحرم منها، وأن
نوفّق إليها أكثر وأكثر. وأنا أدعو لكم جميعاً، وأسألكم الدعاء لي.
وصلّى الله على محمد وآله الطاهرين.
|