شبكة النبأ: في كل عام يعيش
ملايين الشيعة ايام محرم الحرام، ويعيدون احياء الشعائر المرتبطة
بالايام العشرة الاولى منه، استذكارا لتلك النهضة الثورية التي
قادها الامام الحسين (عليه السلام) وضحى لاجلها بنفسه واهل بيته،
كما ضحى معه اصحابه الصادقين.
كثيرا مايرتبط الندب والتعزية من قبل الشيعة بهذا الاستذكار،
للحصول على الثواب العظيم الذي يكتنفه، وهو تعبير عن مواساة وان
تاخرت عن وقتها لحظة الاستشهاد، الا انها مواساة تعيش الحاضر بقلب
الماضي، وهي تستلهم الدروس والعبر من تلك النهضة.
يشارك الملايين من الشيعة، في ايام محرم في المجالس الحسينية
والمواكب، حضورا او خدمة مقدمة للزائرين الاخرين، ولا تقتصر تلك
المشاركة على حدود تحصيل الثواب الدنيوي او الاخروي، انها كما يرى
المرجع الديني اية الله العظمى السيد صادق الشيرازي (دام ظله)
لاتنتهي عند هذا الحد، فلم يكن يوم عاشوراء مناسبة للندب والتعزية
فحسب، بل كان وما يزال وقفة للتاسي بدروسه والاقتداء بابطاله، فيجب
علينا ان نقتدي بسيد الشهداء (عليه السلام) وان نتاسى به في جميع
شؤوننا).
تتميز قضية الامام الحسين (عليه السلام) ونهضته بميزتين هامتين
هما، كما يشرح السيد صادق الشيرازي في كتابه (احياء عاشوراء)،
هاتان الميزتان هما: (العَبرة والعِبرة)، وتعني الندب والبكاء،
والثانية تعني الاستفادة من دروس تلك النهضة، وهما ميزتان
متلازمتان، لا يمكن فصلهما او الحديث عن واحدة دون اخرى، انهما
وجهان لعملة واحدة.
فـ (الذي يحظى بمنزلة ارفع وحرمة اكبر عند سيد الشهداء (عليه
السلام) هو الاقدر على الجود في العَبرة وكلما جاد الانسان في
البكاء والاسى على مصاب الامام الحسين (عليه السلام) اظهر للعالم
استنكاره لما جرى على الامام (عليه السلام)، بمعنى ان العبرة على
الامام (عليه السلام) مظهر لنصرته في اي وقت كان).
في حديثه عن الميزة الثانية، وهي العِبرة، بمعنى استلهام الدروس
والعبر من النهضة الحسينية، يطرح السيد المرجع سؤالا وهو (لماذا
اختار الامام وابناؤه واصحابه طريق الشهادة، وبهذه الطريقة
المفجعة؟). يجيب عن تساؤله من خلال مقطع في زيارة الاربعين
المشهورة والخاصة بالامام الحسين (عليه السلام) وهو: (وبذل مهجته
فيك ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة).
يرى السيد المرجع، ان الامام الحسين (عليه السلام) باستشهاده قد
فتح مدرسة العبرة للجميع، ليقارعوا الظلم ويتحملوا الشدائد
والمصاعب حتى يذوقوا طعم السعادة.
وان تلك الشهادة هي اختبار للناس واتمام للحجة، وفي ذات الوقت
مشعل هداية ونجاة من الجهل والتيه والظلمة.
فسيد الشهدا (عليه السلام) هيأ اسباب الهداية ومهد طريقها
للناس، عندما قدم دمه الزكي من اجل النجاة من الضلالة والجهالة
ليرتقي الناس الى السعادة والفلاح.
بامكاننا ان نستلهم هذه المعاني من خلال مراجعة سريعة لصفحات
التاريخ، حيث روي ان احد اصحاب الامام الحسين (عليه السلام) اعترضه
وهو في طريقه الى مكة او المدينة وقال له: الى اين يا أبن رسول
الله (صلى الله عليه واله وسلم)؟ ان بني امية سيقتلونك، فاجاب
الامام (عليه السلام) فبما يمتحن هذا الخلق؟.
دورنا كما يؤكد السيد المرجع على ذلك، هو ان نقتبس من نور مشعل
الامام الحسين (عليه السلام) قدر استطاعتنا لنستضيء به في طريق
الهداية ونخلص انفسنا من الظلمات.
ويرى السيد المرجع، ان من اهم الدروس في سفر واقعة استشهاد
الامام (عليه السلام) هو (انعتاق النفس من قيود الجهل وحلكة
الضلال)، من خلال سلوك طريق الهداية، وهو بلا شك كما يرى السيد
المرجع، هدف عظيم وسام الى الدرجة التي حملت سيد الشهداء (عليه
السلام) على ان يضحي بنفسه من اجل بلوغه.
اضافة الى مايستفيده المؤمن من بركات الامام الحسين (عليه
السلام) في دنياه واخرته، يحدد السيد المرجع مسؤوليتان لعموم
المؤمنين، للقيام بهما واعتبار ذلك مقياسا لاستلهام الدروس والعبر،
هاتان المسؤوليتان هما:
المسؤولية الاولى: ان نعمل بما نعلم ونؤمن به، وان نسعى الى
الاقتراب اكثر فاكثر من اهداف وقيم سيد الشهداء.
لقد اراد الامام ان ينجي العباد – كل العباد – من الجهل والضلال
والتيه، فكلمة (عبادك) لاتخص الشيعة وحدهم، بل جميع العباد. لذلك
اذا اردنا ان نتقرب منه اكثر علينا ان نبذل كل ما نملك في خدمة هذه
القضية.
ويرى السيد المرجع، ان الامام الحسين استشهد من اجل: (اصول
الدين، والاحكام الشرعية، والاخلاق الاسلامية).
وهي اهداف ثلاثة محورية في تلك النهضة المباركة، من اجلها
قامت، فمن اراد ان يكون على ولائه لسيد الشهداء واهدافه السامية،
عليه ان يسعى في الحفاظ عليها، وان يضعها على راس اولوياته.
المسؤولية الثانية: هي ان نحث الاخرين على ان ينهلوا من هذا
المعين الصافي وتعريفهم بشخصية الامام الحسين (عليه السلام)
واهدافه ومبادئه، ويجدر بنا بعد ان نتمثل التعاليم القيمة لسيد
الشهداء ان نعلمها لغيرنا، اي ان نطبقها وندعو الاخرين الى
تطبيقها.
اي يجب التبليغ لهذه الاهداف ليس عبر الكلمات والخطب فقط، بل من
خلال تطبيقها على انفسنا اولا، لتكون ذات مصداقية فاعلة على ارض
الواقع، ولكي يسهل الاقتداء والعمل بها من قبل الاخرين.
ويذهب السيد المرجع، ولثقته العظيمة بالفطرة الانسانية التي
جبلت على الخير، الى القول: (ان في اعماق كل انسان، بما في ذلك
الظالم والمتعصب والعاصي والجاهل بمختلف انماطه، مساحة للهداية
وقبول الحق، والاستعداد للتحول والارتقاء)، وهي ثقة ايجابية بهذا
الانسان رغم شدة تقلباته، ويطالب اتباع الامام الحسين بن علي
(عليهما السلام) ان ياخذوا بيد هؤلاء ويعينوهم على الخروج من كهف
الجهل وظلمته الى نور الهداية.
ويرى السيد المرجع، ان مسؤولية هداية الناس لانقاذهم من ظلمات
الجهل والضلالة والتيه، ليست حكرا على احد بل هي مسؤولية عامة، وهي
تعتبر احد الدروس المستلهمة من سيرة سيد الشهداء. |