شبكة النبأ: ليس هناك وقت او زمن
محدد تزدهر فيه مبادئ الامام الحسين عليه السلام، فهي متوقدة
وحاضرة وفاعلة بين الناس في كل وقت وحين، لأنها تنبع من انسانية
الانسان وتصطف الى جانب قضاياه وحقوقه الاساسية، مثل حرية الرأي
ومقاضاة الظلم والدعوة الى التسامح والمحبة والوئام، وإقصاء التطرف
بكل اشكاله وصوره ومنابعه، فالفكر الحسيني يمثل منبعا ثريا للقيم
الانسانية التي تصلح للانسان في كل زمان ومكان، وها أننا نعيش
اليوم وفي كل عام بمثل هذا الوقت، نبع الثراء الحسيني ونحن نستذكر
ومعنا المسلمون والانسانيون، عبق الكفاح الحسيني الانساني العظيم،
وموقف الحق المدوّي الرافض للظلم، حيث نعيش واقعة الطف وبطلها سيد
الاحرار الامام الحسين عليه السلام، لنرى أمام ابصارنا وبصائرنا
سبل السلام، ونوافذ النور الطاردة للتعصب وأشكال العنف، فقد تعلمنا
من ابي الاحرار عليه السلام حب الانسان قريبا او غريبا، لاننا
نلتقي معه في الصفة الانسانية، استنادا الى كونه نظيرا لنا في
الخلق كما أكد ذلك سيد البلغاء الامام علي بن ابي طالب عليه
السلام، وهكذا تحمل هذه الذكرى بشائر السلام وترفع عاليا هدفا يشكل
مطلبا انسانيا ملحّا، ألا وهو نبذ التطرف، وتحشيد الطاقات الفكرية
والعملية المبدئية لتخليص البشرية من كل اشكال التصادم، واعتماد
الحوار الانساني السليم، كونه الطريق الاقصر لتحقيق السلم العالمي،
بغض النظر عن الاختلاف في الفكر او الثقافة او طرق العيش.
إن هذه الذكرى وهذه الايام الراسخة في سفر الوجود البشري
والكوني، تؤكد لنا جميعا انسانية الفكر الحسيني ويدعونا الى
التقارب، ويطالبنا ان نكون اقرب الى السلوك الذي اتسم به أئمة أهل
البيت الاطهار، في تعاملهم مع غير هم، متبعين سيرة النبي الكريم
صلى الله عليه وآله وسلم، في تعامله الانساني مع الجميع، حتى مع
اعداء الاسلام، حيث العفو يتقدم على العقاب حتى مع القتلة، فقد تم
العفو عن قاتل الحمزة عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، مثلما طال
العفو كثيرين مم وقفوا ضد الاسلام والمسلمين في احرج المواقف
واكثرها خطرا على الاسلام، ومع ذلك كان العفو عنوان السياسية
النبوية في الدولة الاسلامية، من اجل ان يسود الوئام بين الجميع
ويتم القضاء على التطرف ومنابع العنف التي غالبا ما يشتعل اوارها
نتيجة التصادم والعنف الذي يتولد عنه عنف متواصل.
التبحّر بمبادئ الامام الحسين (ع)
ان الانسان المتبحّر في مبادئ الامام الحسين عليه السلام والفكر
الحسيني، بغض النظر عن طبيعة الانتماء، سوف يلاحظ من دون عناء،
الجوهر الواضح لتلك المبادئ وذلك الفكر، وجلّها تهدف الى خلق
الانسجام والتقارب بين بني الانسان، من خلال بث روح التعايش بين
الجميع، لذا لابد أن نستفيد من هذه الشهر ومن استذكارنا المتجدد
لواقعة الطف بأقصى ما يمكن، من اجل تطوير الحياة الى ما هو افضل
واكثر انسجاما وتراحما.
وفي هذا الجانب يكتب الامام الراحل آية العظمى، السيد محمد
الحسيني الشيرازي (رحمه الله) في كتابه الموسوم بـ (الحسين -عليه
السلام- مصباح الهدى) عن هذا الجانب إذ يؤكد الامام في هذا المجال
قائلا: (ها هو المحرّم قد أطلّ على البشريّة فالمطلوب من الجميع أن
يستفيدوا منه بالقدر الممكن). وفي ظل المشهد العالمي والاسلامي
الذي يعيشه المسلمون في ظرفهم الراهن المعقد، ليس هناك من فرصة سوى
اللجوء الى الفكر الحسيني الانساني الداعي الى نبذ التطرف والعنف
والتعصب بكل اشكاله، وعدم إثارة العداوات بسبب حالات التنمّر
والقبلية التي تحكم عقول البعض، خاصة اننا اصحاب ارث ديني انساني
اخلاقي عظيم، يحث على التعاون والتعايش، وينبذ الاحتراب والتطرف،
ويجنح دائما الى السلم كما اكد على ذلك الامام الشيرازي إذ نقرأ في
كتابه نفسه: علينا (الإتّصاف بالأخلاقيات الرفيعة، كما قال سبحانه:
*كُنْتُمْ خيْرَ اُمَّةٍ اُخرِجَتْ لِلنّاس تَأمُرونَ بِالمَعْروف*
كالتعقّل والتدبّر واللين والرفق والتعاون والإخلاص والتشاور
والتّحابب وغير ذلك - وَتَنْهَوْنَ عن المُنْكَر- وعن العنف
والقسوة والإستبداد والفرقة والتباغض والتشاحن وغيرها، فقد ورد في
الحديث: تخَلَّقُوا بِأخلاقِ اللّه).
وليس هناك سبب انساني عقلاني واحد يدفع المسلمين او سواهم الى
الاحتراب والاقتتال، فلا يصح مطلقا أن يكون التنافس من اجل الوصول
الى السلطة مبررا للقتل او التهميش او التعذيب وما شابه من وسائل
تخرق انسانية الانسان وتحط من قيمته ومكانته وتسلب قدراته وطاقاته،
وتذهب بها الى غير مسارها، كما لا يجوز ولا يصح لمن يصل اليها ان
يتحول الى فرعون، يظلم الناس ويمارس عليهم الطغيان والتكبر وشتى
اشكال الظلم، بل ليس امام الحاكم والحكومة سوى تحقيق الاصلاح عبر
الاستخدام السليم لوسائل العدالة كافة، لذا نلاحظ في هذا الجانب
قولا دقيقا يورده الامام الشيرازي في كتابه المذكور نفسه قائلا:
(لقد علّل الإمام الحسين عليه السلام ثورته الخالدة بقوله: -
اللّهمَّ إنَّكَ تَعْلَمُ انّهُ لَمْ يَكُنْ ما كانَ مِنّا
تَنافُساً في سُلْطان وَلا التماساً مِنْ فُضول الحُطام ولكنْ
لِنُرِيَ المَعالِم مِنْ دينِكَ ونُظْهِرَ الإصلاحَ في بِلادِكَ
ويَأمَنَ المَظْلومونَ مِنْ عِبادِكَ وَيُعْمَلُ بِفَرائِضِكَ
وَأحْكامِكَ-...).
مخاطر الانشغال بالصغائر
ولعلنا لا نخطئ اذا قلنا أن المسلمين تخلفوا عن سواهم من الامم
عندما انشغلوا بالامور الجانبية وتركوا ما هو اهم من ذلك بكثير،
فعندما تخلى المسلمون عن طريق الحق تأخروا كثيرا، كل النتائج التي
افرزها التاريخ والواقع ايضا، تؤكد ذلك، فقد عاش المسلمون حالة
الفوضى، وكانت حكوماتهم تسوسهم بادارات لا تضع معايير الحق منهجا
لها، وغالبا ما تنتهج العنف والاستبداد طريقا لها، بل وغالبا ما
يتقدم هدف حماية العرش على كل شيء، في حين بقيَ الاهتمام بالشعب من
آخر الاهداف التي تهتم وتسعى إليها الحكومات الاسلامية أو التي
تعلن الاسلام دينا رسميا لدولها، الامر الذي كان ولا يزال يزيد من
الجهل ويضاعف من بؤر التطرف، فيما تتمثل حاجتنا بصورة قاطعة الى
نبذ التطرف، لذلك تأخر المسلمون كثيرا، وتقدمت عليهم امم كانت تسير
خلفهم وتأتمر بأوامرهم او توجيهاتهم!.
من هنا يرى الامام الشيرازي بل يؤشر بدقة هذا الخلل الواضح لدى
امة الاسلام عندما يؤكد قائلا حول هذا الجانب: (إن الفوضى التي
تُشاهد في بلاد الإسلام دليلاً على اليأس، بل حالها حال التثاؤب
الذي يتّصف به الناعس بعد نوم طويل، حيث ان التثاؤب في هذا الحال،
دليل الشروع في اليقظة، لا الأخذ في النوم، وقد نام المسلمون
طويلاً طويلاً حتى قُسِّمَتْ بلادهم، ونُهِبَتْ أموالهم، وهُتِكَتْ
أعراضهم، واُريقَتْ دمائهم، وسادَتْ فيهم القوانين الكافرة، وعمّت
فيه الفوضى والجهل والمرض والفقر والعداء والفرقة).
من هنا ليس امام المسلمين فرص او سبل اخرى سوى نبذ كل اشكال
الفوضى والعنف وحالات العداء والعمل على تحويلها الى اواصر محبة
وتعاون وتكاتف ينهل من الفكر الحسيني كنبع للتسامح والسلام ودرء
مخاطر العنف والتعصب، والسعي دائما الى التقارب والتعاون والتعايش،
والتعاضد من اجل القضاء على كل ما يؤدي الى الفرقة والتشاحن
والخصام، وزيادة قوة النسيج الاجتماعي تقاربا وتآلفا ومحبة، وزيادة
اللفة ونشر قيم الامام الحسين عليه السلام التي تدعو الى التراحم
والتكافل والتواصل الانساني الخلاق، فقد ورد في كتاب الامام
الشيرازي أن الإمام الحسين عليه السلام قال: (أيُّهَا النّاس...
إنَّ أعْفى النّاس مَنْ عَفى عَنْ قُدْرَةٍ وَإنَّ أوْصَل النّاس
مَنْ وَصَلَ مَنْ قَطَعَهُ... وَمَنْ أحْسَنَ أحْسَنَ اللّهُ
إلَيْهِ وَاللّهُ يُحِبُّ المُحْسِنينَ).
كذلك ينبّه الامام الشيرازي في كتابه المذكور نفسه قائلا: (لا
يتوهّم أحد ان الإسلام إذا أخذ بالزمام يعمل استبداداً، أو ينتقم،
أو يعمل عملاً ممّا تعمله حكومات الشرق والغرب). |