شبكة النبأ: الثورة الحسينية كانت
ولاتزال وستبقى مدرسة الاحرار والثوار في كل زمان ومكان، فهي ثورة
حملت الكثير من الدروس والعبر والمفاهيم، التي جعلت منها محورا
اساسيا للتغيير والاصلاح وتحرير الانسان من كل مظاهر الظلم
والاستعباد، فما قدمه قادة وجنود هذه الثورة العظيمة وبمختلف
اجناسهم واعمارهم من دروس وعبر، اختلف وبشكل جذري عما قدمة باقي
القادة والثوار في كل الثورات العالمية القديمة والحديثة، فقد اعطت
هذه الثلة الطاهرة التي شاركت في ثورة عاشوراء وعلى الرغم من كل
المحن والمخاطر، دروسا حقيقية في الصبر والايثار والتضحية والاخوة
والصداقة والاخلاص واطاعة القائد وغيرها من المأثر الاخرى، التي
حيرت العقول والالباب وهو ما وثقة قائد هذه الثورة العظيمة الامام
الحسين(ع) وهو الامام المعصوم وخليفة الشرعي لرسول الله(ص) بقوله:
أمّا بعدُ فإني لا أعلمُ أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي، ولا
أهلَ بيتٍ أبرَّ ولا أوصلَ من أهل بيتي فجزاكم اللَّهُ عنّي خيراً.
من كربلاء الشهادة ومن خلال هذه الوقفة القصيرة نأخذ بعض الدروس
القيمة والمواقف الخالدة التي جسدها الامام الحسين(ع) وأصاحبه في
يوم عاشوراء ومنها.
درس الحرية
الحرية كانت درس مهم من دروس عاشوراء جسدها الامام الحسين (ع)
بكل مفاهيمها وقيمها، حيث سعى هذا القائد الشجاع الذي احطت به جيوش
الكفر والاحاد الى ان يمنح مقاتليه الحرية الكاملة في القتال او
الرحيل، ففي ليلة العاشر من المحرم وفي لقاء خاص أذن الإمام الحسين
(ع) لأصحابه أن ينصرفوا عنه، وخاطبهم قائلاً: ألا وإني أظن يومنا
من هؤلاء غداً وإني أذنت لكم، فانطلقوا جميعاً في حِل ليس عليكم
مني ذمام، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً، وليأخذ كل رجل منكم
بيد رجل من أهل بيتي، فجزاكم الله جميعاً خيراً، وتفرقوا في سوادكم
ومدائنكم فإن القوم إنما يطلبونني، ولو أصابوني لذهلوا عن طلب
غيري، حسبكم من القتل بمسلم، اذهبوا قد أذنت لكم.
وهنا قام سعيد بن عبداللَّه الحنفي ليعلمنا درساً اخرا في
الشجاعة والوفاء حين قال: واللَّه لا نخلّيك حتى يعلمَ اللَّهُ
أنّا قد حفظنا نبيّه محمداً (ص) فيك، واللَّه لو علمت أني أُقتلُ
ثمّ أحيى ثمّ أُحرق حياً ثم أذرّ يُفعل بي ذلك سبعين مرّة ما
فارقتك حتى ألقى حمامي دونك، فكيف لا أفعل ذلك وإنّما هي قتلةٌ
واحدة ثمّ هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً. وفعلاً وفى سعيد
بما قال وضمّ إلى قوله فعلاً أكسبه الثناءَ في الدنيا، وأحسن
الجزاء في الآخرة، وذلك انّه لمّا صلّى الإمام الحسين (ع) الظهر
صلاة الخوف، اقتتلوا بعد الظهر واشتدّ القتال ولمّا قرب الأعداء من
الحسين وهو قائمٌ بمكانه تقدّم سعيد الحنفي أمام الحسين(ع) وصار
هدفاً لهم يرمونه بالنّبل يميناً وشمالاً وهو قائمٌ بين يدي الإمام
(ع) يقيه السهام طوراً بوجههِ وطوراً بصدره وطوراً بيديه وطوراً
بجنبه فلم يصل إلى الإمام (ع) شيءٌ من ذلك حتى سقط سعيد الحنفي
إلى الأرض وهو يقول: اللهمّ العنهم لعنَ عادٍ وثمود، اللهمّ ابلغ
نبيّك عنّي السلام وابلغه ما لقيتُ من ألمِ الجراح، فإنّي أردت
ثوابك في نصرة نبيّك، ثمّ التفت إلى الإمام الحسين (ع) فقال:
أَوَفَيْتُ يا ابن رسول اللَّه قال: (نعم أنت أمامي في الجنّة).
اما جون مولى أبي ذرّ الغفاري فقد كان له موقف اخر خلدة التاريخ
فقد وقف أمام الإمام الحسين(ع) يستأذنه في القتال فقال له الإمام
(ع): (يا جون أنت في إذنٍ منّي فإنّما تبعتنا طلباً للعافية فلا
تبتلِ بطريقتن)، فوقع جون على قدمي أبي عبداللَّه يقبّلهما ويقول:
ياابن رسول اللَّه(ص) أنا في الرّخاء ألحسُ قصاعكم وفي الشدّة
أخذلكم إنّ ريحي لنتن، وحسبي للئيم، ولوني لأسود فتنفّس عليّ في
الجنّة ليطيب ريحي، ويشرُف حسبي، ويبيض لوني، لا واللَّه لا
أفارقكم حتى يختلط هذا الدّم الأسود مع دمائكم.
التربية والأخلاق
درس آخر ابرزته هذه الثورة العظيمة وهو درس الطاعة والاحترام
الأسري بين الحسين (ع) وأهل بيته(ع) فالتربية الأخلاقية كانت إحدى
أسلحة ملحمة عاشوراء التي اراد الامام (ع) ومن خلال بعض الصور
والموافق والوصايا القيمة ايصالها الينا جميعا، فالعلاقة الأسرية
والترابط الأخوي كانت حاضرة في كربلاء بكل تفاصيلها باعتبارها إحدى
أهم الأهداف التي سعى الإمام الحسين(ع) لإبرازها في ذلك الموقف
الصعب ليبرهن للعالم، ان لهذا الكيان قدسية خاصة وبصلاحها سيصلح
المجتمع لذا يجب الدفاع عن هذا الكيان المهم والحفاظ عليه، ولعل من
ابرز تلك المواقف والوصايا، موقفه (عليه السلام) واخته العقيلة
زينب(ع) هذه المرأة العظيمة التي اكملت بشجاعتها وصبرها ثورة
عاشوراء، حيث استطاعت هذه السيدة العظيمة ان تجسد بعض المواقف
والدروس القيمة ومنها الحفاظ على وصايا الامام الشهيد حين قال لها
(يا زينب اذا انا قتلت لا تشقي عليَّ جيباً ولا تخمشي علي وجهاً...
واوصاها بالعيال والاهل من بعده. وقد ثبتت (ع) في مواقفها التي لا
تزال حديث الأجيال في يوم عاشوراء انها جبل من جبال الصبر، خصوصا
وانها قد عمدت في يوم المعركة وعندما فقد الحسين(ع) جميع اخوته
وانصاره الى اسراج الجواد ثم قدمته اليه ليركب ويعود الى جهاد
اعدائه.
اما الموقف الاخر فهو موقف الإمام العباس (ع) الذي جسد هو الاخر
درسا مهما في الوفاء والاخوة الطيبة، حينما رفض الإنسان العملاق كل
المغريات المادية التي قدمت إليه في يوم عاشوراء من قبل اعداء
الحسين (ع) وفضل ان يموت مدافعا عن الاسلام الذي تجسد بشخصية
الحسين (ع)، تلك الصور كانت تجسيدا حقيقيا للتربية المتكاملة التي
يجب ان نتعلم منها ونسعى الى تعزيزها مجتمعاتنا التي اصبحت تعاني
العديد من الامراض والمشكلات الاسرية التي اضرت بكيان الاسرة
المسلمة.
الرحمة والايثار
من الدروس العظيمة الاخرى التي جسدتها لنا ثورة عاشوراء هي
الرحمة والايثار، التي تجسدت في شخصية الامام الحسين (ع) حينما كان
في اشد واصعب المواقف فقد سعى ومن خلال مواقفه الانسانية الكبيرة
الى بيان قيمة وعظمة الاسلام الحنيف، فقد عمد (عليه السلام) في بعض
المواقف الى اكرام من اجتمع الى قتله، وكان ذلك عندما الحر بن يزيد
الرياحي على راس الف فارس فالتقى الحر بالحسين (عليه السلام) في
ذات حسم وقد أضرَّ به وبأصحابه العطش فامر سيد الشهداء (عليه
السلام) اصحابه ان يسقوهم ويرشفوا خيولهم، فسقوهم عن آخرهم، وهو
عكس ما فعله أتباع بني أمية يوم عاشوراء حينما منعوا الماء عن
الإمام الحسين(ع) وأهل بيته وأصحابه.
الموقف الاخر وهو بكاء الإمام الحسين (عليه السّلام) على
أعدائه، لأنّهم سيدخلون النار بسببه ولعل هذا الموقف من اعظم
المواقف الانسانية، حيث ينقل لنا التاريخ ان الإمام الحسين (ع)
وبعد أن اجتمع على قتاله ما يقارب من ثلاثين ألف مقاتل وعظهم
مراراً وتكراراً ، إلاّ أنّهم لم يفهموا قوله، وتسابقوا إلى قتاله،
فراح ينظر إليهم وهو يصلح حبائل سيفه ويبكي، وإذا بسيّدتنا زينب
الكبرى أُمّ المصائب (عليها السّلام) تمرُّ به وهو بتلك الحالة،
فتبادر قائلة: فداك أبي وأُمّي يا أبا عبد الله ! أوَ تبكي وأنت
بمثل هذا الحال؟ فقال لها (عليه السّلام) : يا أُخيّة، أبكي على
هؤلاء الذين سيدخلون النارَ بسببي. اي عظمة حملها هذا القلب الرحيم
حتى على من اجتمعوا لقتلة وسبي عياله.
هذه بعض الدروس والعبر التي لمسنها من الثورة الحسينية( الثورة
المحمدية) التي لاتزال تحمل الكثير من الدروس والمواقف والعبر
المهمة، والتي نحتاجها اليوم كي نتعرف على الرحمة الإلهية والاسلام
الحقيقي الذي حفظه الامام الحسين(ع) من خلال ثورة عاشوراء التي
علمتنا الدم الطاهر اقوى من كل اسلحة الظلم والطغيان. |