شبكة النبأ: هناك محطات تاريخية
في حياة الامم تشكل الوقود الاستراتيجي الذي يمد الامة بالمبادىء
الانسانية في ساعة العسر وتفتح امامها الافاق في استشراف المستقبل،
حيث تمثل هذه المحطات والنهضات روافد أساسية في بقاء الامم
وديمومتها كالثورات ومنادات بالقيم الانسانية التي تضخ الروح
المعنوية في عروق الامة خصوصا اذا كانت النهضة قائمة على أصول
سليمة وقواعد رصينة.
وتعد النهضة الحسينية المباركة من أهم المحطات البارزة في تاريخ
الامة الاسلامية لما اكتسبته من مميزات ندر لها نظير في قاموس
الثورات، فلقد جمعت كل القيم الانسانية وتألقت في تجسديها في واقعة
الطف، الامر الذي ادى الى بقاء القيم الالهية حية في قلوب الاحرار
الى يومنا هذا. فبوقفة الامام الحسين"عليه السلام" الثائرة ضد
الظلم.
لقد اكتسب الامام الحسين عليه ألسلام كل المعاني الجليلة رواء
وجلالا فإذا اردنا أن نعرف معاني العزة والآباء نأتي الى كربلاء
حيث الشموخ بأعلى صوره والكبرياء بأجلى معانيها حيث قال أبا عبد
الله "عليه السلام":
(اني لا أرى الموت ألا سعادة والحياة مع الظالمين ألا برما)
اذ تجلى في كربلاء صراع حقيقي بين الحق والباطل والتي حفرت
خندقا عميقا بينهما لا يلتقيان مهما تقدمت الأيام لذا تحولت كربلاء
الى رحم معطاء على مر التاريخ وحتى هذه أللحظة وأن لنهضة الامام
الحسين (ع) أهداف سامية أهمها:
إصلاح الأمة
الثورة الحسينية من أهم أسباب إصلاح الأمة إن لم تكن هي المشروع
الإصلاح لها،
حيث قال الإمام الحسين بن علي (عليه السلام) في أول بيان له
قبيل ثورته وحينما أوصى أخاه محمد بن علي المعروف ببن الحنفية قال
(عليه السلام): ( إنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشِراً وَ لَا بَطِراً وَ
لَا مُفْسِداً وَ لَا ظَالِماً)
وبهذا جسدت ثورة أبي الاحرار بؤرة النهوض ضد طغيان الحاكم
الفاسد يزيد ابن معاوية" لعنة الله عليه" فهذا الرجل احتل الحكم
بغير حق ضم بين جوانبه جميع مفاسد بني امية من هتك للأعراض وتجاوز
على المبادىء الانسانية والخروج عن طاعة الله تعالى ورسوله الكريم
"صلى الله عليه وآله" فشكل خطرا حقيقيا على الاسلام فلم يرع هذا
الكافر أي حرمة للمقدسات أذ لم يضع في باله أن هذه المقدسات هي
التي احيت الامة الاسلامية وجعلتها تسمو في فترة سريعة واذا بيزيد
يعيدها الى فترة الجاهلية، لكن ثورة الامام الحسين عليه السلام
هزمت الباطل والطيغان بكل قول وفعل حق جسد المعاني الجليلة للسلام
الحقيقي.
تحرير الانسان
من الاسباب الرئيسية الاخرى لقيام الامام ابي عبد الله الحسين
"عليه السلام" تكمن في تحرير الانسان وكما هو ثابت في علم الاجتماع
فأن الانسان يمثل الوحدة الاساسية في بنية المجتمع فأي ضعف يتسرب
اليه يؤثر سلبا في الاخرين ويتضاعف ذلك اذا انعدم في المجتمع عوامل
النهوض وفي مقدمتها (القيادة الحكيمة).
وقد سعى معاوية (لعنة الله) الى اغتيال القيادات بخطط لئيمة
وافرغ المجتمع الاسلامي من قياداته والمتمثلة بالإمام أمير
المؤمنين والإمام الحسن عليها السلام، مالك الاشتر، حجر ابن عدي،
عمار ابن ياسر، والكثير من الصحابة فبات المجتمع بلا قيادات والتي
احدثت فراغا كبيرا في الامة الاسلامية وبضوء هذه الخطة الخبيثة
استولوا على الحكم.
ان الواقع العملي وحده يصنع العلاقة بين المجتمع والقيم بالذات
اذا كان المجتمع يمر بانعطافة خطيرة لذلك فأن الامام الحسين (ع)
اكده في حياته فبرز بشكل واضح وبمعان كبيرة، وتجلت القيم الالهية
في كربلاء بكل اشراقاتها حتى اصبحت عنوان عريض يعلو جبين الزمان
فالعمل الخالص يظل يرتفع عن كل اشكال النصب والعداء.
ان ثورة كربلاء بكل قيمها الفذة وواقعها الحي لم تبقى حجة لأحد
كي يتوانى عن بذل المال والنفس، فكربلاء اوصدت الباب امام كل
الاعذار لذلك فأن ثورة كربلاء تبقى الحجة الدامغة في كل زمان ومكان
حتى قيام الامام صاحب الامر(عجل الله فرجه الشريف) ليقيم بناء
الشامخ على صرحها كي تتكامل الحجج وتأخذ صورتها الحقيقة.
أن كل القيم الحقه كانت تتسابق في ساحة كربلاء ومنها البطولة
والشهامة والرجولة مع الايثار والجود والعفة لكي يعمق الامام
الحسين عليه السلام الواقع الحسيني فقد اعطى كل ما يملك من قيم
وأخلاق وصفات عالية بلغت القمة وستتبقى قيم الامام الحسين (عليه
السلام) تتربع على القمة لأن كربلاء هي المحك لقيم الحق والباطل.
ومما تقدم نستنتج بأن قيام الثورة الامام الحسين والنتائج التي
رسمتها على مسار التاريخ الإسلامي والتي شكلت نهجاً إسلامياً
متميزاً كالاستقلالية التي تمثلت بالفقه الإسلامي الذي يختص بأئمة
أهل البيت (ع) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) والذي استقل فيما
بعد على شكل مذهب فقهي يعتقد به نصف المسلمين.
كما إن الثورة وضعت حداً فاصلاً بين ما هو اسلامي وبين المبادئ
الدخيلة على هذا الدين القيم وأزاحت الستار عن حقبة تاريخية
إسلامية كانت تعد مرجعاً إسلامياً، فعزت حالة الخلل والانحراف
وفرزت السلبيات التي رافقت الدعوة الإسلامية منذ نشوءها.
كما إن الأثر الأكثر أهمية الذي رسخته النهضة الحسينية المقدسة
هو استمرار الوعي الثوري الإسلامي الذي يرفض التطبيق الخاطئ
للمبادئ السياسية الإسلامية التي اتخذت من الثورة الحسينية شعاراً
لها إلى يومنا هذا.
لقد ايقظت ثورة الامام الحسين الروح الثورية عند الكثير،
وجعلتها بالقمة فعبرت عن نفسها بثورة التوابين وهي صورة حية عن
الروح الثورية التي انتعشت من الجديد بفضل نهضة الامام الحسين
"عليه السلام". |