عاشوراء (١) السنة الثانية
{اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا اَبا عَبْدِاللهِ، اَلسَّلامُ
عَلَيْكَ يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ
اَميرِ الْمُؤْمِنينَ وَابْنَ سَيِّدِ الْوَصِيّينَ، اَلسَّلامُ
عَلَيْكَ يَا بْنَ فاطِمَةَ سَيِّدَةِ نِساءِ الْعالَمينَ}.
لماذا هذا التعريف في مبتدأ كل زيارة؟ وأساساً؛ هل يحق لأحد ان
يعرّف بنفسه او يتحدث عنها؟.
لعل في جواب أمير المؤمنين (ع) عندما سأله مرة صعصعة بن صوحان
ليخبره ما اذا كان افضل من نبي الله آدم (ع) في رواية معروفة، قال
له الامام قبل ان يجيبه بالتفصيل {يا صعصعة، تزكية المرء نفسه
قبيح، ولولا قول الله عز وجل {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ
فَحَدِّثْ} ما أجبت} جانب مهم من الإجابة على التساؤلات.
فجواباً على الشقِّ الاول:
الف؛ لإلقاء الحجة على كلّ من يسمع بقصة الحسين (ع) في يوم
عاشوراء، فيعرف جيداً من هو هذا الشهيد؟ والى من يعود نسبُه؟.
باء؛ لمواجهة الاعلام التضليلي الذي سيوظّفه العدو، الأمويّون
وقتها، وكلّ من ينتهج نهجهم الى يوم الدّين، هذا الاعلام الذي يسعى
دائماً لقلب الحقائق وتشويه الصورة وتضليل الرأي العام.
جيم؛ لتوكيد كل الحقائق القرآنيّة والنبويّة التي حصرت مفهوم
أهل البيت والولاية والإمامة في اصحاب الكساء عليهم السلامء، منها
على سبيل المثال لا الحصر {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ
وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ
وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} وقوله عزّ وجل
{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ
الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} وقوله تعالى {فَمَنْ
حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ
تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا
وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ
فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}.
اما الجواب على الشقِّ الثاني من السؤال:
١/ ان الحديث عن الذّات منهج قرآني، لانّ من طبيعة الناس انّهم
لا يتفاعلون مع القضايا خاصة الكبرى والمصيرية اذا لم يعرفوا هوية
المتصدّي، ولذلك نلاحظ ان كلّ الرّسل والأنبياء والمصلحين يتحدثون
عن انفسهم اولا فيعرّفوا الناس بهم قبل ان يدعوهم لأمر ما او
مبايعتهم مثلا او القبول بقيادتهم، كما في قول الله تعالى {قَالَ
إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا}
و{قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَٰذَا أَخِي} ولذلك نلاحظ ان أمير
المؤمنين (ع) لم يدع فرصة الا وعرَّف بنفسه ليذكر الرأي العام
بالحقائق، وكذا في قول الامام الحسين (ع) {انسبوني مَنْ انا}.
٢/ وفي المقابل هناك فرض آخر يحتّم على المصلح أداءَهُ الا وهو
فضح وتعرية الحاكم الفاسد والطاغوت المستبدّ، ولذلك نلاحظ ان
القران الكريم فضح الكثير من هذه النماذج كما ان الحسين (ع) فضح
يزيد فكشفَ عن أفعاله القبيحة للراي العام.
ففي اوّل مواجهة سلميّة للامام مع والي الطاغية يزيد على
المدينة المنوّرة، الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، فضح الامامُ
يزيداً قائلاً {يزيد فاسق شارب الخمر وقاتل النفس}.
٣/ ملاحظة مهمّة وهي ان الحديث عن الذات يجب ان يكون في إطار
الحاجة الزمكانيّة من جانب، وفي الحد المعقول من جانب ثاني وان لا
يكون فيه كذب او مبالغة، من جانب ثالث، ولذلك مثلا عندما تحدث عيسى
عليه السلام عن نفسه قال {إِنِّي عَبْدُ اللَّه} لانّ الحاجة
الزمكانيّة وقتها تطلّبت حديثاً عن التوحيد، خشية ان يعبُده ضِعاف
النفوس وهم يرونه يتحدث في المهد.
عاشوراء (٢) السنة الثانية
{يا اَبا عَبْدِاللهِ لَقَدْ عَظُمَتِ الرَّزِيَّةُ وَجَلَّتْ
وَعَظُمَتِ الْمُصيبَةُ بِكَ عَلَيْنا وَعَلى جَميعِ اَهْلِ
الإسْلامِ وَجَلَّتْ وَعَظُمَتْ مُصيبَتُكَ فِي السَّماواتِ عَلى
جَميعِ اَهْلِ السَّماواتِ}.
لو أنّ كلّ جريمة يستنكرها الناس ويرفضونها ويعظّمونها ولا
يقبلون بها ولا يبرّرونها، لقلَّت الجرائم في هذا العالم، الا انّ
المشكلة هي انّ الناس يمرّون على الجرائم مرورَ الكرام، ولذلك
يستسهلها المجرمون فيكرّرونها.
ان المعصوم في هذه الفقرة من زيارة عاشوراء يحاول ان يُعظّم
جريمة الطاغية يزيد بن معاوية بحق السبط سيد الشهداء الامام الحسين
(ع) في عاشوراء في كربلاء لتظلّ البشرية تستنكرها كلما سمعت
بقصّتها او مرّت عليها، فتعظيم الجريمة وسيلة فعالة من وسائل
مكافحتها والعكس هو الصحيح، فكلما استخفّ الناس بهَول جريمة او
بفظاعة خطأ كلّما استهان المجرمون بأفعالهم الشنيعة فكرّروها
وأعادوا إنتاجها.
ولذلك حذّر أمير المؤمنين (ع) من الصاحب الذي يقلل من شأن
الذنب، فعندما سأله زيد بن صوحان العبديّ عن ايّ صاحب شرّ؟ قال
عليه السلام {المزيّن لكَ معصية الله}.
إنّه أسلوب قرآني ورد في العديد من الآيات الكريمة التي تتحدث
عن جرائم الطغاة والمستبدين سواء جرائمهم المجتمعيّة او الاقتصادية
او الأخلاقية او غير ذلك، كما في قوله تعالى عندما يتحدث عن جرائم
فرعون {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ
سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ
نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ}.
وبرأيي، فانّ ما عناه الشاعر الفذ في قوله؛ [كلّ يومٍ عاشوراء
وكلّ ارضٍ كربلاء] ليس المقصود به الحثّ على تحويل الارض الى مسرح
للقتل والذبح وإسالة الدماء وإزهاق الأرواح، ابداً، وإنما هي دعوة
للحيلولة دون تكرار تراجيديا كربلاء من خلال استنكار ذلك الفعل
الأموي القبيح الذي ارتكبه الطاغية يزيد ضد اهل البيت (ع) وتعظيمه
لنزرع في نفوس الأجيال المتعاقبة وعقولها ووجدانها ووعيها خطر
تكرار مثل تلك الجريمة، التي سنشهد مثيلاتها، مع الفارق الكبير
جداً طبعاً، في كل ارض وفي كل يوم، اذا ما استمرأ الناس تلك
الجريمة واسترخصوا التضحية وهوّنوا من بشاعة الأفعال التي ارتكبها
الأمويون في ذلك اليوم.
وبمقدار ما يبذل شيعة الحسين (ع) ومحبّوه وأنصاره وعشّاق الحق
والعدل والحرية والكرامة من جهود في العشر الاولى من محرم الحرام
من كل عام، من جهد جسدي وروحي واعلامي وثقافي وفكري واجتماعي من
اجل التذكير بهَول المصاب وعظمته كمساهمة منهم للحيلولة دون تكرار
الجريمة، كونهم يعتمدون مبادئ الحب والتعايش مع الآخر المستند الى
التنوّع والتعدّد، بنفس المقدار يبذل الأمويون الجدد كل ما بوسعهم
للتقليل من عِظم الجريمة الأمويّة في محاولة منهم لغسل أدمغة الرأي
العام الجاهل للقبول بفكرة تكرار الجرائم حتى سمعنا احدهم يقول (لو
كنت مكان يزيد لما تردّدتُ في قتل الحسين) !!! لماذا؟ انه يحاول ان
يُشٓرْعِن الجريمة ليهضمها أنصاره فيقبلون منه فكرة تكرارها، الامر
الذي نراه اليوم بأُمّ أعيننا في الكثير من البلاد العربية
والإسلامية وعلى رأسها العراق.
لقد حذّر الاسلام كثيراً من مغبّة الاستهانة بالذنب التافه
والصغير وربما الحقير، فما بالك بالذنب الكبير؟ فلقد ورد عن رسول
الله (ص) قوله {إيّاكم ومحقّرات الذنوب، فإنما مثل محقّرات الذنوب
كمثل قومٍ نزلوا بطنَ وادٍ فجاء ذا بعودٍ وذا بعودٍ، حتى جمعوا ما
أنضجوا به خُبزهم، وإنّ محقّرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها
تُهلكه} لان الاستهانة بالذنوب الصغيرة طريق الى ارتكاب الذنوب
الكبيرة.
هذا من جانب، ومن جانب آخر، فانّ مشكلة الناس هي أنّهم يثورون
ضد الجريمة اذا لامستهم بضرّها ويتفرّجون عليها اذا لم تؤثّر بشيء
عليهم، فيما يلزم ان يستشعر الانسان ويتحسّس خطر الجريمة سواء
استهدفته بشكل مباشر او لم تستهدفه، لانها ستترك أثرها، خاصة اذا
كانت جريمة اجتماعية، على الجميع ولو بعد حين، ولذلك فالتحسّس منها
أمر ضروري لتجنّب أثرها إنْ لم يكن في المستوى المنظور فعلى
المستوى البعيد، والى ذلك أشار القرآن الكريم بقوله {وَاتَّقُوا
فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.
nhaidar@hotmail.com |