الصفحة الرئيسية

مجلة النبأ

ملف عاشوراء

 
عاشورء الحسين 1434 هـ
عاشورء الحسين 1433 هـ
عاشورء الحسين 1432 هـ
عاشوراء الحسين 1431هـ
عاشوراء الحسين 1430هـ
عاشوراء الحسين 1430هـ
 عاشوراء الحسين 1429هـ

  عاشوراء الحسين 1428هـ

  عاشوراء الحسين 1427هـ

  عاشوراء الحسين 1426هـ

  من نبض عاشوراء 1425هـ

  من نبض عاشوراء 1424هـ

  عاشوراء في ذاكرة النبأ

 صور عاشوراء

اتصل بنا

 

 

أزمة انتخاب من السقيفة الى كربلاء

في ذكرى رحيل خاتم الأنبياء..

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: قبل أن يغمض النبي عينيه في حجر علي بن أبي طالب، ويفارق الحياة والأمة، كان حديث "الغدير" يدوي في أذهان عِلية القوم، أو حسب التعبير الحديث، طليعة المجتمع، وهم كبار الصحابة من المهاجرين والأنصار، لأن الفترة كانت قصيرة جداً بين واقعة "الغدير" وبين يوم رحيل النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله. لذا كان احتمال اجتماع الأمة على الامام علي، عليه السلام، يقضّ مضاجع بعض طلاب السلطة والهيمنة. كما شكّل انقطاع الوحي عن الأرض، وغياب آخر نبي مرسل للبشرية، اختباراً تاريخياً عسيراً لسائر أبناء الأمة في كيفية انتخاب الأصلح والأكفأ. هذا الاختبار لم يكن الأول والأخير، إنما كان – في الواقع – بداية لسلسلة اختبارات امتدت لتصل الى سنة (61) للهجرة، والمكان في الكوفة هذه المرة. وليس مع النبي الأكرم، إنما مع سبطه الحسين، عليه السلام.

 ما حصل في المدينة سنة (13) للهجرة، أن الأوس والخزرج، الذين كانوا يشكلون العمود الفقري لمجتمع الأنصار، اجتمعوا بعد ساعات من رحيل النبي الأكرم، في مكان يُقال له "سقيفة بني ساعدة" لتداول أمر الخلافة بعد النبي تحسباً من وقوع الخلافة بيد المهاجرين الذين كانوا يمثلون قبيلة قريش في المدينة. هذا التحرك، يبدو كان مبرراً أو مسوغاً جيداً لعمر بن الخطاب لأن يسارع بمعية أبي بكر لمغادرة الجمع المحتشد المشارك في تجهيز وتشييع النبي، والتوجه الى السقيفة، وكان معهم أبو عبيدة الجراح، لاستجلاء الموقف وعدم التخلّف عن مسألة الخلافة والحكم.

وعندما وصل الثلاثة الى السقيفة، بدأوا يتحدثون عن "الشورى"، وأن رسول الله لم يعين خليفة من بعده، إنما ترك الأمر للمسلمين، و سؤالنا هنا: أين المسلمون من تطبيق الشورى التي ادعوها لانفسهم؟ على فرض أنهم يحسنون تطبيق مبدأ الشورى، أو انهم رواد البشرية في تحقيق التداول السلمي للسلطة؟

جاء في "البخاري"، وهو الكتاب الثاني لدى أهل السنّة بعد القرآن الكريم، نقلاً عن "عائشة"، أن عمر، مارس سياسة الترهيب والتهديد تمهيداً للحصول على البيعة لأبي بكر، وتقول: "لقد خوف عمر الناس وإن فيهم لنفاقاً فردهم الله بذلك". وفي كتابه "فتح الباري" يوضح ابن حجر العسقلاني، عبارة "أن فيهم نفاقاً"، بأن الجموع المحتشدة أمام عمر وابو بكر، كانت تتضمن شريحة من المنافقين، وهؤلاء لا رأي محدد وصادق لهم، بينما البقية الباقية، كانوا بعيدين عن الحقائق. لذا كان لابد لأهل السلطة والحكم، استعجال الأمور واستخدام كل أوراق الضغط لانتزاع موافقة الانصار على بيعة أبي بكر، وهو ما حصل، منها أن الخلافة لا يمكن ان تكون في غير قوم محمد – ويعني قريش- .

هذا الميزان والمقياس القومي والعرقي في تحديد مسألة خطيرة ومصيرية، مثل القيادة. مرّ على أسماع وأنظار المسلمين مرور الكرام، كما لو أنهم نسوا المعادلة الحضارية التي أرساها النبي الأكرم، في عدم تفضيل انسان على آخر، إلا بالتقوى والصفات الانسانية والاخلاقية. طبعاً؛ هذا فضلاً عن التغافل الغريب من مسلمي تلك البرهة الزمنية، عن علي بن أبي طالب، فهو من قريش وجامع كل الكمالات والصفات والقربى لرسول الله، صلى الله عليه وآله. ليس هذا وحسب، إنما انتزع عمر البيعة من الخزرج ومسحها بيد أبي بكر، قبل أن يصفي حسابه مع زعيم هذه القبيلة العريقة والمناصرة لرسول الله، سعد بن عبادة، فقد تعرض للضرب المبرح، ثم تمت تصفيته بتدبير خطة اغتيال معروفة في التاريخ. وجاء في اعتراف عمر شخصياً بأن ".. ونزونا على سعد بن عبادة، فقال قائل منهم : قتلتم سعداً، فقلنا : قتل الله سعد بن عبادة".

هذا العجز في الانتخاب الصحيح لأول خليفة بعد رسول الله، صلى الله عليه وآله، كلف الأمة كثيراً من الخسائر والتصدعات تمثلت في ظهور فتن واضطرابات سياسية واجتماعية، كان يفترض أن تكون بعيدة كل البعد عنها. فقد عادت الطبقية واستفحلت العنصرية والقومية، وتراجعت قيم اخلاقية وانسانية، واختلّت موازين طالما حرص النبي على ترسيخها في واقع الأمة، مثل العدل والتقوى والاخلاق. ولو لم يشوه هذا الاختلال أذهان المسلمين جيلاً بعد جيل، لما قارن أهل الكوفة بين الامام الحسين، عليه السلام، وبين "يزيد"، عندما قالوا: "ما لنا والدخول بين السلاطين"، كناية الى أن الامام، يرى لنفسه الحق في الخلافة امتداداً لحكم أبيه أمير المؤمنين، عليه السلام، نفس الشيء يراه يزيد امتداداً لحكم أبيه معاوية! وبذلك مهدوا الطريق – ربما من حيث لايشعرون- لشخص مثل "ابن زياد" لأن يقتحم الساحة الكوفية ويمزق المجتمع ويفرض سياسة الترهيب والتنكيل، ويتحول الى خيار أوحد للحكم، ثم يزج بأهل الكوفة الى حافة الهاوية، ويجعلهم يدفعون ثمناً باهضاً جداً بالمشاركة في قتل الامام الحسين، عليه السلام.

هذه التجربة المريرة في الذكرى المرّة لرحيل نبينا الأكرم، صلى الله عليه وآله، تؤكد لنا أن مسألة انتخاب القائد لابد ان تتم وفق قواعد وأسس ثابتة وقوية لا تتغير بتغير الظروف والمصالح، وهذا ما تعانيه معظم ديمقراطيات العالم، فهنالك انتخابات في الساحة السياسية، وربما تكون على درجة لا بأس بها من النزاهة والشفافية، لكن ما يجري خلف الستار لا يسمح دائماً بتحكيم رأي الناخبين في تعيين الرئيس والزعيم، وحتى النائب، حيث تتدخل هنالك عوامل عديدة، يتعكّز عليها السياسيون لتحقيق الفوز في ظل تلكم الديمقراطيات، لذا نلاحظ فضائح التلاعب في نتائج الانتخابات، أو تجيير المال العام للحملات الانتخابية، أو استخدام أموال غير نظيفة، بل حتى التجسس على المنافسين، وغير ذلك كثير. وهذا ما شهدناه حتى في أرقى مكان لتطبيق الديمقراطية، وهي الولايات المتحدة الامريكية، وايضاً في بلاد غربية اخرى.

من الواضح، أن هنالك مائز كبير وعميق بين الحضارة الغربية الراهنة، وبين ما تحمله الشعوب الاسلامية من تراث غني وكبير من القيم والمبادئ والاحكام من شأنها رسم خارطة طريق صحيحة. إنما المشكلة لدينا في أن هذا التراث أو هذه القيم والمبادئ، غير مفعّلة ولم تلامس الواقع بشكل كامل، فهنالك نظريات وأفكار ورؤى تطرح هنا وهناك، وإذن؛ لابد من توجه شامل من الجميع لاستنطاق هذا التراث الغني ثم تبنيه والتزامه بالكامل للوصول الى صيغة محددة او تحديد موازين معينة للانتخاب والاختيار في أي عملية ديمقراطية تشهدنا بلادنا، لئلا نكرر الأخطاء المدمرة التي سقط فيها المسلمون سنة (13) للهجرة في المدينة، ثم سقطوا ثانية في الكوفة وفي كربلاء، سنة (61) للهجرة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 31/كانون الأول/2013 - 27/صفر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2013م

[email protected]