شبكة النبأ: يتحدث البعض عن الرقم
القياسي الذي تحطمه الزيارة الأربعينية كل عام بحشودها المليونية
المتزايدة، ويتمنون أن تشملهم "موسوعة غينس" بين دفتيها، كأضخم
وأكبر تجمع بشري في العالم. لكن هذا الحدث الذي لا يجري خلال يوم
واحد أو يومين، كما بعض المناسبات العالمية، إنما هو حدث متواصل
خلال ما يقارب الاسبوعين في مدينة صغيرة، هي كربلاء المقدسة، لا
نجد لها انعكاس في وسائل الاعلام العالمية، لاسيما القنوات
الفضائية، بالشكل الذي يتناسب مع حجم وضخامة الحدث.
لدينا أرقام عن حضور وسائل الاعلام المرئية وغير المرئية، مثل
(85) وسيلة إعلامية عراقية، و(60) أخرى اجنبية، وهي تتوزع على
قنوات فضائية وصحف ومجلات ومواقع الكترونية. كما هنالك أرقام عن
وجود (450) صحفي يعملون في (75) وسيلة إعلامية من (11) بلداً.
طبعاً؛ لابد من الاشارة الى ان الحضور الاعلامي بمختلف أنواعه، اذا
كان يحمل الهوية الشيعية، سواءً من داخل العراق او من خارجه، فانه
خارج حديثنا وهمنا الاعلامي – الحسيني، حيث نتوقع – كما يتوقع
الجميع- أن يصل صوت الإمام الحسين، وهذه المناسبة تحديداً الى أكبر
عدد ممكن من سكان المعمورة.
مثلاً؛ مشاهد "المشي" لرجال ونساء وصغار، ولمسافات طويلة صوب
كربلاء المقدسة، يجب أن تصل الى الشاشة الصغيرة في القنوات
التلفزيونية في الشاشة الصغيرة لدى شعوب القارات الخمس، لاسميا اذا
عرفنا أن المسلمين يقطنون في مساحات واسعة من آسيا وافريقيا،
وايضاً أجزاء من اوربا، في البوسنة والهرسك والبانيا، فضلاً عن
وجود المسلمين في معظم أنحاء العالم، حتى أقصى منطقة في امريكا
الجنوبية، وفي أبعد منطقة في العالم، وهي "نيوزلاندا" ، وهؤلاء لهم
الحق في متابعة ما يجري خلال هذه الزيارة، ورؤية المشاهد الانسانية
المثيرة خلال مسيرة "المشي". هذه المشاهد هي التي تخلق التفاعل في
نفوس المسلمين مع النهضة الحسينية، وتجسّر العلاقة بينهم وبين
الإمام الحسين، عليه السلام، بل وبينهم وبين الاسلام الحقيقي،
وتعرفهم أن الإسلام الذي ضحى من أجله الإمام، عليه السلام، هو عينه
الذي دعا اليه جده رسول الله ، صلى الله عليه وآله. فلا كراهية ولا
ضغينة ولا دعوات للانتقام، إنما ثمة تجسيد لكل القيم الاخلاقية
والانسانية.
أما بالنسبة لاتباع الديانات والمذاهب الاخرى في العالم، فان
الاهمية لا تقل عن متابعة المسلمين، إن لم تكن احياناً أكثر أهمية،
عندما تقدم الشاشة الصغيرة في مختلف أنحاء العالم، مشاهد لأحداث
وقضايا من العالم الاسلامي، حيث قطع الرؤوس وحرق الاشخاص احياءً
وقتل النساء والاطفال وممارسات يندى لها الجبين، يُقال أنها تصدر
من أشخاص "مسلمين". وإذن؛ فان الانطباع الذي تتركه هذه المشاهد في
الاذهان، هو أن الاسلام يعيش على العنف ويتغذى على الدماء، أما
المسلمين، فهم أناس معقدون وعنيفون الى حد الوحشية، حيث يفعلون كل
شيء لتحقيق مصالحهم وذواتهم. وما أحداث سوريا عنّا ببعيدة.
لنلاحظ التقرير التلفزيوني الذي أعدته قناة بلغارية عن الحرب
في سوريا، وسجلت مشاهد، هي بالحقيقة تشكل فضائح مدوية لمن يدعون
أنهم "مجاهدون" حيث عمليات القتل على الهوية واستغلال الفتيات
لإشباع غريزتهم الجنسية في خنادق القتال. هذا التقرير المثير تعده
قناة تعود الى بلد له حساسية شديدة من الوجود الاسلامي بالقرب منه،
حيث يعيش المسلمون في مناطق قريبة، مثل جمهورية البوسنة والهرسك،
ذو الاكثرية المسلمة، واقليم "كوسوفا" المسلم في جمهورية الصرب.
لذا فان الغاية تبدو واضحة، وهي إن "الجهاد" الذي عرفه وسمع به
الاوربيون في تاريخ الإسلام، وصل به الحال الى أن يتعرض فيه
الانسان البريء الى الموت بأسهل من ذبح الدجاج، ويستسيغ المجاهدون
ممارسة الجنس الجماعي مع فتيات في الخطوط الخلفية من القتال، تحت
عنوان "جهاد النكاح"..!
إذن؛ يتضح أن مهمة إيصال النهضة الحسينية الى العالم، بحاجة الى
جهود وتخطيط وبرمجة ودعم لامحدود، كما تفعل معظم وسائل الاعلام
الناجحة التي تبحث عن اهدافها وتحقيق رسالتها في ميادين الحروب
الاهلية وأحداث العنف والازمات السياسية والاقتصادية. فهي في الوقت
الذي تعرف جيداً حاجة المشاهد وايضاً نقاط ضعفه، وفي مقدمتها مسألة
"الجنس"، الى جانب الاثارات الاخرى من قبيل المسلسلات الدرامية
والعاطفية، والاحداث الرياضية المختلفة. إلا انها لا تنسى الهدف
والغاية القصوى من وراء بذل ملايين او مليارات الدولارات. لذا فهي
تسعى للحفاظ على أكبر قدر ممكن من المشاهدين، لكن لا يمكن أن نعد
جميع القنوات التلفزيونية في العالم وهي ربما تُعد بالآلاف، لها
نظرة سلبية وعدائية إزاء الاسلام والنهضة الحسينية، بل ربما يكون
العكس، اذا وصلت تقارير ميدانية ومشاهد انسانية مؤثرة تجسد وقائع
الزيارة الاربعينية من انطلاقتها وحتى وصول الزائرين المشاة الى
كربلاء المقدسة. أو ربما تكون الفرصة سانحة في العام القادم، لدعوة
القنوات الفضائية من كل انحاء العالم لإعداد تقارير مصورة وإجراء
مختلف أشكال العمل الصحفي لهذ الحدث الكبير.
إن غياب صوت الحسين، عليه السلام، من القنوات الفضائية في
العالم، لا يمكن ان يمر دون أن وقفة تأمل وتدبر، لأننا نكرر دائماً
أن النهضة الحسينية، عالمية وليست محدودة بهذا البلد أو ذاك، أو
هذه الفئة من الناس دون غيرهم، إنما هي للانسانية جمعاء، لما تحمله
من مفاهيم الحرية والعدالة والكرامة والبناء الانساني. |