لقد هيأ الإمام الحسين عليه السلام جميع الوسائل التي تجعل
الثورة الحسينية تستمر في عطاءها الى آخر الزمان فلم يترك شيء
يملكه إلا ودفع به في هذه الثورة الطاهرة، وسقى بدمه ودماء ابناءه
وأخوته وأقاربه وأصحابه الخلص أرض كربلاء الثورة لكي يزرع أشجار
الهداية التي ستنير بأغصانها وثمارها كل أرجاء المعمورة.
هذه الأشجار تتطلع إليها جميع الديانات السماوية وخصوصاً
الإسلام المحمدي الأصيل لكي تعيد الشعوب إلى طريق الله القويم الذي
لا اعوجاج فيه وهو طريق محمد وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين بعد
أن أبعدت الانحرافات التي أصابت هذه الديانات بعد رحيل أصحابها
صلوات الله عليهم من قبل المنافقين واصحاب الدنيا، فلم تبقى وسيلة
لإعادة هذه الشعوب الى عبادة الله إلا الثورة الحسينية التي خطها
الله سبحانه وتعالى ونفذها ابا الأحرار عليه السلام بدماءه الطاهرة
وما يملك من دماء الأهل والأتباع إذ يقول الإمام الحسين عليه
السلام (شاء الله أن يراهن سبايا).
وحتى طرق إخراج ونقل وقائع واهداف هذه الثورة (الإعلام حديثاً)
لقد خطط لها على أروع وادق مايمكن، فكان الإمام السجاد عليه السلام
وعقيلة الطالبين زينب عليها السلام قد تحملوا مسؤولية هذه الحملة
التي لولاها لضاعت هذه الثورة ما تضمنته من تضحيات في صحراء كربلاء
وهذا ما خطط له الظالمون الفاسقون المنحرفون عن طريق الإسلام
المحمدي الاصيل، فكانت مرحلة الأسر قاسية جداً وكيف لا تكون كذلك
وأنت ترى ركب الرسالة تحت رحمة لسان وسياط الأنذال الذين لم يعرفوا
الرحمة قط ولم يؤمنوا بما أنزل الله على نبيه محمد (ص).
ولكن الهدف السامي والنتيجة المبتغاة كانت تتطلب هذه التضحية
القاسية العظيمة لأن الإسلام فوق كل شيء وأهم من كل شيء وأمامه
يرخص كل شيء لأن كل شيء يستمد منه العطاء إذ يقول الله سبحانه
وتعالى (العزة لله) و(وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون)، فلم يترك
الإمام زين العابدين عليه السلام وعمته فخر المخدرات زينب عليها
السلام فرصة إلا وحاولوا من خلالها إظهار عظمة تلك الثورة وما
تضمنته من مظلومية لأهل البيت عليهم السلام وإنحراف جميع الخطوط
التي لم تتولى أمير المؤمنين عليه السلام، فقد تعاضد الإمام السجاد
عليه السلام وتبادل الأدوار مع عمته زينب عليها السلام من أجل
تعريف الأمة الإسلامية بهذه الواقعة الخطيرة التي ابتليت بها
الأمة، فنحن نعيش اصداء الثورة الحسينية ومعانيها الخالدة من ذلك
التعاضد والتعاون ما بين سيد العابدين عليه السلام وفخر الطالبين
عليها السلام الذين جعلا تلك الأشجار المشعة التي زرعها سيد شباب
أهل الجنة وسقاها بدماءه ودماء جميع من استشهد من أهل بيته وأصحابه
خضراء باسقة تهدي الى الحق الذي أراده الله وهو ولاية محمد وآل
محمد صلوات الله عليهم جميعاً، فجمعت القلوب واصحابها من جميع
البقاع في العالم وهم يتكلمون بمختلف الألسن واللغات، فكان أبا
الأحرار عليه السلام يجذب العشاق الى كربلاء من مختلف الشعوب
والدول بالرغم الظروف الأمنية القاسية والعقبات التي زرعها
الناصبيون التكفيريون.
ولكن قوة الجذب الحسيني فاقت كل التصورات عندما تأتي ذكرى
عاشوراء وأربعينية الإمام الحسين عليه السلام تتجه القلوب الى كعبة
الأحرار متناسية كل شيء إلا شيء واحد هو نداء (لبيك يا حسين)، هذا
التجمع العالمي الذي فاق التصورات والمخيلات بما احتواه من فعاليات
تحاول كل القوى الشيطانية محاصرته وأبعاد الناس عنه، فلا يغطى
إعلامياً إلا من بعض الفضائيات الشيعية التي تعتبر قليلة بالنسبة
للإعلام العالمي الواسع، لهذا يتطلب منا كسر هذا الحصار وتدميره من
خلال إجباره على التغطية ومن ثم نقله الى العالم ولو بشكل يسير
المهم المحاولة في إظهاره للعالم، واحدة من هذه الأدوات هي رفع
الزائرين الذين قدموا لزيارة أبا عبد الله (ع) من خارج العراق
أعلام ورايات الدول التي قدموا منها، فرفع الأعلام بشكل واسع سيضع
علامات التساؤل والاستغراب لجميع شعوب العالم وهم يشاهدون أعلام
بلدانهم ترفرف في أجواء هذه الزيارة العظيمة فتبدأ الأسئلة حول هذه
الزيارة وما تمثل وهنا بيت القصيد والهدف الأسمى وهو تعريف هذه
الشعوب بهذه الثورة الحسينية العظيمة.
بالإضافة الى إظهار عالمية الزيارة فالحسين عليه السلام تعشقه
جميع شعوب المعمورة فإذا كانت الأمم المتحدة قد جمعت حكومات العالم
وما تمتلك من مؤامرات ودسائس ضد البشرية فالحسين عليه السلام قد
جمع الشعوب وقلوبهم البريئة التي تمتلئ بالحب والسلام والأخوة،
لهذا يتطلب منا كشيعة بناء أكبر المنصات ما بين الحرمين (صحن
الإمام الحسين عليه السلام وصحن أخيه العباس عليه السلام) لكي يتم
رفع أعلام الدول التي يشارك أبناءها في هذه الزيارة المقدسة
المعجزة، فمبنى الأمم المتحدة يرفع أعلام الدول بالرغم من سيطرة
الظالمين عليه فلماذا لا ترفع أعلام الشعوب التي تجتمع تحت قبة سيد
الأحرار بما تملك من نوايا خيرة لجميع البشرية وهم أولى من
الحكومات لأنهم أصحاب الحق الشرعي في الولاية.
وبهذا نجعل من زيارة الأربعين الشعلة التي بها تهتدي جميع شعوب
العالم الى ولاية محمد وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين، فإذا كان
الإمام السجاد عليه السلام وعمته فخر الهاشمين زينب عليها السلام
قد أظهروا الثورة الحسينية للأمة الإسلامية فعلينا أن نشترك جميعاً
لإظهار هذه الثورة للعالم، فهم زرعوا وأكلنا فلنزرع ليأكل الأخرون. |