شبكة النبأ: عشرة أيام كاملة
البهاء والألق والحزن الجميل، مضتْ بدقائقها وساعتها المترعة
بالسلام، والمحبة والتكاتف بين المسلمين، وهم يستذكرون بكامل
الخشوع والألم، ذكرى استشهاد بطل الحرية والسلام والانسانية،
الامام الحسين عليه السلام، فقد ضجّت أرض الغاضرية المعفرة بالدم
الظهور بأصوات الزائرين، و هم يرفعون عيونهم و وجوههم و أيديهم الى
السماء، يطلبون الرحمة، والهداية، والامان، والسلام، لأهل الأرض
كافة، وقد شارك ملايين العراقيين والمسلمين من عموم أرجاء
المعمورة، في إحياء مراسيم عاشوراء، ومما يثير الفرحة في القلوب،
أن المشاركين من الدول الاجنبية الاوربية والاسيوية وامريكا
كثيرون، و هم في حالة تزايد وتصاعد مستمر، الامر الذي يؤكد انفتاح
الوعي العالمي، على المبادئ الانسانية العظيمة التي أورثتها (
واقعة الطف)، للمسلمين جميعا، وللإنسان أينما كان، في عموم ربوع
الأرض.
من المشاهد التي تثلج الصدر، وتسعد الروح والقلب والعين، تلك
الروح الجماعية السمحاء التي وحَّدتْ جميع الحاضرين في كربلاء
الحرية والسلام، فضلا عن الملايين الذين كانوا يتابعون مراسيم
عاشوراء وأجوائها، عبر وسائل الاعلام، لاسيما المرئية منها، ومما
يضاعف من الامل في تقارب المسلمين وتوحدهم، تلك المعرفة المسامية
يوما بعد يوم بما أراده الامام الحسين عليه السلام، عندما قدّم
أغلى ما يمكن على مذبح الحرية، وهي في جوهرها مبادئ بالغة الوضوح
وصافية الرؤية، هدفها سعادة الانسان، من خلال بث روح التسامح،
والتعايش والتعدد والتكافل، ونبذ التطرف واحترام الآخر، وحماية
الضعفاء من جبروت الحكومات الجائرة، وهذا حجر الزاوية في مبادئ
الفكر الحسيني، فالحسين عليه السلام رفض ظلم الطاغوت، وانتصر لحرية
الانسان، نعم هذا هو الجوهر المبدئي العظيم الذي ابتغاه سيد
الشهداء، وصارع الطاغوت وأرباب الظلم والاستبداد، والانحراف من اجل
تحقيقه، وهنا لابد أن نمر على الاهداف المطلوبة منا، في ضوء
التضحية الحسينية التي أضاءت لنا طريق العدل، والحرية، والسلام.
تُرى ماذا حققنا حتى الآن على طريق المبدأ الحسيني الانساني
العظيم، وما هو المطلوب منا؟ وكيف يمكن أن نفي بعض ما قدمه أبو
الاحرار وسيد الثوار الامام الحسين عليه السلام، من خلال أقوالنا
وأفكارنا وأفعالنا، وتطوير حياتنا بما يتناسب والمكانة التي كان
يتمناها لنا الامام الحسين عليه السلام، فثار على الظلم ورفض كل
حالات الانحراف، وقاوم الطغيان ببسالة الثوار العظماء، تُرى هل نحن
نسير على طريقه؟؟ وهل تمسكنا فعلا بروح الحرية والعدل، والمساواة
والانسانية التي ثار الحسين عليه السلام من أجل تحقيقها.
لقد لمستُ شخصيا في هذه الذكرى (لهذا العام)، تطورا ملحوظا من
حيث التراحم والمحبة والتقارب بين الناس، على الرغم من أن الشوارع
ضجت بالملايين، ولاحظت نبرة التسامح وانتشار الكلمة الطيبة،
واستعداد الناس للتعب وبذل الجهد المضني من اجل راحة الاخرين،
وانتشرت روح المودّة بين الجميع، من جانب آخر كان تنظيم السير
ومرور ملايين الزوار وتنظيم المواكب جيدا وسلسا، الامر الذي يدل
على حسن التنظيم، وارتفاع الشعور بالمسؤولية، كذلك هناك حرص على
نظافة المدينة، أبداه الزوار الكرام والجهات المعنية، وهذا مؤشر
ممتاز يدل على تطور في التعامل مع الواقع، بالصورة الصحيحة التي
تضمنتها النهضة الحسينية ومبادئها، وإننا بهذا السلوك والتنظيم،
إنما نجسّد مبادئ الفكر الحسيني، وعلينا الالتزام الدائم بذلك، بل
مطلوب منا أن نبدع ونبتكر الجديد دائما، لكي نرتقي بحياتنا الى
الافضل والاجمل دائما وابدا.
كل هذا يأتي في ضوء رسالة الدم الطهور، لترسيخ روح الاخاء
والعدل، والمساواة بين الناس جميعا من دون استثناء، فهذه كلها
مبادئ و شروط أساسية في الفكر الحسيني، بل تمثل أركان النهضة
المجتمعية التي يطالبنا بها الدم الطهور، ورسالته الخالدة على مر
الدهور، لذلك ليس أمامنا سوى أن نرتقي الى مصاف هذه المرتبة الكبرى
من التضحية، فالتطابق الفكري والعملي مع مبادئ الفكر الحسيني، شرط
أساسي لإثبات انتماء الانسان الى الامام الحسين عليه السلام، وهذا
الشرط هو المنطلق الذي يجعلنا دائما في طريق التطور والارتقاء بين
أمم وشعوب العالم أجمع. |