شبكة النبأ: قليلة تلك الملاحم
والوقائع التي يحتفظ التأريخ بنصاعتها، وبقيمتها الانسانية الكبرى،
وملحمة استشهاد الامام الحسين عليه السلام في واقعة الطف، تقف في
الصدارة، كونها تحمل اسم سبط النبي الكريم محمد بن عبد الله صلى
الله عليه وآله وسلم، إن السبط عليه السلام يحمل في حقيقة الامر دم
النبوة، وقد قدمه قربانا على مذبح الحرية، كي ينعم المسلمون، بل
الانسان في كل ارجاء المعمورة، بالسلام والوئام، اهتداءً بالدروس
التي تقدمها هذه الملحمة الخالدة، فضلا عن إشعاع التضحيات الذي
يتجدد بكل عام في مثل هذا اليوم، حيث يقدم الامام الحسين روحه
وجسده ودمه، قربانا للتحرر ودفاعا عن حقوق المسلمين.
إنها اذاً ملحمة الحرية، ملحمة الدم الطاهر، ملحمة القيم
الخالدة التي عبّدت الطريق القويم للمسلمين، كي يحثوا الخطى نحو
الحياة الكريمة، استنادا الى الفكر الحسيني العظيم، ومبادئ الشهادة
التي عُمِّدَتْ بالدماء الطاهرة، والارواح النقية التي غادرت الى
السماء، معلنة رفضها القاطع للظلم، راسمة للجميع سبل السلام
والوئام، كي يمضي المسلمون قدما في صدارة الأمم.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، اذا كان الامام الحسين عليه
السلام، قد قدم الغالي والنفيس من جل الاسلام والمسلمين، وضحى
بروحه ونفسه وذويه وصحبه الاطهار، ألا تمثل هذه التضحية العظيمة
نقطة شروع لكل المسلمين، كي يحتذوا بالفكر الحسيني، ثم ألا تستحق
هذه التضحيات العظيمة، أن يلتزم جميع المسلمين بالمنهج الحسيني
الواضح كل الوضوح، وفاءً لصاحب الملحمة عليه السلام، والتزما
بمنظومة القيم العظيمة التي أفرزتها وثبتتها واقعة الطف، من اجل
احقاق الحق وضمان سعادة المسلمين والانسانية جمعاء؟.
نعم لا يزال هذا السؤال مطروحا أمام الجميع، وعلينا الاجابة
بوضوح ودقة عنه، حتى لا ننسى تضحية الامام الحسين عليه السلام
اولا، ورفضه للظلم والطغيان والانحراف، وثانيا حتى لا يذهب الدم
الحسيني الزكي الطاهر سدى، لاسيما أن الهدف منه هداية المسلمين،
وحفظ الاسلام من نوايا وافعال المنافقين، هو أن يبقى المسلمون في
مقدمة الركب العالمي كما كانوا ابان الدولة الاسلامية الكبرى.
إن ملحمة الطف هي النموذج التأريخي الاعظم، في الـتأريخ البشري
فيما يخص التضحيات، فقد قُتل الحسين عليه السلام حتى نبقى، نعم لقد
قدم سبط النبي الاكرم أغلى ما يملك الانسان، حينما قدم روحه ونفسه
ودمه على طريق التحرر، لذلك فإن الالتزام بالنموذج الحسيني، واشعاع
التضحيات العظيمة، هو أقل ما يمكن أن نقدمه في طريق المنهج الحسيني
الخالد، وهو في جميع الاحوال يهدف الى صالح المسلمين، في تحقيق
التعايش والسلم والاستقرار والتقدم.
لذا فإن التزامنا هنا، يأتي وفاءً للملحمة الحسينية واستمرارا
لقيمها ومبادئها، فضلا عن النتائج التي سنحصل عليها، وهي كلها تصب
في البناء المجتمعي الامثل، وتدعم المنظومة الاخلاقية السلوكية
للجميع، وترسم الخطوط الدقيقة لتقدم المسلمين وتحفظ قيمتهم
المعنوية والمادية معا، إذاً فالنموذج الحسيني قائم، والملحمة
الحسينية تتجدد في كل عام بالعاشر من محرم، حيث يستشهد الامام
الحسين عليه السلام، من اجل الاسلام والمسلمين، وما علينا إلا
السير في الطريق الذي ترسمه مبادئ الفكر الحسيني، اذا اردنا أن
نطور حياتنا ونحمي انفسنا، حاضرنا ومستقبلنا، من الانحدار في
الهاوية.
على أننا نتفق بأن واقع المسلمين، يشير الى أنهم يعانون من
الفرقة والاصطراع، الذي يصل الى حد الاقتتال والاحتراب، أما التطرف
فقد بلغ فيهم مبلغا قام بتشويه الجوهر الاسلامي العظيم، لذلك لابد
من وقفة حقيقية مع النفس، لاستعادة وهج الملحمة الحسينية،
والاستفادة من اشعاع تضحياتها الخالدة، من اجل تصحيح الانحراف،
وخلق التقارب بين المسلمين، استنادا الى مبادئ التضحية والاخلاص،
التي يرتكز عليها الفكر الحسيني، وعلينا أن نسير على خط السبط
الكريم، الذي جعل من دمائه طريقا لنا، ومن مبادئ عاشوراء طريقا
للحق والسلام، للمسلمين والانسانية جمعاء. |