دعك عن الدين وخلاف المذاهب، وتمحص في القضية.
مامعنى ذلك سيدي ؟
أعترف لك أيها الولد إنني حزين. فليس من المعقول أن تصنف
البطولات من أجل الفقراء والجياع والمحرومين والمستضعفين بحسب
إنتماءات الناس. ولايجب أن نرفض الحقيقة لأن من يؤمن بها مكروه في
أنفسنا.
أرجو الإفاضة سيدي.
حسنا. أنا أنزعج حين ينتقد البعض إحتفاء الناس بذكرى كربلاء
ويستذكرون فاجعة الحسين وأهله فيها مع إن التاريخ يشهد إن من قاتل
هذا الرجل كانوا من شرار الخلق في الشام والعراق والجزيرة العربية،
ويجمع المسلمون على وحشيتهم وسوء خلقهم وبشاعة الخلقة التي كانوا
عليها، بل وتمتد الوحشية والقماءة الى أسمائهم التي يتداولها
الناس، فيقابل الحسين مسمى يزيد، ويقابل زهيرا الشمر، ويقابل حبيب
شبث بن ربعي وحرملة. فالقضية واضحة، ولطالما ثار الناس على
الظالمين والحكام الطغاة عبر التاريخ، ومنهم من تمرد على سلطة
غاشمة أذاقت الناس الويلات وحرمتهم من الحقوق، وكان البعض يسمي
الفرسان الذين ينتصفون للفقراء من الأغنياء في الجزيرة العربية
بالصعاليك، ويحتفي الناس والشبان الصغار واليساريون بالثائر
الأرجنتيني جيفارا ويتخذونه رمزا، بينما كان الرجل يرتكب الأخطاء
تلو الأخطاء، ويتنقل بين البلدان، وصاحب حتى المجرمين
والدكتاتوريين من الحكام الذين عرفوا بالظلم والتجبر في أمريكا
اللاتينية وآسيا وأفريقيا، بينما يجادل الناس في الحسين الذي إمتلك
الحقيقة وعرفها، ولم يتمرد في يوم على أمه أو أبيه، بل كان جده
نبيا عظيما عرفته الجزيرة العربية وإنتقلت شهرته عبر الأرض
والتاريخ، ويؤمن به ملايين من الناس في مختلف البلدان، ونعرف عن
جيفارا تمرده على أبويه، وتركه مهنته، وتحوله الى التمرد وإتخذه
سبيلا لتحقيق ذاته وكلنا يمجده ويثني عليه. تخيل إن الناس يختلفون
في الحسين، ويتفقون في جيفارا.
كان جيفارا يدخن السيجار الكوبي مثل أي وزير في حكومة فيدل
كاسترو الطاغية الذي حرم الشعب الكوبي من إنسانيته ومنعه عن ممارسة
حياته بكرامة حتى إضطر إبنته الى الهرب واللجوء في دولة عدوة هي
أمريكا، بينما كان الرجل منشغلا بالتدخين والشراب ومنادمة
دكتاتورية زعماء أفريقيا كان الشعب الكوبي يموت جوعا، وكان
الأفارقة يتضورون جوعا وعطشا.
في تلك الصبيحة الحزينة لم تكن شمس العراق تواقة للتنازل عن
وطأتها وجبروتها، وكانت تلتهب في السماء. بينما العطش يفتك
بالأطفال والنساء. وحين حاول أحد أشقاء الحسين أن يأتي ببعض الماء
من الفرات قطع الرجال عليه الطريق، وقطعوا يديه أيضا، وثقبوا
القربة التي كانت مليئة بالماء العذب، ولم يشرب هو الآخر. إجتمع
بعض من بقي معه من الرجل وأكثرهم من أبناء عمومته وأخوته، وحين خطب
فيهم عرفوا إنها اللحظات الأخيرة لتنتهي المعركة بفجيعة. فقد كان
في المعسكر المقابل عدد هائل من الجنود المدججين بالسلاح ومعهم
رماة مدربون وحاقدون كأفعى الصحراء، وعند الظهيرة كان الجميع ذبحوا
بإستثناء شاب مريض وبقية النساء والأطفال الذين سيقوا الى الكوفة
وهي العاصمة المفترضة للعراق في حينه، وكان فيها طاغية آخر إحتفل
بالرؤوس التي نزعت عن الأجساد ووضعت على رؤوس الرماح.
القضية ليست بدعة وضلالة كما يراها بعض المتطرفين والموتورين
والمخبولين، وحين تتحول الى موروث شعبي مع بقائها نوعا من التعبد
والطقس المقدس فذلك يمثل حقيقة المأساة وتأثيرها في النفوس بعد مضي
أربعة عشر قرنا على الواقعة.. تلك الواقعة تحولت الى حدث سماوي
جبار..
علينا الإنتباه الى ذلك والتفكير فيه مليا.
http://annabaa.org/news/maqalat/writeres/hadijalomarei.htm |