(1)
عند ضفاف جرحك.. جرح السماء، ستجفُّ خجلاً يا مولاي الجراح،
وعند حدود عاشورائك.. مُدميةَ قلوب الأنبياء، ستقف مبهورة يا سيدي
الأزمان، وعند تخوم قدس أرضك.. مهوى أفئدة الأولياء، ستنتهي
المسافات، وعند سخاء جودك.. ألـ( ليس) له انتهاء.. سيعقم رحم
التضحيات. إذ لا يوم كيومك سيدي يا أبا عبد الله، ولا مصاب كمصابك
مولاي يا أبا الشهداء، فلم يكن لأحدٍ حق اختزال نهضتك الخالدة
بسويعات يوم عاشوراء.. بيد إن أحداث عاشوراء هي من اختزلت الزمن
برمته.
(2)
من أين أبدأ سيدي.. والبداية صارت ختاماً، وبمَ أختم.. والنهاية
أضحت في ملحمة الطف ابتداء؛ فولدت من نحرك ثانيةً عند الظهيرة من
يوم عاشوراء، مطروحاً فوق الرمضاء من أرض كربلاء، فصار سفرك الخالد
عنواناً للحياة، و أضحى جرحك الوضاء نبراساً للنجاة، فمَن سواك يا
مولاي يا أبا الشهداء سكن الخلد دمه، واقشعرت لسفكه أظلة العرش،
وبكت مصيبته الراتبة بدل الدموع دماً.. عيون الخلائق، ومقل
السماء.. من؟!
(3)
قد ظنوا بقتلك سيدي يا أبا الأحرار إنهم يردوك الفناء، وما
حسبوا - يا بؤسهم – إن شهادتك ستغدو واهبة الحياة، وإنهم استطاعوا
منك.. فداروا بحوافر حقدهم الأسود، وضغينتهم الصفراء على أشلاء
الجسد المرمل بالدماء، ثم داروا.. وداروا.. ودا... رو........!
ليخفوا أي أثر لجريمتهم، وجريرتهم النكراء تلك الملطخة بالسخام
وجه التاريخ البشري على هذي الأرض؛ فانقلب المكر على الماكر..
وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ
؛ فطلعت لهم يانع ورد أحمر قان، يشرئب من سويداء القلب، معشوشباً
في ضمائر الملايين كغابات يقين.
(4)
لم يكن لسخاء بَذلِكَ هنالك نظير، ولن يصل لشحّ فعل قاتليك في
الأفعال شبيه.. حتى بلغ الاستكثار برشفة ماء - لا غير- على رضيعك
العطشان..! فسقوه حرارة سهم غادر حزّ منه المنحر.
دمك المسفوك ظلماً فوق رمضاء الطفوف، قد أينع غابات عشق إلهي في
صحراء القلوب، وواحات حزن نضر في دهاليز الضمير، فراح يزكو علواً
في أرواح العاشقين.
(5)
مَن مثلك ضحى لله بكل ما يملك.. ولم يتوقف؟ وذٌبح رضيعه بين
يديه من الوريد الى الوريد.. ولم يهتز؟ من مثلك استطال رحمة حتى
بأعدائه.. فبكى اشفاقاً عليهم؟ ومن مثلك تعجبت من صبره ملائكة
السماء؟ ومن مثلك ظل صوتاً.. ولم يخبُ مثل الصدى؟! فمن مثلك..
من.......!!
(6)
قتلوك فرداً.. فأضحيت حشوداً مليونيه، وقتلوه جسداً.. فتساميت
الى تجسيدٍ حيٍّ للرسالة، وقتلوك شخصاً.. فتحوّلت الى شاخص وضاء..
ينير دروب التائهين، وسفينة نجاة في أوج هياج طوفان الفتن، وقتلوك
حقداً حينما قالوا:" إنما نقتلك بغضاً بأبيك"؛ فغدوت رمزاً لأطهر
حب، وأسمى عشق يمكن أن يعرفه الوجود.
وحينما رفعوا رأسك فوق الرمح؛ صار مئذنة تصدح بـ(الله أكبر) في
كل حين، وتتلى منها آيات القرآن الكريم.
(7)
عجزت اللغة عن الوصول إليك، وتحيّرت الكلمات في رحبتيك، وتاهت
الحروف عند شاطئيك، فسلام عليك، وأنت السلام، ومنك السلام، وإليك
السلام.. فمضيت تجوب آفاق السماء وأقطار الأرض، راية بيضاء.. نقية
كالضياء، بيد إنها ستبقى مخضبة بالدم.
[email protected] |