هذه هي الحياة، وسواء قبلنا أو رفضنا فعلا أو قولا من أحد فلا
سلطان لنا عليه طالما إلتزم بمبدأ عدم الإيذاء والتجاوز على الحق
العام والخاص بالنسبة للأفراد وللمجموعات البشرية والمؤمنين بمبادئ
ومذاهب وطرق سلوك وعبادة وتفكير، وهذا ما شرعته السماء، ودعت إليه
قوانين الأرض التي عمل عليها مفكرون وفلاسفة وعلماء دين لهم الوزن
والقيمة التي ليست لغيرهم من البشر وهو تفضيل رباني لا إعتراض عليه
أبدا، كما إنهم وضعوا ماوضعوا من قوانين بعد مراعاتها للأصول
الشرعية وقوانين السماء، وجعلوا لها موادا وتفاصيل وأغراض واضحة
لكل البشر بمختلف الأديان والمذاهب والقوميات والأفكار والألوان،
ولاتمييز في ذلك بين أسود وأبيض، ولا بين أتباع دين أو طائفة
مطلقا.
مثلي مثل كثيرين ينظرون لسلوكيات الناس وأتساءل، لماذا يتحرك
الناس الى الكعبة من كل فج عميق ويأتون زرافات ووحدانا، ويلبون
نداءا نطق به القرآن منذ قرون متطاولة، ولماذ يجتهد الناس في ذلك
ولايمنعهم مانع ولايحد من جهدهم أحد مهما تطاول وتجبر ومهما فعل؟
ألم يحاول ملك الحبشة تسيير جيشه وفيلته ليقطع الطريق على الماضين
الى الكعبة المقدسة قبل الإسلام، وبنى بيتا أراد أن يحمل الخلق على
التوجه إليه لكنه لم يفلح، وقبل أن تتدخل السماء كان الناس رافضين
للمبدأ غير موافقين عليه.
يتساءل الناس في بلاد أخرى عن الحكمة في مضي ملايين الهنود
قاطعين آلاف الكيلو مترات لزيارة معبد كبير في ناحية من نواحي
البلاد؟ ويحج الآلاف سنويا يقطعون الفيافي والقفار ويغوصون في
الثلوج بين الجبال ليصلوا الى مكان مقدس في الصين ومعظمهم يأتي من
نيبال والهند وسواها من بلدان في آسيا؟ الآلاف يحجون من مختلف مدن
أوربا زحفا ليصلوا مدينة لشبونة عاصمة البرتغال لزيارة كنيسة سيدة
النجاة، ويتقاطر الناس الى الفاتيكان في قلب روما لينعموا بإطلالة
البابا من نافذته المضيئة على الدوام.
يفعل ذلك الملايين من الناس في انحاء مختلفة من العالم ولايعلم
بهم من أحد ويمارسون ذلك بصمت ويتعبدون بطرق شتى تفوق الحصر،
ويبتهج اليهود هذه الأيام أنهم إكتشفوا طائفة من المنتمين لقبيلة
توراتية فقدت قبل مولد السيد المسيح تم نقلهم الى إسرائيل وهم على
قدر عال من الأهمية بالنسبة لدولة إسرائيل الموهومة يريدونهم
لمعرفة أسرار تتعلق بالنشأة وترتيبات لتأكيد شيء من المصداقية
لأكاذيب لاتنفع معها التدابير التي تعمل عليها الدولة الصهيونية.
كنت أنظر الى الماضين سيرا على أقدامهم الى كربلاء، هم يمارسون
فعلا متاحا لهم وهو حق من حقوقهم الطبيعية.. لاتستطيع أن توجد
مبررات لمنعهم عنه لأنه سلوك جمعي توافق عليه الملايين، ولايمكن أن
يتهموا بالجهل والخرافة فهم ليسوا طيفا من الناس يمكن السيطرة عليه
وترويضه، ولديهم من المبتنيات الفكرية والعقائدية مايغنيهم عن
الإنصات لأي صوت مضاد لتصوراتهم وإيمانهم، هم يدركون الى أين يمضون
وهم يتحملون المسؤولية عن فعلهم في حضرة الله، أشعر بسر وبسحر
وبطاقة جذب تسحبهم الى مكان مقدس يمضون إليه سعداء.. هل هم مجانين
بحب الحسين.. هم فعلا مجانين.. |