شبكة النبأ: يحتاج الانسان
والشباب على وجه الخصوص، الى تأسيس قاعدة فكرية يؤمن بها، تملأ
الفراغ الفكري الذي يحتاجه في التطبيق العملي اليومي لانشطته
الحياتية المختلفة، لذا هناك فرصة نموذجية فيما لو تم التعامل معها
على صحيح لكي تنقذ الشباب من دوامة الفراغ ومخاطر الانحراف، تتمثل
في استلهام الفكر الحسيني والتعلق به وهضمه ومن ثم تطبيق مبادئه في
حياة الشباب عموما.
إذن يحتاج الانسان الى ملء الفراغ الفكري والنفسي، لاسيما في
مراحل الطفولة والشباب، حيث يبقى بحاجة ماسة الى النموذج الجيد،
مقابل النموذج الرديء، الذي يمكن أن يتواجد في محيطه أيضا، وهكذا
يحتاج الشباب الى النموذج الراقي، الذي يؤثر فيهم ويصقل أفكارهم
وسلكوهم، ويجعلهم مؤمنين بالفكر المتوازن، والسلوك المتحضّر، حتى
في أكثر المواقف حرجا وصعوبة، وليس انسب مما يقدمه الفكر الحسيني
الانساني في هذا المجال، لذا نخص الشباب في أهمية حضور النموذج،
كونهم غالبا ما يشكلون الشريحة الاوسع في مجتمعاتهم، بالاضافة الى
حيويتهم، وسرعة استجابتهم لتنفيذ المتغيرات الحاسمة في حياة
الشعوب، وقد أثبتت الوقائع الاخيرة التي حدثت في معظم الدول
العربية والاسلامية، خطورة الدور الذي يلعبه الشباب في حياة
شعوبهم.
لذا نجد في الفكر الحسيني نموذجا فكريا عمليا عظيما، يمكن
للشباب استلهامه والسير في ضوءه، لكن الامر يحتاج الى جهود منظمة
كبيرة يخطط لها المعنيون في المؤسسات الدينية والحكومية المعنية
لحث الشباب على معرفة هذا الفكر والتمسك به وتحويله الى منهج حياتي
عملي دائم، من اجل درء خطر الانحراف عن الشباب عموما.
اننا نحتاج الى معرفة التجارب الشبابية الاخرى لدى المجتمعات
الاخرى، وكيفية تحصين الشباب من المخاطر، وما هو الدور الشبابي في
حياة المجتمع، وكلنا نتذكر كيف تشكّلت ثورة التغيير السياسي في
مصر، وكم كانت نموذجا رائعا للشعوب الاخرى، التي تحتاج التغيير
والتخلص من قادتها وحكوماتها القمعية الفاسدة، التي غالبا من تترك
شعوبها تتضور جوعا وجهلا ومرضا، في الوقت الذي تكتنز فيه الذهب
والاموال والارصدة، على حساب الفقراء والشباب الذين طالما حلموا
بحياة حرة كريمة، تحفظ لهم حقوقهم، وتراعي مشاعرهم، وتحترم ذكاءهم
وقدراتهم.
إننا حين نتطلع الى الفكر الحسيني الانساني وندعو الى استلهامة
لاسيما من لدن الشباب، يأتي للايمان اولا بالقيمة الانسانية
والدينية العظسمة لهذا الفكر، وثانيا لقدرة الشباب على القيام
بالدور الفاعل في التغيير نحو الافضل والقضاء على الاستبداد، وقد
تابع العالم كله بإعجاب كبير ما قدمه الشباب في مصر وتونس مثلا
للتغيير الجوهري، وما أثار الاعجاب والاحترام حقا، ذلك الاصرار
الكبير على تحقيق المطالب المشروعة للشباب المنتفضين، وكلما استجاب
النظام لهم، رفع المتظاهرون من سقف المطالب، وكلما تنازل الحاكم
لهم، تمّسك الشباب أكثر بحقوق إضافية مستلبة أصلا، حتى بدأ النظام
المصري يترنح ويقترب من موته المؤجل، الذي حدث فعلا على أيدي
الشباب، الذين لم تخبو جذوة الحماسة فيهم، ولم تضعف ارادتهم، ولم
يتعبهم السهر، او مراوغة النظام وتنازلاته وسلوكه العقربي المحتال،
حتى سقط اخيرا بإعلانه التخلي عن كرسيه مجبورا وليس مخيّرا، فيما
هرب قبله زين التونسي الذي فرّ من غضب الشباب الثائر، بعد أن سامهم
الذل والعذاب.
ان شبابنا اليوم بحاجة الى استلهام الفكر الحسيني الرافض للظلم
والقهر والطغيان والاقصاء بكل انواعه، لكن الامر يحتاج الى التنظيم
الدقيق والجهد المادي والمعنوي المطلوب، وكلنا تابعنا ذلك السلوك
المتحضّر الذي قام به شباب الانتفاضات من خلال حملات التنظيف
لميدان التحرير في القاهرة وسواه من المناطق، وكان قد سبق هذا
السلوك تشكيل اللجان الشبابية التي اخذت على عاتقها حماية المتاحف
والممتلكات العامة والخاصة وتنظيم السير في الطرق وما الى ذلك من
سلوكيات متمدنة تدل على وعي متحضّر يحصّن جميع الشباب من الزلل،
وهكذا حصل شباب البحرين والعراق واليمن وغيرهم، على النموذج
المتحضّر، فحركتهم رياح التغيير، ليستعيدوا حقوقهم وشعوبهم.
فما احوجنا واحوج شبابنا الى استلهام الفكر الحسيني وتطبيقه
بخبرة وتنظيم واجادة على حياتنا كافة، ولكن يبقى الامر بحاجة الى
عمل كبير ومتواصل ومنظم من اجل تحويل النموذج الحسيني الى واقع
عملي ومنهج سلوكي يحي حياتنا ويعيد لها عنفوانها واستقرارها. |