شبكة النبأ: لا شك أن الامام
الحسين عليه السلام، كان يعني خلق النموذج الاخلاقي العملي في قوله
ذائع الصيت: (إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً
وإنما خرجت، لطلب الاصلاح .. في أمة جدي). فالأَشَر تعني شدة
البَطَر كما جاء في قوله تعالى: (سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَّنِ
الْكَذَّابُ الْأَشِرُ/ القمر /26)، والأشر فرح شديد ولكن سببه
الهوى وليس أمور أخرى كالملذات العقلية والروحية، أما البَطَر فهو
الأشر وهو شدة المرح، وقد بطر بالسكر يبطر وأبطره المال، والبطر هو
دهش يعتري الإنسان من سوء احتمال النعمة وقلة القيام بحقها، وصرفها
إلى غير وجهه.
فحينما أكد الامام الحسين عليه السلام على هاتين المفردتين، في
قضية رفضه لظلم السلطان الاموي آنذاك، إنما أراد ان يحسم الامر
فيما يتعلق بالسلطة والطمع بها واللهاث الى امتيازاتها، فمن يعلن
رفضه لأعتى وأعلى سلطة في الدولة بسبب الانحراف بمبادئ الاسلام
والخروج عن الجادة الصحيحة، لا يمكن أن يفكر بالجاه والمال
والسلطة، كما يفعل معظم حكام المسلمين في العصر الراهن والعصور
الماضية.
لذا فإن استثمار مقولات واحاديث الامام الحسين عليه السلام،
مدعومة بواقعة الطف العظيمة وما سجلته من مواقف بطولية واخلاقية ضد
الظلم، إنما يعد واجبا على جميع قادة المسلمين دونما استثناء،
لاسيما أننا في المحيط العربي والشرق الاوسط عموما نمر في مرحلة
تغيرات محورية، لم تعشها المنطقة منذ قرون، لهذا لابد من التأسيس
الصحيح للدولة التي تحمي حقوق مواطنيها مع الواجبات المطلوبة منهم.
ولا يتحقق مثل هذا الهدف الكبير، إلا من خلال الرجوع الى الجذور
الاخلاقية والسياسية السليمة للمسلمين والعرب، والاخذ من تجارب
التاريخ المشرقة كما هو الحال مع انتفاضة الركب الحسيني والمبادئ
الحسينية التي خلت من الطمع والجشع واللهاث وراء السلطان الزائل،
وكيف لا وقد تربى الامام الحسين في المدرسة النبوية العظمى، مدرسة
جده محمد صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ الذي رفض مساومة
زعماء قريش له حول ترك الاسلام فقال لعمه ابي طالب الذي كان وسيطا
بين الطرفين: (وَاللَّهِ يَا عَمِّ ، لَوْ وَضَعُوا الشَّمْسَ فِي
يَمِينِي ، وَالْقَمَرَ فِي شِمَالِي ، عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا
الأَمْرَ مَا تَرَكْتُهُ ، حَتَّى يُظْهِرَهُ اللَّهُ ، أَوْ
أَهْلِكَ فِيهِ).
وهكذا اثبت الامام الحسين بالقول والفعل انه خرج للاصلاح قبل كل
شيء، بعد انحراف السلطة الاموية بالاسلام الى سبل لا تليق بمبادئ
وتعاليم الاسلام الانسانية العظيمة، لذا مطلوب من قادة اليوم في
عموم الدول الاسلامية أن يتمثلوا مبادئ الحسين عليه السلام
للاصلاح، وأن يطبقوا هذه المبادئ العظيمة في ادارة شؤون الشعوب
ومصالحها، فليس من الحق ولا المقبول أن يدّعي الحاكم انتماءه
للاسلام ولمبادئ الامام الحسين عليه السلام، وهو لا يطبق الاصلاح
لا من بعيد ولا من قريب، ويتجاوز على المال العام، ويهمل احتياجات
الناس الاساسية وسواها.
لأن الاصل في قيادة المسلمين، الامتثال بالنماذج القيادية
الاسلامية التي احتفظ التاريخ بمواقفها واسمائها بحروف الحقيقة
والصدق والحق والخير والحرية، كما هو الحال مع خلود الوقفة
الحسينية التي هزت اعماق التاريخ البشري ولا تزال خالدة حتى اللحظة
بل الى أبد الآبدين، يقول احد الكتاب حول الملحمة الحسينية
العظيمة: (هناك مجموعة من العوامل التي أدت لاستمرار ذكرى
–عاشوراء- وأولها الانتماء للاسلام، والارتباط بالقيم الكبرى
بالاضافة إلى عامل ينطلق من رمزية الامام الحسين وكذلك بطبيعة
الحدث الذي شكّل الصدمة بحيث دخل الحدث نفسه في الوجدان الاسلامي
العام، ويعتبر أنّ عاشوراء بهذا المعنى أعطت "النموذج" لما اصطلح
على تسميته بـ"الانتفاضات"، وذلك عن طريق إيجاد جبهة مستمرة في رفض
الحكم الجائر سواء كان في الداخل او ضد الاحتلال او المشاريع
الاستكبارية).
إذن تشكل الانتفاضة الحسينية بداية لرفض الظلم السلطوي على مر
التاريخ، وايا كان مصدره، وبالتالي لكي يتجنب قادة المسلمين اليوم
انتفاضات الشعوب، عليهم الامتثال بالعمق الاصلاحي الذي جسده الامام
الحسين عليه السلام حينما خرج على السلطة الاموية الظالمة آنذاك
(لا اشرا ولا بطرا) ولكن من اجل اصلاح حال السلطة واعادتها الى
جادة الصواب خدمة لمصالح الناس وحماية لحرياتهم وحقوقهم وحفاظا على
كرامتهم الانسانية. |