شبكة النبأ: في الكتابة عن الامام
الحسين عليه السلام، ليس أمامنا سوى الصدق، قد نحابي أو نجامل أو
نتملق أو نعلن غير ما نبطن، في مواضيع اخرى ومع شخصيات أخرى،
كالرؤساء والمدراء وغيرهم، ولكن حين تتعلق الكتابة بالامام الحسين
عليه السلام، سيختلف الامر كليّأ، هنا ليس أمامنا سوى الصدق وتطابق
ما نقوله مع ما نؤمن به فعلا، لسبب بسيط أن سيد الشهداء، شخصية لا
يطاول قامتها العظيمة سوى الصدق والحقيقة.
لذا حين نتحدث عن الذكرى الأليمة لاستشهاد الامام الحسين عليه
السلام وذويه وأصحابه الاطهار، فإننا لا نزايد، ولا ندّعي أحقيّتنا
بالفيء النبوي الذي يستقيه السبط الشريف من جده الرسول الكريم (ص)،
لأننا ينبغي أن نؤمن بأن شخصية الامام الحسين عليه السلام، لا يمكن
أن تكون نقطة خلاف بين المسلمين، بل هي نقطة تقريب وتأليف بي قلوب
جميع المسلمين والبشرية في انحاء المعمورة كافة.
الحسين عليه السلام، آثر الاستشهاد حتى يترك للناس مثالا عظيما
في الحرية والصدق والثبات على الحق بغض النظر عن جسامة التضحيات،
لذلك فإن هذا النموذج العظيم، لا ينسجم إلا مع الصدق في القول
والفعل، والتطابق بين الجوهر والمظهر، والتوافق بين المعلَن
والمضمَر من القول والرأي والنوايا، والتقارب بين النفوس والقلوب،
والتعاون المتبادَل من اجل خلق الحياة الكريمة.
ولابد لنا أن نستثمر فرصة عاشوراء والكتابة عن احداث الطف،
والمواقف الانسانية العميقة التي تتخللتها، فنقول بصوت عال، أن هذه
الذكرى ينبغي أن تشكل لنا انطلاقة سنوية جديدة للتصحيح، فالناس
خطّاؤون، وكلما زادت مسؤولية الانسان (منصبا أو جاها أو سلطة)،
كلما كانت نتائج هذه المسؤولية أكثر ضخامة، وأكثر تأثيرا على
الآخرين في المسارين السلبي والمفيد، بمعنى أوضح أن الموظف الصغير
اذا أخطأ فإن الضرر الذي سيلحقه بالآخرين سيكون صغيرا ايضا تبعا
لمسؤوليته الصغيرة، أما الموظف الكبير فإن الخطأ الذي يرتكبه في
هذا الشأن او ذاك سوف يلحق بالناس ضررا كبيرا.
هنا يتبيّن لنا بوضوح أن حاجة المسؤولين الكبار، الى التمسك
بالنهج الحسيني الإيثاري، كبيرة جدا، وهي تتفوق بكثير عن حاجة
بسطاء الناس، والسبب أن الانسان البسيط اذا أخطأ ربما سيضر نفسه
اكثر من غيره، فضلا عن محدودية هذا الضرر أصلا، لذا نحن
(العراقيين) بأشدّ الحاجة الى مسؤولين يؤمنون بنهج الحسين عليه
السلام إيمانا عميقا حقيقيا يتطابق فيه (المعلَن والمضمَر)،
ويتساوى فيه الفعل مع القول.
لا خير في انسان مسؤول يقول ما لا يفعل، ويُظهر غير ما يُبطن،
ويتمسك بالمنهج الحسيني قولا ولفظا، ولا يطبقه في اعماله وافعاله
وقراراته التي تمس حياة مئات الآلاف من البشر، وهم اخوانه في الدين
وفي الخلق كما قال الامام علي بن ابي طالب عليه السلام.
هكذا تستدعي ذكرى عاشوراء، تنظيفا للنفس من شوائبها، وعودة الى
اعماق الضمير الانساني، من خلال تمثّل مبدئية الامام الحسين عليه
السلام التي تظهر في ادق تفاصيل حياته واقواله، أما الازدواجية
التي تنطوي عليها بعض الشخصيات من ذوي المناصب والسلطة والمسؤولية،
فهي محاولة مكشوفة لتلميع الذات من الخارج، لأن الاقوال التي تختلف
مع الافعال ستفضح صاحبها أمام الملأ، عاجلا أم آجلا، فضلا عن
الفضيحة الكبرى أمام الخالق العظيم حين يحين الحساب الاكبر
والأشدّ، عندما تأتي كل نفس بما اقترفت.
ليست أقوالنا هذه من باب الوعظ، ولكن لابد أن يفهم المسؤولون
بالدرجة الاولى (أولئك الذين يحكمون الرعية)، أنهم أكثر حاجة
وتقربا الى الامام الحسين عليه السلام من بوابة الصدق لا غير، وهم
تحديدا أكثر حاجة الى التطابق بين اقوالهم واعمالهم من عامة الناس،
علما أننا جميعا يجب أن نعتمد الصدق مع أنفسنا اولا، ومع ادّعائنا
بأننا ننهل من الفكر الحسيني الانساني، ما ندعم به أفكارنا
وقرارتنا وسلوكنا.
إننا حينما نستذكر عاشوراء في هذه الايام، فإن هذا الاستذكار
يحتّم علينا تصحيحا دائما ومخلصا للاخطاء التي نقع فيها، وأشد
الاخطاء التي نرتكبها، هي تلك التي تتجاوز على حقوق الناس وتلحق
ضررا بهم، أما محاولات البحث عن شرعنة وتمرير تلك الاخطاء فهي
محاولات فاشلة حتما، لأن الخطّائين يعرفون قبل غيرهم أنهم مخطئون
بحق الآخرين، وأن المنهج الحسيني العظيم الذي يعلنون التمسك به
لفظا، يطالبهم بالتصحيح العملي الفوري على مدار الساعة. |