شبكة النبأ: ودّع المسلمون زيارة
أربعينية الإمام الحسين عليه السلام، وبدأ ملايين الزوار يغادرون
كربلاء المقدسة، بعد أن تدفقوا عليها من كل حدب وصوب، قادمين من
أرجاء المعمورة برمتها، أملا بالفوز بشفاعة سيد الشهداء وأبي
الأحرار عند الله تعالى، لبلوغ الأهداف المنشودة في الحياة الراهنة
وفي الاخرى، لاسيما أن المسلمين يعيشون في ظل ظروف صعبة، وفي ظل
أنظمة سياسية لا تريد أن تعرف حقوق المواطن، ولا تحترمها، لذا تنصب
جل همومها وانشغالها على حماية عروشها ومصالحها، فيغيب الحاكم
العادل والمنصف للناس، ويضعف التكافل والتعاون بين الطرفين الحاكم
والمحكوم بسبب سياسات الانظمة الجائرة، بل الأنكى من ذلك، أن
التعاون والتكافل يضعف بين عامة المسلمين أنفسهم.
الحاكم العادل
لذا يقول الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني
الشيرازي (رحمه الله) في كتابه القيّم الموسوم بـ (الحسين مصباح
الهدى) بهذا الخصوص: (لقد التقى خليفة من الخلفاء بأحد الأئمة
-عليهم السلام-، فقال الخليفة للإمام عليه السلام: عِظني، فقال
عليه السلام: انّ في المسلمين الأكبر والمساوي والأصغر منك عمراً،
فاجعل أكبرهم أباً، وأصغرهم ابناً، وأوسطهم أخاً، فبِرّ أباك، وصِل
أخاك، وارحم ابنك. وهكذا يجب أن يكون المسلمون بعضهم مع بعض، وذلك
لا قولاً في الإذاعات ووسائل الإعلام فقط).
أي أن الامام الشيرازي يؤكد، كما هو دائما في بحوثه ومؤلفاته،
على ضرورة اقتران القول بالعمل، إذ لما الفائدة من الكلام الجميل
المهذب من دون أن يتجسد هذا القول او الفكر الى عمل، لذلك لم تأت
وقفة الامام الحسين الخالدة مجرد لفظ أو كلام خال من الفعل، فقد
جسد سيد الشهداء عليه السلام أفكاره العظيمة من خلال الافعال
العظيمة التي اقترنت بها، حين ظهرت روح الايثار والتضحية والتسامح
والدعوة الى التزام الفكر والعمل الصواب، فقدم الامام روحه وذويه
فداءا للاسلام، لكي يؤكد بالفعل الثابت عظمة أهدافه، وقد أورد
الامام الشيرازي في مؤلفه (الحسين مصباح الهدى) تأكيدا على ما
أراده سيد الشهداء عليه السلام، قائلا بهذا الصدد: (لقد علّل
الإمام الحسين -عليه السلام- ثورته الخالدة بقوله: اللّهمَّ إنَّكَ
تَعْلَمُ انّهُ لَمْ يَكُنْ ما كانَ مِنّا تَنافُساً في سُلْطان
وَلا التماساً مِنْ فُضول الحُطام ولكنْ لِنُرِيَ المَعالِم مِنْ
دينِكَ ونُظْهِرَ الإصلاحَ في بِلادِكَ ويَأمَنَ المَظْلومونَ مِنْ
عِبادِكَ وَيُعْمَلُ بِفَرائِضِكَ وَأحْكامِكَ...).
السعي المبرمج لبلوغ الاهداف
ومع ذلك لايزال المسلمون في منأى عن مواكبة العصر، مع أن الفكر
الحسيني العظيم والنهضة الحسينية الخالدة طرحت أفكارها المدعومة
بالاعمال، ووضعتها أمام المسلمين اجمع، لكي يتجاوزوا مرحلة السبات
والجهل الى مرحلة النهوض التي تحتاج الى سعي كبير ومتوال على صعيد
التخطيط والبرمجة والتنفيذ، لأن الصعوبات التي وضعها الاعداء كبيرة
جدا، وتحتاج الى جهود استثنائية لتحقيق الهدف الذي قدم الامام
الحسين عليه السلام فداء لتحقيقه.
لذا يقول الامام الشيرازي في كتابه نفسه، عن هذا الوضع الاسلامي
الراهن: (إن الفوضى التي تمر بها بلاد الإسلام دليلاً على اليأس،
بل حالها حال التثاؤب الذي يتّصف به الناعس بعد نوم طويل، حيث ان
التثاؤب في هذا الحال، دليل الشروع في اليقظة، لا الأخذ في النوم،
وقد نام المسلمون طويلاً طويلاً حتى قُسِّمَتْ بلادهم، ونُهِبَتْ
أموالهم، وهُتِكَتْ أعراضهم، واُريقَتْ دمائهم، وسادَتْ فيهم
القوانين الكافرة، وعمّت فيه الفوضى والجهل والمرض والفقر والعداء
والفرقة، والآن أخذوا يتثائبون للنهوض. فإذا تمكّنوا من جعل
البرامج صحيحة للنهوض، لوصلوا إلى هدفهم السامي بإذن اللّه تعالى)
الانظمة السياسة الفاشلة
إن جل ما يعانيه المسلمون من مشكلات كبيرة ومتنوعة، تعود الى
فشل الحكومات والحكام، في ادارة شؤون الناس على الاوجه الأفضل، مع
أن النماذج السياسية المشرقة حاضرة في التأريخ الاسلامي، ولكن
لايريد الساسة استعياب الدروس الصحيحة، ولا الاقتداء بالنماذج
العظيمة، وذلك بسبب ضعف النفوس، وضعف الايمان، والتمسك بالمنافع
الدنيوية الفردية والعائلية والشللية ايضا، لذا يذكر لنا الامام
الشيرازي نموذجا قياديا فريدا في كتابه هذا قائلا: (كانت حكومة
أمير المؤمنين عليه السلام أكبر دولة في عالم ذلك اليوم، من أواسط
افريقيا إلى أواسط آسيا، ممّا عَـدَّ بعض العلماء انّ دولته عليه
السلام كانت تشمل خمسين دولة في خريطة عالم اليوم. ومع ذلك كان
يعفو عن المسيء، ولا يأخذ المال من أحد ظُلماً، ويقسم الفيء بين
المسلمين، وقد قال عليه السلام في كلام له: -انّه وَفَّرَ لكلّ
الناس المسكن والماء والرزق-).
لذا على الساسة المسلمين الاقتداء بقادتهم العظام، واستيعاب
تجارهم الخالدة، من اجل الوصول الى نظام سياسي معاصر وقادر على
ادارة شؤون الامة بالطريقة التي تحقق مصالح الجميع وفق الضوابط
التي وضعها نظام الشورى الذي يعني التحرر وبناء النظام السياسي
وفقا للارادة الشعبية الواسعة.
ملامح الحكومة المعاصرة
لذا يقدم الامام الشيرازي جانبا من الملامح التي تنطوي عليها
حكومة الشعب المعاصرة، مؤكدا في هذا الصدد على ضرورة: (اختفاء
الإنقلابات العسكرية، التي ليست إلاّ عبارة عن تآمر جماعة من فاقدي
الكفاءات بتخطيط من الكفّار والأجانب، للقفز على الحكم، ثم لا يكون
شأنهم إلاّ سفك الدماء ومصادرة الأموال وملء السجون وجعل البلاد
نهباً للأجنبي الشرقي والغربي. وكذلك اختفاء الحكومات الوراثية،
والوصائية، حيث تمهّد الحكومة السابقة جوّاً من الدعاية لما تريده
من حكومة مستقبلة ليس همّها إلاّ حفظ مصالح السابقين، فإنّ كلّ هذه
الحكومات -الإنقلابية، والوراثية والوصائية- لا تكون إلاّ في جوّ
فقدان الوعي وعدم وجود حركة إسلامية صحيحة تقف بالمرصاد لكل محاولة
انتزاع السلطة من الاُمّة).
ويؤكد الامام الشيرازي، على دور الكفاءات في بناء المجتمع
المسالم، والعداء المزمن الذي تظهره الحكومات المستبدة الجاهلة ضد
هذه الشريحة المهمة لبناء المجتمع، إذ يقول الامام في هذا الصدد:
(إن الكفاءات لا تعيش في جو الاختناق والإرهاب، ولا تظهر ثمارها في
مثل هذا الجو، وهذا أيضاً من أسباب قوّة الغرب وضعف المسلمين، فقد
جاء في تقرير مسبق: ان في خلال ربع قرن من الزمان فقط وليس أكثر
هرب من أصحاب العقل والفكر وذوي الكفاءات العلميّة والعمليّة، من
الشرق الأوسط إلى امريكا وأوروبا وغيرها، زهاء نصف مليون، هذا
بالإضافة إلى الذين قُتِلوا، أو جُمّدت نشاطاتهم، أو لم تتفتق
مواهبهم من ملايين المسلمين).
إذن لابد للمسلمين الاحتذاء بالنموذج، وتحقيق ملامح الحكومة
المعاصرة، والالتزام بمبدأ الشورى والتحرر كطريق مؤكد للنجاح
السياسي والمجتمعي عموما، فطالما أن الحرية هي القاعدة التي ينطلق
منها نظام الحياة فإن النجاح سيكون حليفا لكل من يسعى ويسير في هذا
المسار الصحيح. لذا يتساءل الامام الشيرازي قائلا في هذا الصدد:
(أليس لنا عبرة أن نعرف الداء ونعرف الدواء، ونحاول علاج المرض؟
وحينذاك تتجلّى عظمة الإمام الحسين -عليه السلام- في كلامه حيث
قال: ...إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحراراً
في دنياكم). |