شبكة النبأ: ونحن نعيش ذكرى
أربعينية الامام الحسين عليه السلام، ونتعطر بعبير دمه الزكي الذي
شرَّف تربة كربلاء، بل أرض العراق، بل الارض كلها، لابد لنا في هذه
المناسبة العظيمة، أن نستذكر الهدف العظيم الذي جعل سيد الشهداء
يقدم روحه وذويه وأصحابه الاطهار، فداءا لتحقيق ذلك الهدف، ولعل
الاصلاح كلمة ترددت كثيرا على أفواه العلماء والخطباء والمثقفين
والمعنيين عموما، ولكنها في جوهرها تعني عملية إنقاذ واسعة
للمسلمين من الدرك الخطير، الذي تهاوت فيه أمة كانت تتقدم العالم
أجمع، لتتحول بفعل الشر والاشرار، الى أمة تقبع في أسفل أدراج
الجهل والتخلف والحرمان، ليس لشيء سوى تركها للمبادئ الاسلامية
الانسانية العظيمة، وانزوائها في الزوايا المادية المظلمة للنشاط
البشري عموما، فوصلت بذلك الى الدرك الاسفل، فيما تتوافر فرص عظيمة
ومتكررة لانتشال الامة من واقعها المزري، لتعود الى دورها المتصدر
في قيادة العالم (المحتقن) الى مرافئ الاستقرار والتراحم والتقارب،
والعيش في ظل مبادئ انسانية جلها الانصاف والعدالة وحماية حقوق
الآخر قبل حقوق الذات.
الحاجة الى عملية اصلاح شاملة
لذا فإن عملية الاصلاح الشاملة لابد أن تتفعل دائما في مثل هذه
المناسبات العظيمة، استرشادا بالهدف الأعظم للامام الحسين عليه
السلام، وهو القيام بعملية اصلاح واسعة وشاملة للنفوس والقلوب
والنوايا والافعال.
وقد جاء في كلمة توجيهية لسماحة المرجع الديني، آية الله
العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، بمناسبة زيارة
أربعينية الامام الحسين، حثَّ فيها المسلمين على استذكار الهدف
السامي، الذي قدم من اجله الامام أسمى ما يملك، فقد ورد في كلمة
سماحة المرجع الشيرازي بهذه المناسبة: (لقد كان الاصلاح العام هو
الهدف السامي للإمام الحسين عليه السلام الذي بذل الدم والمال
والجاه والأولاد والأعزاء في سبيله، وعالم اليوم حائر يصطلي بنيران
الأزمات، تطحن عظامه وسائل العنف والبغضاء والإرهاب ويختنق بآلام
الكآبة والأمراض النفسية، فما احوجه إلى مبادئ اصلاحية متألقة،
كاحتياجه إلى الهواء والغذاء، ومبادئ الحسين عليه السلام الإنسانية
والأخلاقية العظيمة، والتي ارواها بدمه الزكي ودماء اهل بيته
واصحابه الأبرار، هي البلسم لجراح كل الدني، فضلا عن الأمة
الإسلامية المستهدفة بسهام الطائفية، وتيارات الإرهاب التكفيري،
والفضائيات الموبوءة، والمحن القاسية، والتناحرات الجاهلية).
السعي المتواصل لتحقيق الهدف
إن وسائل النهضة لا يمكن أن تتوافر من دون السعي المتواصل
والمخلص لتحقيقها، ولا بد للعمل والتخطيط السليم أن يأخذ دوره في
هذا المجال، ولابد من مواكبة العصر واستثمار وسائله لخدمة القضية
الحسينية ومبادئها، خاصة ما يتعلق بوسائل الاتصال الحديثة، وأهمية
توظيفها في نشر الفكر الحسيني ومبادئه الخلاقة، والكفيلة بنقل أمة
الاسلام بل العالم أجمع الى مرفأ الاطمئنان والسكينة والسلام، لذا
يحث سماحة المرجع الشيرازي على الاستفادة القصوى من وسائل الاعلام
قائلا: (ينبغي الاستفادة من التكنولوجيا الجديدة، المتيسّرة اليوم
للجميع، أحسن وأفضل استفادة، في إيصال ثقافة عاشوراء إلى البشرية
كافة، بمختلف لغاتهم. وعلينا أن لا ننسى بأن العمل الإعلامي هو نصف
القضية والنصف الآخر والمكمّل لها بل والأهم هو الدفاع والحماية،
فإن العمل على توسيع رقعة إقامة الشعائر الحسينية المقدّسة بحاجة
إلى الحماية والدفاع من قبل الجميع، وبالخصوص الشباب) و (كذلك نحن
بأمس حاجة إلى المسارح والمعارض والإعلام المقروء والمسلسلات
التخصصية التي تخاطب عقول الشباب، والنساء، والأطفال، والمثقفين،
والفلاحين، والعمال، ورجال الدين، وبأمس حاجة ايضاً إلى منظمات
شبابية حسينية مثقفة، تدرك اهداف النهضة المقدسة، وإلى المعاهد
والجامعات والمكتبات العامة).
أهمية توفير المناخات المطلوبة
إن عملية الاصلاح تتعلق بتوفير المناخات المناسبة لتفعيل النهضة
الفكرية المطلوبة، فمن دون زيادة سعة الوعي لدى المسلمين وتوسيع
آفاق تفكيرهم، وتنمية قدراتهم على التعامل مع العالم الحديث، فإن
الامر يبقى في غاية الصعوبة، وأن الجهل سيبقى مستشريا بين اوساط
المسلمين، وأن اللحاق بالركب المتطور قد يصبح مسحيلا، وهنا لابد من
معرفة أن التطور لا يعني الجانب المادي فحسب، إنما لابد من تحقيق
التطور الوحاني بالتساوي مع المادي إن لم يفوق عليه، لأن الروحي
يحقق التوازن المطلوب في تحييد الغرائز البشرية وجعلها أقرب الى
الحكمة والاصلاح، لهذا فإن النهضة تحتاج الى جهود مخطط لها مسبقا،
إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي بهذا الخصوص: (إن هذه النهضة
الفكرية هي من مسؤولية المؤمنين والحسينيين، ولاسيما النخبة من
العلماء والمفكرين) ويقترح سماحته في هذا السياق أيضاً (أن يشتري
الزائر كتاباً واحداً ويقرؤه، ويهديه لأبنائه وأخوته وأصدقائه،
وكذلك أن يسعى لطبع نسخة واحدة من كتاب اسلامي توعوي، فلو فعل خمسة
عشر مليون زائر ذلك معناه: كم ستطبع من الكتب، وكم ستتحرك العقول
وتستنير).
ولابد أن يتنبّه القائمون على نشر النهضة الحسينية، الى أهمية
فهم واستيعاب المبادئ الحسينية من لدن الوسط الانساني المستهدَف،
وهذا يتطلب حملة تثقيفية واسعة ومتواصلة ومنظمة ايضا، أي لا تخضع
للعشوائية التي لا تجدي نفعا في تحقيق الاهداف الفكرية الضخمة، لذا
يقول سماحة المرجع الشيرازي: (من بنود هذه الحركة الفكرية: فهم
واستيعاب مبادئ وعبر النهضة الحسينية، ومحاولة نقلها إلى الآخرين،
وتربية الجيل الجديد عليها عبر التثقيف العائلي والجامعي وضمن
المناهج التربوية العامة لطلاب المدارس، والمعاهد، والحوزات،
والجامعات).
أهمية مصادر التمويل وتنظيمها
وكما هو معروف للجميع أن الاهداف الفكرية الضخمة، تتطلب تمويلا
يوازيها في الضخامة والسعة، وهو أمر لابد أن يكفله المعنيون
بالامر، اذ ليس من الصحيح أن تترك الجوانب المالية للصدفة، او
للمتبرعين حسب رغباتهم، بل لابد أن يكون هناك تخطيط مالي ناجح في
هذا الصدد، له القدرة على تحقيق الوفورات المالية اللازمة، لتحقيق
الهدف الفكري الاسلامي الانساني الكبير، لذا يؤكد سماحة المرجع
الشيرازي بكلمته التوجيهية في هذا المجال قائلا: (لرفد الحركة
الثقافية الاصلاحية يجدر تأسيس أوقاف خاصة بها، أوقاف معتبرة ذات
عائد غزير يسد شطراً من النفقات، كالعمارات والأسواق والفنادق
والأرصدة البنكية والمصانع. ومن وسائل هذه النهضة الثقافية أيضاً
تركيز وتطوير الخطاب المنبري كماً وكيفاً، وتخطيطاً لإنتاج جيل من
الخطباء الأقوياء العلماء، بلغات مختلفة، وأساليب عمل متطورة
وتخصصات حيوية، وتأسيس ميثاق يرشد رجال المنبر إلى الأولويات
والمسؤوليات وبيان الخطوط الأساسية للعمل الخطابي، وإقامة مؤتمرات
وندوات وتأسيس معاهد وإصدار دوريات تخصصية).
وهكذا يمكن أن تتحقق الحركة الاصلاحية الحسينية الشاملة، من
خلال تشارك الجهود كافة، في الجوانب الفكرية والارشادية والمالية
والتنظيمية وغيرها. |