شبكة النبأ: هذا السؤال يبدو
بسيطا وواضحا، وقد يجيب عنه أحدنا على الفور، إن ما يريده الامام
الحسين عليه، هو رفع الظلم وفضح الطغيان، ونشر روح المحبة والتسامح
بين الناس من دون استثناء، كل هذا كلام واضح ودقيق، ولا أحد يعترض
عليه إستنادا الى مرجعياته الدينية أو العقائدية أو حتى الفكرية
بصورة عامة.
الكل يعترف سواء آمن بذلك أم لم يؤمن، بأن سبط الرسول الكريم،
دعا الى إصلاح الانسان قولا وعملا، وقدم دمه ونفسه وذويه قربانا من
أجل تحقيق هذا الهدف، ولكن يبقى السؤال قائما، ماذا يريد الامام
الحسين عليه السلام من إنسان العصر الراهن، أو ماذا ينتظر من
المسلمين؟.
إن جميع الوقائع تشير الى أن المسلمين ظلوا متأخرين عن اللحاق
بالركب الانساني المتقدم، وما زالوا حتى اللحظة كذلك، وجميع
القرائن والاسباب تؤكد أن منهج حياة المسلمين يتبنى الاخطاء عن
عمد، ويزيغ عن الصواب، والدلائل كثيرة في هذا المضمار، فردية
وجماعية، أولها المنهج السياسي المتسلط للانظمة السياسية التي حكمت
ولا تزال دول المسلمين، عربية كانت أوغيرها.
وثاني أهم الاسباب، هو ذلك اللهاث المحموم وراء المال والجاه
والكبرياء الجوفاء، ولا يقتصر هذا على الجماعات والفئات، بل حتى
الافراد، أي حتى الفرد في حالة عدم انتمائه الى جهة فكرية او
عقائدية معينة، تراه تعلّم اللهاث وراء المال والجاه الفارغ،
واعتاد هذا المسار منذ نعومة أظفاره.
ومن الاسباب الاخرى غياب روح التعاون، وانتفاء حالة الايثار
تماما، وغياب التفكير بالآخر على نحو شبه مطلق، وكأننا نتفق على
قول الشاعر (إذا متُّ ظمآنا فلا نزل القطرُ)!! ولعل هذه الاسباب
مجتمعة وربما ثمة غيرها الكثير، هي التي وضعت العصي في دواليب
تقدمنا الى أمام، ولا احد يمكنه إنكار هذه الحالات التي تشكل منهج
حياة خاطئ لمعظم المسلمين. والمشكلة أنهم بارعون في الكلام والوعظ،
فهم يقولون أجمل الكلام وأفضله، في الوقت الذي يرتكبون أسوأ
الأعمال وأكثرها انحطاطا، وهذه الازدواجية الخطيرة بين القول
والفعل، تم تأشيرها منذ أوائل صدر الرسالة النبوية، حين نزلت الآية
الكريمة على المسلمين لتقول لهم (يا أيها المؤمنون لمَ تقولون ما
لا تفعلون* كبرَ مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) - سورة
الصف-.
إذن هي ظاهرة قديمة جديدة متأصلة في الذات المسلمة، ولعلها
أسهمت ولا زالت تُسهم مع غيرها من الاخطاء الفادحة، على إبقاء
المسلمين يراوحون في مكانهم، دوناً عن الامم التي كانت تخطو
وراءهم، فأصبحت تتقدمهم بمسافات علمية وثقافية كبيرة، وهنا سيتضح
لنا بجلاء ماذا يريد الامام الحسين من الناس جميعا؟.
إن انحراف الدولة الاسلامية ما كان ليحدث لو لا الانحراف الذي
ألمَّ بالذات المسلمة وأزاحها عن الطريق السوي، لهذا انزلقت الدولة
الاسلامية الى مهاوي الضعف والانحدار المادي الخطير، بعد أن كانت
تتحلى في عهد الرسول الكريم (ص) بعمق روحي يتجلى في كل شيء، وفي كل
عمل او قول، يفعله أو ينطقه فرد أو جماعة، لقد كانت الروح النظيفة
هي التي تقود أمة المسلمين، وليس النفس الباحثة عن السلطة والمال
والجاه بسيف الظلم والطغيان، لهذا كانت أمتنا تتفوق على نفسها
وتوصف بالتضحية والايثار، وكل الخصال النبيلة التي يتحلى بها
الانسان السليم.
وهكذا فإن ما يريده الامام الحسين عليه السلام، هو أن تستعيد
الروح النظيفة مكانتها، وأن تزهو حالة الايثار مثلما كانت تتسيد
أخلاق المسلمين في عهد الرسول الكريم، وأن يتجنب الجميع خطر السلطة
وسحرها، فرداً كان أو حكومة، وأن يتآخى المسلمون كأعضاء الجسد
الواحد، يتداعى بعضه الى بعض اذا اصابته الحمى والوهن، ويحنو بعضهم
على بعض، ويصحح بعضهم أخطاء بعض، وطالما أن النفس لا تُردع بالوعظ
وحده، فعلينا جميعا أن نؤمِن ونؤمِّن سلطة قانونية رادعة وعادلة في
آن، لكي نسترشد بها، ونساعد أنفسنا من خلالها للحاق بالركب
المتطور، إضافة الى التمسك بالمنهج الانساني العظيم للامام الحسين
عليه السلام.
إذن هي مسألة تتعلق بالمسلمين أنفسهم، وعليهم أن يغيروا ما في
أنفسهم، بأنفسهم لا بغيرهم، ويستذكروا في مثل هذه الايام، جوهر
التضحية العظيمة التي قدمها الامام الحسين لأمة المسلمين، لكي
تتوقف عجلة الظلم والتجاوز على الحقوق الانسانية، ولكي نبقى نعرف
حقيقة ما يريده الامام الحسين عليه السلام ونعمل بجوهره، من أجل
أنفسنا، حاضرنا ومستقبلنا، أولا وأخيرا. |