شبكة النبأ: يركّز الامام الراحل،
آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره) في معظم
أفكاره على دور النخبة المثقفة في النهوض بوعي الطبقة الشعبية، لكي
تتعرف على حقوقها وحرياتها، ولكي تسهم في صنع المجتمع الاسلامي
المتطور، إستنادا الى مبادئ وتعاليم الاسلام الواردة في القرآن
الكريم وسنة الرسول الكريم (ص) وسيرة ومنهج آله عليهم أفضل الصلاة
والسلام، ومن بين هذه الافكار الانسانية المتوهجة بالحق، ثقافة
عاشوراء التي تناولها عدد كبير من المفكرين والعلماء، وموضوعنا هنا
مأخوذ عن أحد أهم الكتب التي تناولت الفكر الحسيني في مؤلفات
الامام الشيرازي، وتركيزه على أهمية دور المثقفين في هذا المجال.
عقلية المثقف الموسوعي
إن المثقف ينطوي عل فكر عميق وعقلية موسوعية منفتحة، لذا فإن
دوره في التعامل مع الفكر الحسيني الخالد وايصال محتواه الى الآخر،
يعد من الادوار المهمة جدا، فقد ورد في هذا الخصوص عن فكر الامام
الشيرازي بكتاب يحمل عنوان (ثقافة عاشوراء) ما نصه: (ينبغي
للمثقفين والواعين فهم الأزمات التي تحيط بالمجتمع الإسلامي،
ليتمكنوا من تزويده بالثقافات والرؤى الأكثر شمولية، ومن توسيع
مداركه نحو المستوى الأفضل. فمن خلال الرأسمال المعرفي بخصوص
الاستقامة ـ الانحراف، يتمكن المثقفون ـ باستخدام أدواتهم المعرفية
ـ من ترشيد الفكرة ـ الرؤية في قنوات اجتماعية ترفع من مستوى
الاستقامة أو تعالج الانحراف إلى المستوى الذي يدرك المجتمع من
خلاله قول الحسين (عليه السلام): (إنما خرجت أطلب الإصلاح في أمة
جدي محمد، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، أسير بسيرة جدي
وسيرة أبي علي بن أبي طالب).
وهناك ربط واضح بين دور المثقف من جهة، وبين قدرة المجتمع على
الاستفادة من الفكر التنويري لنهضة الامام الحسين عليه السلام،
فالبسطاء من الناس قد لا يعون جوهر هذا الفكر، وربما يبقون ضمن
الطابع الشكلي الذي لا يكفي وحده للانتقال بهم الى الوعي الاعمق
والاوسع للفكر الحسيني، لذا ينبغي على المثقف أن يقوم بدوره لزيادة
وعي المجتمع، كما نقرأ ذلك في كتاب ثقافة عاشوراء: (إذا وعى
المجتمع الإسلامي دوره الرسالي ـ من خلال ترفيع المثقفين لمستوى
إدراكه، وتكييفه الاجتماعي ـ أدرك عندها المثقفون أهمية الرأسمال
المعرفي في تحقق أدوارهم الاجتماعية بالاستفادة من عاشوراء الحسين
-عليه السلام-، وبذلك كما يقول الامام الشيرازي - نكون قد أسهمنا
في إبلاغ رسالة الإمام الحسين عليه السلام الداعية إلى إحياء معالم
الحق وطلب الإصلاح، مما يسبب انقاذ البشرية من الظلمات والمتاهات
الفكرية والعملية-).
الاضرار المحتملة لانطواء المثقف
إن حالات الانحراف بأنواعها، التي اعترت المجتمع الإسلامي، ليست
مبرراً أمام المثقفين للانطواء على الذات ـ النكوص ـ أو تقمص
ثقافات ـ غربية أو شرقية ـ دخيلة، أو الاكتفاء بثقافة ذم النفوس،
فـكما يقول الامام الشيرازي (ليست هذه الفوضى التي تشاهد في بلاد
الإسلام دليلاً على اليأس، بل حالها حال التثاؤب الذي يتصف به
الناعس بعد نوم طويل، حيث أن التثاؤب في هذا الحال، دليل الشروع في
اليقظة، لا الأخذ في النوم، وقد نام المسلمون طويلاً طويلاً حتى
قسّمت بلادهم، ونهبت أموالهم، وهتكت أعراضهم، وأريقت دماؤهم).
وحينما لا يتدخل المثقف في احياء منظومة القيم المجتمعية، فإن
قلة الوعي الشعبي سوف تتضاعف مرارا، وسوف يبقى بسطاء الناس يرتعون
في قعر الجهل والتخلف، لهذا لابد للمثقف أن ينهل ثقافته من الفكر
الحسيني الانساني ويزجه غي الاوساط الشعبية عبر كل الوسائل المتاحة
له، لكي تُردم الهوة بين الفرقاء والمتناحرين في الامة الواحدة،
لذلك نقرأ بهذا الخصوص في كتاب ثقافة عاشوراء: (إن المجتمع بفقده
للقيم ومنظومة المعايير، يصبح أفراده متنابذين ـ متفرقين ـ
متأزمين، فتضمحل طاقاتهم، وتتردى فيهم روح المحاورة وحرية التعبير،
فيلتمسون فضول الحطام ويتنافسون على السلطان، فلا يأمن فيهم مظلوم،
ولا تعمل بينهم فريضة أو سنة أو حكم. وقد يجد المجتمع مرتعاً ـ في
حال غياب القيم ـ في أحضان ثقافات ونظم فكرية تدّعي الأمانة
والتحرر في خطابها الحضاري المزعوم، فيعلق آماله عليها بدلاً من أن
يعمل على إزالة الغبار المتراكم على حضارته وماضيه المشرف).
الدور التحليلي للمثقف
لذا فإن دور المثقف كما تؤكد على ذلك أفكار الامام الشيرازي ليس
توصيل المعلومة فحسب، بل لابد أن يتم تفسيرها استنادا الى القاعدة
الثقافية التي يرتكز عليها، ولابد ان تكون مأخوذة عن ثقافة انسانية
اصيلة، وليس لدينا اقرب واوضح واعمق من الثقافة العاشورائية التي
تهدف الى الاصلاح ودفع الظلم ومقارعة الطغيان، وهي مبادئ نهضة
الامام الحسين عليه السلام برمتها، لذا فإن عمل المثقف لا يقتصر
على إيصاله للمعلومات بل هو عمل تحليلي لواقع المجتمع وأخلاقياته،
ولخطورته يفتقد إلى منزع بمستوى تظهير القيم العليا وتقديمها
للمجتمع. وثقافة عاشوراء التي أرادت تكريس معنى الوجود الإنساني
وتحديد الحياة وأهدافها، التي نجد أنفسنا أمامها وأمام صنّاعها
المبدعين لمضامينها الفكرية العميقة إيماناً وفضيلة وتقوى، فنهضة
الإمام الحسين عليه السلام كما يؤكد الامام الشيرازي: (كانت
نبراساً لسائر النهضات التحريرية في العالم ضد الظالمين، وكانت هي
الانفجار العظيم الذي هزّ عرش كل الطغاة المستبدين).
الفكر الحسيني طريق نجاح الامة
لهذا اثبتت الوقائع التاريخية والراهنة للمجتمع الاسلامي، ان
الفكر الحسيني هو السبيل الاوضع والاسرع والادق لمعالجة مشكلاتهم
على الصعيدين العملي والفكري، ولا سبيل للمسلمين سوى انتهاج هذا
الفكر اذا ارادو اللحاق بالركب العالمي، لذا لابد أن يتمسك
المسلمون بهذا المنهج، وينبغي ان يقوم المثقفون بدورهم الامثل في
هذا المجال، كما نقرأ ذلك في كتاب ثقافة عاشوراء:
(إن الإمام الحسين -عليه السلام- عبر نهضته المباركة دلّ
الأجيال على الطريق وأوضح عن السبيل لعلاج مشاكل المجتمع والحصول
على سعادة الدنيا وكرامة الآخرة، وحينما كان المجتمع الإسلامي
يلتزم شيئاً ما بتلك التعاليم الإسلامية، كان يعيش العزة والسعادة
والرفاه والكرامة، ولم يكن يعرف شيئاً من هذه المشاكل الموجودة
اليوم... بل كان العكس، فالذي كان يعيش هذه الأزمات والمشاكل هم
أعداء الإسلام حيث غرقوا حينها في بحار من الجهل والتخلف). |