شبكة النبأ: دعا بيان صدر من مكتب
المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام
ظله في كربلاء المقدسة بمناسبة ذكرى أربعين سيد الشهداء عليه
السلام الى استثمار هذه الذكرى العظيمة لمراجعة الحسابات وتقييم
الذات والبدء بعملية التغيير الذاتي واحداث نهضة تربوية لتزكية
النفوس, واحياء الأخلاق الإسلامية, والالتزام بأحكام الشريعة وذلك
عبر نهضة ثقافية علمية شاملة تعتمد على مختلف وسائل الإعلام
والتعليم والتربية والفكر ومراكز الدراسات والتفكير، كذلك دعا
البيان الى نهضة اصلاحية لتصحيح الوضع السياسي المكرس بالاستبداد
ومصادرة الحريات والحقوق الإنسانية والفساد الإداري وتهميش الآخرين
والتبعية الفكرية والاقتصادية والتكنولوجية للقوى الاستعمارية وذلك
عبر العودة إلى القرآن الكريم الذي نشره الإمام الحسين عليه السلام
فوق رأسه الشريف، ورأى البيان ان الولاء الحسيني المتكامل يبدأ من
إحياء الشعائر الحسينية ويستمر بمحاسبة النفس والعمل على التغيير
الذاتي، ويتكامل مع مبادئ النهضة الحسينية بإحداث نهضة علمية
وأخلاقية وثقافية واقتصادية وإعلامية شاملة.
وفيما يلي نص البيان:
بمناسبة ذكرى أربعين سيد الشهداء عليه السلام
مكتب سماحة المرجع الشيرازي دام ظله يستنهض الجماهير الحسينية
المؤمنة لتحمل مسؤولية التغيير والإصلاح
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام على الحسين, وعلى علي بن الحسين, وعلى أولاد الحسين,
وعلى أصحاب الحسين.
قال الامام الحسين بن علي عليه السلام: «اني لم أخرج أشرا ولا
بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وإنما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي ـ
صلى الله عليه وآله ـ أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ،
وأسير بسيرة جدي وأبي...».
النهضة الحسينية المقدسة كتلة ضخمة من القيم المشعَّة, توقظ روح
الإصلاح والحضارة في وجدان الأمم, وتحفزها لتحقيق حياة الحرية
والكرامة والعلم والانسانية.
إن ذكرى أربعين سيد الشهداء ارواحنا فداه ينبوع متدفق, يغمر
الأمة, بكل شرائحها, بأنوار مبادئ هذه النهضة التي استشهد قائدها
وابطالها, لتبقى راية الحق عالية خفاقة. وقد قالت سيدتنا زينب
الكبرى: «فوالله لا تمحو ذكرنا ولاتميت وحينا».
هذه الذكرى العظيمة محطة لمراجعة حساباتنا, فهل نحن في حقيقة
الأمر سائرون على نهج امامنا الشهيد عليه السلام؟ وهل اعمالنا
مرضية لديه, وهل سلوكنا مطابق لأحكام الشريعة المقدسة التي بذل
الإمام الحسين لها كل غال ونفيس؟؟
ان كنا كما يريدنا, فمعنى ذلك ان الواحد منا اقتدى بإمامه
الشهيد كحبيب بن مظاهر وزهير بن القين، وان لم نكن كذلك فعلينا
البدء بعملية التغيير الذاتي, باتجاه ما يريده هذا الإمام الشهيد
منا, وفي هذا المجال فان امتنا هي باحوج ما تكون إلى نهضة تربوية
لتزكية النفوس, واحياء الأخلاق الإسلامية, والالتزام بأحكام
الشريعة, بدأ من التقليد ومروراً بكل العبادات والمعاملات من
الصلاة والصوم والزكاة والخمس والجهاد, وتعلم وتدبر آيات القرآن
الحكيم واحاديث المعصومين الاربعة عشر صلوات الله عليهم.
لقد كان الاصلاح العام هو الهدف السامي للإمام الحسين عليه
السلام الذي بذل الدم والمال والجاه والأولاد والأعزاء في سبيله،
وعالم اليوم حائر يصطلي بنيران الأزمات, تطحن عظامه وسائل العنف
والبغضاء والإرهاب ويختنق بآلام الكآبة والأمراض النفسية, فما
احوجه إلى مبادئ اصلاحية متألقة, كاحتياجه إلى الهواء والغذاء,
ومبادئ الحسين عليه السلام الإنسانية والأخلاقية العظيمة, والتي
ارواها بدمه الزكي ودماء اهل بيته واصحابه الأبرار, هي البلسم
لجراح كل الدنيا, فضلا عن الأمة الإسلامية المستهدفة بسهام
الطائفية, وتيارات الإرهاب التكفيري, والفضائيات الموبوءة, والمحن
القاسية, والتناحرات الجاهلية.
والنهوض الإصلاحي انما يتحقق على ارض الواقع عبر ما يلي:
1- نهضة ثقافية علمية شاملة, ذلك لأن «العلم أصل كل خير والجهل
أصل كل شر» كما قال مولانا علي عليه السلام وهذه قضية مركزية وضع
اساسها امامنا الشهيد الذي بذل مهجته ليستنقذ العباد (دون استثناء
عقدي او عنصري او قومي) من الجهل والغفلة والعمى.
والنهضة الثقافية تعتمد على مختلف وسائل الإعلام والتعليم
والتربية والفكر ومراكز الدراسات والتفكير, فنحن بأمس الحاجة إلى
اعلام فعال, ايجابي ينور العقول, ويفضح المنافقين الذين يكفرون
المسلمين, ويستبيحون دماءهم وحرماتهم.
يقول المرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيد صادق الحسيني
الشيرازي دام ظله: (ينبغي الاستفادة من التكنولوجيا الجديدة،
المتيسّرة اليوم للجميع, أحسن وأفضل استفادة، في إيصال ثقافة
عاشوراء إلى البشرية كافة، بمختلف لغاتهم. وعلينا أن لا ننسى بأن
العمل الإعلامي هو نصف القضية والنصف الآخر والمكمّل لها بل والأهم
هو الدفاع والحماية، فإن العمل على توسيع رقعة إقامة الشعائر
الحسينية المقدّسة بحاجة إلى الحماية والدفاع من قبل الجميع،
وبالخصوص الشباب).
كذلك نحن بأمس حاجة إلى المسارح والمعارض والإعلام المقروء
والمسلسلات التخصصية التي تخاطب عقول الشباب, والنساء, والأطفال,
والمثقفين, والفلاحين, والعمال, ورجال الدين, وبأمس حاجة ايضاً إلى
منظمات شبابية حسينية مثقفة, تدرك اهداف النهضة المقدسة, وإلى
المعاهد والجامعات والمكتبات العامة.
وهذه النهضة الفكرية هي من مسؤولية المؤمنين والحسينيين،
ولاسيما النخبة من العلماء والمفكرين.
ويقترح في هذا السياق أيضاً أن يشتري الزائر كتاباً واحداً
ويقرؤه، ويهديه لأبنائه وأخوته وأصدقائه، وكذلك أن يسعى لطبع نسخة
واحدة من كتاب اسلامي توعوي، فلو فعل خمسة عشر مليون زائر ذلك
معناه: كم ستطبع من الكتب، وكم ستتحرك العقول وتستنير.
ومن بنود هذه الحركة الفكرية: فهم واستيعاب مبادئ وعبر النهضة
الحسينية، ومحاولة نقلها إلى الآخرين، وتربية الجيل الجديد عليها
عبر التثقيف العائلي والجامعي وضمن المناهج التربوية العامة لطلاب
المدارس, والمعاهد, والحوزات, والجامعات.
ولرفد الحركة الثقافية الاصلاحية يجدر تأسيس أوقاف خاصة بها،
أوقاف معتبرة ذات عائد غزير يسد شطراً من النفقات، كالعمارات
والأسواق والفنادق والأرصدة البنكية والمصانع.
ومن وسائل هذه النهضة الثقافية أيضاً تركيز وتطوير الخطاب
المنبري كماً وكيفاً، وتخطيطاً لإنتاج جيل من الخطباء الأقوياء
العلماء، بلغات مختلفة، وأساليب عمل متطورة وتخصصات حيوية، وتأسيس
ميثاق يرشد رجال المنبر إلى الأولويات والمسؤوليات وبيان الخطوط
الأساسية للعمل الخطابي، وإقامة مؤتمرات وندوات وتأسيس معاهد
وإصدار دوريات تخصصية.
2- وعلى الصعيد السياسي فان الامة قد تمزقت أوصالها عبر تكريس
الاستبداد ومصادرة الحريات والحقوق الإنسانية والفساد الإداري
وتهميش الآخرين والتبعية الفكرية والاقتصادية والتكنولوجية للقوى
الاستعمارية وغير ذلك من مظاهر التخلف المتجذر والراسخ في أرض
الجهل.
يقول المرجع الديني الراحل الامام السيد محمد الشيرازي قدس سره:
(ان نهضة الإمام الحسين عليه السلام كانت نبراساً لسائر النهضات
التحريرية في العالم ضد الظالمين، وكانت هي الانفجار العظيم الذي
هز عرش كل الطغاة المستبدين، كما ومهدت الطريق أمام الثورات
الأخرى... انها إحياء الإسلام، وإرجاع القرآن إلى الحياة، وهذا هو
ما كان يستهدفه الإمام الحسين عليه السلام من نهضته وشهادته).
ولتحقيق الاصلاح الحقيقي نؤكد أن لا خلاص لهذه الأمة الجريحة
إلاّ بالعودة إلى القرآن الكريم الذي نشره الإمام الحسين عليه
السلام فوق رأسه الشريف، وواصل تلاوة آيات منه ورأسه فوق رمح طويل!
والقرآن يؤكد في استراتيجية محكمة ضد الدكتاتورية بقوله:
(وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) الشورى: 38, وعلى الوحدة:
(إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً) الأنبياء: 92, وعلى
الحرية: (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلاَلَ الَّتِي
كَانَتْ عَلَيْهِمْ) الاعراف: 157, وعلى الأخوة بين المسلمين دون
أي فرق: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) الحجرات: 10, وعلى
الجهاد الدفاعي لنيل الحقوق: (وَأَعِدُّوا لَهُم مَااستَطَعْتُم
مِن قُوَّةٍ) الانفال: 60, وعلى الأساليب السلمية في العمل: (وَإِن
جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا) الانفال: 61، حيث ان السلم
نبتة لا تهزها العواصف أصلها ثابت وفرعها في السماء، واللاعنف هو
السلاح الأقوى في مواجهة الطغاة وعلاج الأزمات.
3- وأما على الصعيد الأخلاقي، فان أمتنا بحاجة إلى نهضة
أخلاقية، وتزكية النفوس، ورعاية الحقوق الاجتماعية والأخوية مع
الآخرين، ونهضة الإمام الحسين عليه السلام نبراس غزير الإضاءة،
يملأ النفوس نوراً ومحبة واحتراماً وأخلاقا، فهي مدرسة الاحترام
الكبير والتزام الأخوة والتعامل السامي مع الآخر, فلذكريات
الحسينية الشريفة تعلمنا على الالتزام بالمناقبية والأخلاق
الحميدة, وهي أخلاق العطاء والسخاء والتواضع والتضحية والإباء, وكل
قيم الرحمة ورعاية اليتيم والأخذ بيد الضعيف والفقير وهذه هي
المكارم التي قال عنها الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله: «إنما
بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» وما أجدر بنا ونحن أتباع المدرسة
الحسينية العظيمة, نشر آيات وروايات الأخلاق الإسلامية في كل
المرافق الاجتماعية والرسمية والتربوية, من مدارس ومتاجر, ودوائر
حكومية وكل زقاق وشارع.
والأمة التي تلتزم جانباً وتهمل آخر ليست خير أمة أُخرجت للناس
وتبقى بعيدة عن أخلاق النهضة الحسينية.
يقول الفقيه آية الله السيد محمد رضا الشيرازي قدس سره: (إن
قضايا كربلاء وقضايا عاشوراء تخلق روحية التضحية والإيمان، وإنها
من أهم أسباب حفظ إيمان المؤمنين في العراق خلال أكثر من ثلاثين
عاماً من البطش والإرهاب والقتل والتعتيم).
4- والنهضة الحسينية تجسيد على مستوى عالٍ للإنسانية والرحمة,
وان بذل الإمام عليه السلام المادة الأساسية للحياة (الماء) لعدوه
اللدود يعلمنا دروس الأخوة الاجتماعية, وفي حاجة ملحة مجتمعنا إلى
آلاف المؤسسات الإنسانية والخيرية, لإسعاف الفقير, والمريض,
والعجوز, والمعوق, والجائع, والعاطل, وفاقد المأوى والسكن, والمريض
في المنزل والمستشفى) وأمثالهم, هؤلاء وباسم الحسين وأبي الفضل
العباس, وام البنين والسيدة زينب, حيث يجدر بإتباع المدرسة
الحسينية ان يمدوا يد القوت والعون لهؤلاء, فالمجتمع الذي تغمره
المؤسسات, تتضاءل فيه الأزمات وتخف آلامه, ومجتمعنا بأمس الحاجة
إلى المؤسسات الإنسانية, والأوقاف الداعمة لها, إلى الأبطال
الحسينيين المجاهدين في سبيلها, وبذلك نكون قد خطونا باتجاه
التلاحم مع المناقبية الحسينية, ونكون قد سجلنا أنفسنا في سجله
الحافل بالمجاهدين والأبطال.
وأخيرا ان الولاء الحسيني المتكامل يبدأ من إحياء الشعائر
الحسينية ويستمر بمحاسبة النفس والعمل على التغيير الذاتي،
ويتكامل مع مبادئ النهضة الحسينية بإحداث نهضة علمية وأخلاقية
وثقافية واقتصادية وإعلامية شاملة تحقق لنا الانتصار الحقيقي
للإمام الحسين عليه السلام حين نقول: لبيك ياحسين...
اللهم انا نرغب إليك في دولة كريمة تعز بها الإسلام وأهله وتذل
بها النفاق وأهله وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك والقادة إلى
سبيلك وآخر دعونا ان الحمد لله رب العالمين.
الخامس من شهر صفر الخير 1433 للهجرة
مكتب المرجع الديني آية الله العظمى
السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله كربلاء المقدسة |