ما الذي يجمع كل هذه الاعداد الهائلة من البشر في مناسبة أربعين
الامام الحسين عليه السلام؟
في العام الماضي كان عدد المواكب والهيئات الحسينية قد بلغ 4000
آلاف، وفي هذه السنة تعلن هيئة المواكب والهيئات الحسينية في
العتبة الحسينية المقدسة، ان هنالك 17000 الف موكب وهيئة مسجلة
اضافة الى مائة موكب وهيئة من خارج العراق.
فترى الشباب والشيوخ في كل مكان حول كربلاء المقدسة يعدون
الخيام والقدور والحطب والاعلام ومستلزمات الاقامة في هذا البرد
القارص. ان هؤلاء جاؤوا من مناطق عديدة ولهم توجهات مختلفة
ومستويات ثقافية وفكرية متفاوتة، ربما يكون هناك بعض التعارض بينهم
في الامزجة والاشكال والسلوكيات، هذا الى جانب اختلاف اللهجات وحتى
اللغات احياناً. لكن مع كل ذلك وغيره، يجدون انفسهم مجتمعين عند
نقطة واحدة في كربلاء المقدسة اسمها (الحسين)، والجميع يطلقون
الصرخة المدوية: (لبيك ياحسين)....
لكن لننظر الى ساحة اخرى يعيشها العراقيون ليس خلال ايام معدودة
في اطار المناسبة، انما محكوم عليهم العيش معها طوال حياتهم وعلى
مدار السنة، وهي الساحة السياسية في مشهدها الراهن، حيث بات الناس
يألفون الحديث عن الفساد المالي والاداري واللهاث على الكرسي
والمنصب، وفي تطور جديد في العملية السياسية على العراقيين ان
يترقبوا ظهور كيانات جديدة متفرخة من الكيانات الرئيسة التي عرفوها
وعرفوا ناخبيهم من خلالها لدى الادلاء لصالحهم في صناديق الاقتراع.
ولا شأن لنا بالتبريرات التي يسوقها هذا وذاك بعد ان تعلّم البعض
كيف يتحدث عن (الظاهرة الصحيّة في العملية السياسية)!! لكن نتسائل
عن سبب هذا الفشل في جمع كلمة الناس على قضية موحدة مثل البناء
والاعمار – مثلاً- خلال ايام السنة، كما نتساءل عن سبب النجاح في
مناسبة واحدة خلال ايام معدودة...؟
إنها العقيدة ولا غير... فالحسين عليه السلام في ظاهره الدماء
والسيوف والشهادة، وفي باطنه الحياة الكريمة من خلال قيم التضحية
والشجاعة والإباء وكل ما يمتّ بصلة الى الحياة. والحقيقة نقولها:
ان الملايين التي تشارك في احياء هذه المناسبة إنما يشعرون بعبق
الحياة ويجدون حياتهم تجدد ونفوسهم تحيا ويستشعرون بالحب والايمان
يغمر قلوبهم من خلال السير على الاقدام او اللطم او خدمة الزائرين.
في المقابل اين هي العقيدة السياسية في العراق....؟! وماذا لدى
الناس منها؟ المعروف عنها غالباً، انها منطق القوة التي توصل
السياسي الى كرسي الحكم والقرار باشكال مختلفة.
تارةً يكون بحمل السلاح وتارةً بحمل الاموال وتارةً بتأبط
أجندات اقليمية او دولية. والمثير ان الجماعات السياسية تنادي
بالوحدة في تراب الوطن والعلم والمصير، لكن على الارض نجد المصائر
مختلفة تماماً، وعلامات (اكسباير) متعددة. وهذا التعدد في المصائر
ينعكس قهراً على ابناء الشعب، وبما انه لا يمتلك هذه القوة فما
عليه سوى الاختيار بين اسماء الجماعات والتيارات وحتى بعض الرموز
على أمل الرسو الى مرفأ الأمان والاستقرار، وبات لسان الجميع اليوم
(الله كريم)!
وفي هذا الطريق لم يجد بعض اهل السياسة حرجاً من ان يتبادلوا
عبارات السخرية والتهكّم من على الشاشة الصغيرة، بتكالب جميع
المشاركين في العملية السياسية على اقتحام بيت الحكم وحجز مكان
فيه! وعدم وجود سياسي او جماعة سياسية تقبل لنفسها ان تكون في
المعارضة فيما الباقون ينعمون بالامتيازات والاموال...!!
حتى الامن الذي نعده ناجحاً الى حدٍ ما في فرض سيطرة الدولة
على الحياة العامة، لكن لم نتمكن حتى الان من تحويله الى ثقافة
عامة، وهو صمام الأمان الحقيقي من السيارات المفخخة والاحزمة
الناسفة وغيرها مما يهدد أمن الناس ويزعزع استقرار البلد، وهو ما
نشهده في الدول التي تعد نفسها محصنة من الجانب الامني، لا ان
يشعر المواطن في كل مكان بثقل الاجراءات الامنية والحواجز والاسلاك
الشائكة وغيرها، ويتمنى زوالها.
ان الشعب العراقي و شعوب اخرى، جربت الحسين عليه السلام فلم تجد
فيها سوى الانتصار والخير والفضيلة، فالامام سلام الله عليه وهو
مسجّى في مرقده الطاهر ذبيحاً عطشاناً، ما يزال وحتى يوم القيامة
يمد يد العون للطامحين واهل الاصلاح والتغيير، وأبرز مصاديق هذا
العون على ارض الواقع، (انتصار الدم على السيف)، وهزيمة الطغيان
والظلم أمام صرخة الحق الثائرة، وهي المعادلة التي طالما سعت أنظمة
سياسية على مر العصور تغييرها فعجزت وتزعزعت وانهارت.
ومن اجل ذلك يرجو ويأمل ان يبقى معه الحسين دائماً، ليحقق له
الكرامة برفض الظلم والانحراف، ويحقق السعادة والحرية بتطبيق القيم
الدينية والمبادئ الاخلاقية، فاين (التعددية السياسية) من كل ذلك؟
ولماذا لا نجد التعدد في الاساليب والطرق للوصول الى تلكم الاهداف
السامية، بينما نجد التعدد في رسم اهداف متناقضة ومتعارضة حتى يخال
الانسان انه يعيش في اكثر من وطن وبلد! وبعد كل ذلك لا أدري كم يجب
علينا ان شكر الله تعالى على نعمة وجود محرم وصفر في منهجنا؟ |