شبكة النبأ: الإرث التأريخي للأمة
الإسلامية، يشكل نبعا لا ينضب لتصويب الفكر والسلوك، اذا أراد
المعنيون استثمار ذلك الارث وفق جوهره الحقيقي، وهذه ميزة قد تفتقر
لها أمم أخرى تشكلت حديثا، أو تغور جذورها عميقا في تربية، لكنها
قد لا تتمتع بالتأريخ الناصع، والتجارب الغنية التي تعطي للاجيال
اللاحقة دروسا في تحسين الفكر والسلوك معا.
ذكرى عاشوراء واحدة من المحطات الكبرى التي يتوقف عندها التأريخ
الاسلامي، بل التأريخ البشري كله، لكونها تجربة انسانية شاملة،
يمكن للامم والشعوب جميعا، أن تستقي منها القواعد والمناهج الصحيحة
التي تدعم وجودها واستقرارها وتطورها، ومن باب أولى ان تكون الأمة
الاسلامية، هي الامة الاسرع والادق، في استثمار مزايا هذه المحطة
الانسانية المكتنزة بأسمى المعاني والدورس الانسانية الخالدة.
والسبب لأننا أقرب من غيرنا الى المحتوى الانساني لذكرى
عاشوراء، ولأننا نحتاج على نحو دائم لتصحيح الاخطاء سواءا على
مستوى الافراد او الجماعات، وعلى مستوى الحكومات والمسؤولين أو
غيرهم، بمعنى أننا نحتاج الى معالجة ما يحدث من خلل أو نقص في
مجتمعاتنا، لهذا علينا أن نستثمر هذه الذكرى بصورة جيدة في مجالات
عديدة، منها التكافل الاجتماعي والتعاون المتبادل ونشر ثقافة
التسامح والمحبة والتقارب، وتبادل الافكار، واحترامها حتى في حالة
عدم قبولها، بمعنى يجب أن نتعلم من ثقافة عاشوراء خصالا وأفكارا
وسلوكيات راقية تسمو بقيمة الانسان فردا او حماعة.
إن مشاهد الخدمة التي يتطوع الناس في تقديمها لزوار الامام
الحسين عليه السلام، هي أحد مظاهر ثقافة عاشوراء الرائعة، وهي دافع
مهم للتعاون بين مختلف الشرائح الاجتماعية، وينبغي أن تكون هذه
الخدمة الطوعية دافعا للآخرين، كي يقدموا خدماتهم للآخرين ما
أمكنهم ذلك، فما أروع أن تسود حالات التعاون المتبادل بين الجميع
والعمل الطوعي لخدمة الآخرين، إنها قمة في السلوك الانساني الذي
يمكن أن يمتد الى عموم فروع الحياة، فيبني مجتمعا متماسكا قائما
على المحبة والتكافل وصيانة حق الآخر بل معاونته في اكور الحياة
كافة.
ولعلنا لاحظنا أطفالنا وهم فرحين بتقديم ما يمكنهم تقديمه الى
الزوار الكرام، وهذه الامور على بساطتها، لكنها تزرع في نفوس
الاطفال حالة حب الخير ومعاونة الآخر ومساعدته طوعيا، بمعنى يتربى
الطفل على أخلاقيات التعاون والتكافل والتسامح المتبادل بين
الجميع، وفي هذه الحالة يمكننا تكوين القاعدة الاجتماعية الصحيحة
التي يمكنها صناعة مجتمع متعاون متآزر متكافل وناجح، فالقول الجميل
والصحيح لا يكتمل ما لم يدعمه الفعل الصحيح، أي يقترن القول بالعمل
دائما في جانبه الجيد، لهذا من المهم أن يتعلم الاطفال على الربط
بين القول والعمل، أما أن يعتاد الكلام الجميل بعيدا عن التطبيق،
فإن المشكلة ستنمو وتكبر معه، وتكون شخصيته مزدوجة، فيتعلم التناقض
بين القول والعمل، وتعد هذه الحالة من اخطر المظاهر التي تساعد على
تراجع المجتمعات وتخلفها.
لذا نحتاج دائما الى التوافق بين القول والعمل، وهذا الامر من
أهم ما تدعو إليه ثقافة عاشوراء، استنادا الى أن الامام الحسين
عليه السلام تصدى للانحراف الاموي بقوله وفعله ايضا، ناهيك عن
التعالمل الانساني الاخلاقي له حتى مع أعدائه، وبهذا نحن بأمس
الحاجة الى زرع بذور التعاون والمحبة والتعايش وقبول التعدد، ونشر
ثقافة الحوار بين الجميع لحل العقد المستعصية، لأنها اسلوب القرآن
الكريم واسلوب النبي الاكرم (ص) وأئمة أهل البيت عليهم السلام.
إننا نحتاج في ذكرى عاشوراء الى ما يضيء حياتنا بالفضيلة،
ويدفعنا لحسن التعامل مع الآخرين، ونحتاج الى الرحمة، والتراحم،
كما أننا نحتاج الى أن نفهم بعضنا بالحوار البنّاء، ونصحح أنفسنا
قبل غيرنا، ونعتمد الامانة والصدق في الفعل والحديث، وهي كلها قيم
زرعتها ثقافة عاشوراء، لذا حين تتجدد هذه الذكرى الخالدة، علينا
كمسلمين أن نتحرك بدقة وسرعة لاستثمارها بأفضل السبل، كما أننا
نحتاج الى تمثّل وتجسيد مآثر ذكرى عاشوراء في حياتنا على نحو دائم،
من اجل ضمان مجتمع متماسك وناجح ومتطور في آن واحد. |