شبكة النبأ: لليل طعم الضياع..
وانت تتيه في ظلماته.. عن اي شيء تفتش خطواتك.. وانت تتعثر فوق
الحجارة ووجيب القلب؟
لليل طعم الوجوم والكآبة.. وانت متلفع بحزنك تبحث عن رفيق او
قليلا من مواساة... لليل اشتعال الظنون وطعم المواجع.. وانت تنزف
ذاكرتك تلك التفاصيل... تفاصيل الرحيل والغياب.. وجوه الاحبة،
حكايات سمرهم وسهرهم وشحوب الوجوه في ساعات الصباح الاولى.
لليل طعم الملح في العيون المترقبة لعودة غائب من سفر طويل...
تتحرق لأحضان اللقاء وانت في مدلهمات الحزن قلب راجف وأضلع.
لليل طعم الوحشة، وحشة الوحدة والغياب.. وانت في الموعد، في
منتصف المسافة الفاصلة بين الوقوف وحيدا، وبين التوغل في الظلمة
وحيدا.. اي وحشة تلفك تلك الليلة ايها السائر في دروب مظلمة...
موحشة؟. حزينة.. كئيبة.. مدينتك.
لا ضوء غير وهج الشموع ترفعها كف باتجاه الصدر وكف باتجاه
السماء.. ايتها السماء ازيحي ستار الظلمة عنك واتركي النجوم تنير
طريقي...
باي نجم اهتدي؟
بوجه الحسين تضرجه الدماء في ليلة الوحشة... يا سامعين الصوت
طفلة مضيعين هاي المسيّة... قالوا سمعناها تون يم حسين ونّة خفيّة.
تنتهي الايام العشرة الاولى من محرم الحرام بمواكب اللطامة
وضاربي الزناجيل وكل يوم يحمل تسمية خاصة على اسماء اهل البيت
الذين قتلوا في تلك العشرة الاولى.
فالليلة الاولى والثانية والثالثة للحسين والرابعة للعليلة اي
المريضة وهي فاطمة بنت الحسين والخامسة لمسلم بن عقيل والسادسة
لاولاد مسلم والسابعة للعباس والثامنة للقاسم بن الحسن والتاسعة
لعلي الأكبر بن الإمام الحسين وهي ليلة الطفل الرضيع ايضا.
وتكون الليلة العاشرة هي الليلة الأخيرة في سفر حياة الحسين
الذي ودع في الليالي السابقة خيرة أهل بيته من أبناء وأخوة وأصحاب.
قد لا تكون تلك التسميات منسجمة او لا تتفق مع الحقيقة
التاريخية ومع مجريات ما حدث في واقعة الطف كمكان جغرافي محدد
الابعاد والخطوط... فمسلم بن عقيل قتل في الكوفة ودفن فيها..
وأبناؤه دفنوا في منطقة المسيب.
التسميات تحمل دلائل ومضامين رمزية شديدة التكثيف بمحمولات
عاطفية شديدة التوهج.. انها المخيلة الشعبية التي تضيف الكثير من
إبداعها لينسجم مع هذه الدراما الانسانية الكبرى. تنتهي مراسم
العشرة الاولى بمواكب التطبير صباحا... لتتهيأ المدية لليلة
الوحشة.
يخرج الرجال في موكب من قسمين... قسم يحمل الشموع الموقدة وقسم
من الرجال يتقدموهم وهم يلطمون على الصدور مرددين عددا من القصائد
والدارميات الحزينة...
لا ترفعون الرؤوس يا اهل الرياسه
عندكم حسين اليوم على الرمح راسه
وخلف كل موكب من الرجال يسير موكب من النساء الحاملات للشموع
ايضا.. اشارة الى الحزن على رحيل سيد الشهداء واهل بيته وصحبه.
يطوف الموكب في احياء المدينة التي لم تستفق من مظاهر الحزن
بعد.. فالسواد لازال يغطي الابواب والجدران والمحلات.
انها ليلة الوحشة التي يقيمها اهل كل بيت على من أودعوه مثواه
الاخير حيث يكون بين يدي ربه يدي الرحمة والمغفرة.
القبر وظلمته هناك من يصلي على روحه ويقرا الادعية على راسه
تعويذة وحماية له من وحشة... انها ليلة الحسين قبل ان يدفن بعد
تركه في العراء.
وتطلق (ليلة الوحشة) اصطلاحا على شعائر العزاء التي تقام ليلة
الحادي عشر من شهر محرم، ويجلس فيها الناس بعد غروب الشمس في
المساجد والتكايا على هيئة مجموعتين منفصلتين وينشدون المراثي
الحزينة تخليدا لذكرى سبايا البيت، وتجري هذه الشعائر عادة بحمل
الشموع في ليل مظلم، وأكثر ما يستفاد من الأطفال والصبيان في إجراء
هذه الشعائر التمثيلية للتذكير بتشريد أهل البيت وعيال شهداء
كربلاء في غروب ليلة يوم العاشر حيث بقوا مشردين من غير ملاذ ولا
مأوى وتائهين في ظلمة الليل في صحراء كربلاء.
وفي مناطق اخرى تقام في هذه الليلة شعائر بسيطة وذات طابع
مأساوي حزين، يلبس الناس فيها السواد ويحملون الشموع وينثرون على
رؤوسهم التبن ويعفرون جباههم بالتراب وينشدون قصائد حزينة ويسيرون
في الشوارع، ويجلسون بعد مسير بضعة خطوات ويبكون بهدوء وحزن. في
هذه الليلة لا يلطمون ولا يهزّون الأعلام. |