حينما يحتفي الشيعة بذكرى عاشوراء الحسين (ع) ويبكون لمصابه فهم
يتأسون برسول الله وأهل بيته (ع). فمن يقرأ الأحاديث التي وردت في
أمر عاشوراء ومقتل الحسين (ع) يلحظ أن الأمر تكرر أكثر من مرة على
رسول الله (ص)، وأنه بكى في كل مرة، وأخبر عنه مررًا، حتى صار
شائعًا بين أهل البيت والصحابة أن الحسين يقتل بالطف.
ومضى أهل البيت (ع) على ما سار عليه رسول الله (ص) فكانوا
يذكّرون الناس بمقتل سيد الشهداء الحسين (ع). ثم استمر شيعة أهل
البيت (ع) في إحياء هذه المناسبة إتباعا لسنة نبيهم وأهل بيته (ع)،
برغم كل ما ينالهم من أذى يصل إلى القتل من قبل الآخرين.
إن قضية البكاء على الإمام الحسين (ع) أمر غير عادي، وذلك لعدة
أمور:
أولها: أنه ما تُلي خبر مقتله على ذي قلب سليم إلا وبكى، حتى
أهل السنة الذين يرون الاحتفاء بعاشوراء بدعة يبكون إذا تُلي عليهم
قصة مقتله (ع). وقد ذكر الشيخ السني سعد البريك في حديثه مع الشيخ
حسن الصفار في لقاء قناة دليل أنه قرأ مقتل الحسين فبكى وبكى معه
من كان حاضرًا.
ثانيها: أن يبكي الإنسان مرة لحدث مريع ومشهد فظيع، فذاك أمر
طبيعي، ولكن أن يمر عليه المشهد وما فيه من تعابير وصور أكثر من
مرة، وفي كل مرة يبكي وهو يعلم بكل تفاصيل الأمر فهذا أمر غير
طبيعي. جرّب أن تشاهد مشهدًا حزينًا في فلم ما، سوف تبكي في المرة
الأولى والثانية، ولكنك إذا شاهدته عشرين مرة فلن تبكي، لكن عشاق
الحسين (ع) يسمعون مصابه طوال عمرهم ويبكون كما لو أنهم يسمعونه
لأول مرة. كما أن من يجسد الدور قد يتفاعل في المرة الأولى
والثانية، ولكن أن يبقى طول عمره يكرر المشهد ولو كل عام مرة فسوف
يملّ، أما من يقرأ مأساة الحسين (ع) فيقرأها وكأنه يقرأها على
الناس لأول مرة، وهذا أمر غير طبيعي أيضًا.
ولا عجب من ذلك وقد بكى رسول الله (ص) والأئمة (ع) أكثر من مرة،
بل إن الإمام زين العابدين عاش طول عمره يبكي على الحسين (ع).
ثالثها: اعتاد الشعراء أن يكتبوا قصائد في الأحداث المهمّة، وفي
الشخصيات البارزة إما مدحًا أو رثاءً، ولا يستطيعون أو لا يأنسون
بأن يكتبوا في ذات الحدث أكثر من قصيدتين أو ثلاث، ولكن الموالي
لآل البيت مستعد أن يكتب كل عام قصيدة أو أكثر في مصاب الإمام
الحسين، وكلما مرّت به السنون تراه يتنافس مع بقية الشعراء ليكتب
جديدًا في الحسين (ع).
فحري بمن يخالف الشيعة أن يتأمل مليًّا في قضية عاشوراء، وإذا
كان يختلف مع الشيعة في الطقوس التي يمارسونها فهذا لا يعفيه من
ذلك، فالروايات الصحيحة فيما يخص قضية الحسين (ع) حرِيَّة بالتأمل.
إن كل ما يحيط بقضية عاشوراء أمر غير عادي، فليس هناك واقعة
إسلامية تماثلها شكلًا ومضمونًا وتفصيلًا، وبدل أن يتم التهجم على
من يحيها ويتفاعل معها، ينبغي التأمل في أسرار هذه القضية من قبل
وقوعها وأثنائها وبعد وقوعها وإلى يومنا هذا. |