قد تتعجّب: كيف يكون الرضيع شهيداً؟!
وقد تقفز لذهنك هذه التساؤلات:
لماذا يُسفك دم بريء طاهر، ممزوج بطهارة النبوة، وعبق الإمامة؟!
ولماذا يوغل المجرمون إجراماً في ذبح أصغر الشهداء؟!
ولماذا يسوّدون وجه التاريخ بمثل هذه الجرائم؟!
فتتألم لحجم المصاب، وتذرف بدل الدمع دماً، وتعج حيث يعج
العاجّون، وتندب حين يندب النادبون، ويأخذك الجزع على مصيبته إلى
لطم الصدر وخمش الوجه وضرب الرأس..
ولكنك ستعرف أن (أصغر شهيد) هو (أكبر شاهد).
وستنفتح أمام بصيرتك الأبواب..
فتعي أنه شاهد على فساد مناهج الطغاة والمستكبرين..
وستعلم أنه حجة على العباد في معرفة الحق وطريق الحقائق..
وستنجلي أمامك مقامات الحجج ومراتب الأولياء..
وسيأخذ بيدك نحو ساحات الهدى وسلامة الدين والدنيا..
وستظلّك بسببه غمائم الرحمة وسحائب البركات..
إنه عبد الله بن الحسين الرضيع (ع)، الذي ستقرأ شهادته وشاهديته
في هذا الكتاب..
تمهيد
تتفاوت الجرائم والانتهاكات التي يرتكبها الظالمون من ظالم إلى
آخر بالنسبة والانتساب، فعندما نقارن الظلم الذي يقع على المسلم
مِمّن لا دين له ولا قيم يؤمن بها، وليس له مدد من السماء يمدّه
بتوجيهات ومواعظ، مع الظلم الذي يقع على المسلم من مسلم مماثل،
يماثله في الدين، وفي الإدعاء، ويحمل ذات القيم التي يحملها
المظلوم، فهنا ستختلف الجريمة عن سابقتها، وستكون الجريمة أعظم
وأكبر.
فإن المظالم التي تأتي من خارج دائرة الإسلام مصنّفة بوضوح
بأنها ضد الدين وضد قيمه وتعاليمه، ولكن المظالم التي تمارس بحق
المسلمين مِن قِبل مَن يتقمّصون الدين ويرتدون جلبابه، فهم يقومون
بعملية تشويه للقيم ذاتها، ويمارسون التحريف في مقاصد الدين؛ لكي
تلتف وتقوم بعمل معاكس لما كتب الله لها أن تقوم به، فمكان الإصلاح
سيحل الإفساد، وهذه العملية التحريفية التي مارسها وبلّغ لها قادة
النفاق في المجتمعات الإسلامية، لهي أخطر معول على قواعد التقوى،
وصرح الدين، وبنيان الصلاح.
وفي عملية الخداع التي مارسها المنافقون هي أنهم عمدوا إلى
انتهاك حقوق من نزل القرآن في بيوتهم ورفرفت الملائكة في أرجاء
دورهم، وهم أهل بيت النبوة وموضع الرسالة (عليهم أفضل الصلاة
والسلام)، ولم يكتفوا بأنهم لم يأدّوا حقوقهم المفروضة، بل اغتصبوا
مواقعهم وتسموا بأسمائهم، ظلماً وعدواناً، ولم تقف عملية الانتهاك
إلى ذلك الحد، بل تمادت وأخذت بقتل الشخصيات التي قام عليها الدين
وشيّدت عليها أركان الإسلام، وملاحقة رجالات مرحلة انطلاق الدين
وتثبيته، أمثال عمّار بن ياسر، ومالك الأشتر، وحجر بن عدي، ومحمد
بن أبي بكر وغيرهم.
وقد استشرى الفساد في نفوس الظالمين المنافقين حتى بلغ بهم
الأمر إلى الإقدام على أبشع جرائم التاريخ على الإطلاق، وهي قتلهم
الإمام الحسين (ع) وأصحابه وأبنائه وأهله في كربلاء في عام 61
للهجرة، والإمام الحسين (ع) هو سبط الرسول (ص) الذي بعثه الله رحمة
للعالمين ورسولاً يبلغهم رسالات ربه وربهم، ولكنهم استخدموا الدين
في التشريع لقتل الإمام الحسين (ع) وانتهاك حرماته.
من هنا نفهم لماذا قام الإمام الحسين (ع) بالثورة على طغيان
يزيد بن معاوية، وذلك لأنه عرف ما عرف من الفساد الذي وصل إليه بنو
أمية في اتخاذهم الدين لعباً ولهواً، يحوطونه ما درت معائشهم.
كان إنقاذ الدين وانتشال المسلمين من وحل الفساد الذي أراد
الطغاة أن يجرفوا المسلمين نحوه، كان هو همّ الإمام الحسين (ع)
وهدفه ومبتغاه، ولهذا فإن بيان مظلومية الإمام الحسين (ع)،
واستظهار المشاهد المأساوية التي مارستها آلة الفتك الأموي في أهل
البيت (ع)، هي مواصلة لدرب الإمام الحسين (ع) وانتهاج مسيرته
ومنهجه، ليعرف الناس أي ظلم قد وصل إليه القوم آنذاك، وليتفكروا في
أسبابه، ويتعقبوا جذوره، ليصلوا إلى الحق والحقيقة.
ومن هذا المنطلق فإننا نتناول في هذا الكتاب مأساة ومظلومية
الطفل عبد الله الرضيع، ابن الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب
(عليهم السلام). والتي ارتكبها المعسكر الأموي في واقعة كربلاء في
عام 61 للهجرة النبوية الشريفة، في الواقعة التي قتل فيها الإمام
الحسين (ع) وثلّة من أصحابه وأهله.
ونسأل الله تعالى أن يعننا على هذه المهمّة، ونسأله تعالى أن
يقوّض جهود الظالمين ويفضح أكذوبتهم، ويخرس حجتهم، ليظهر الحق
وتنبلج شمس الحقيقة في النفوس، إن الله عليّ قدير.
قتل الرضيع أظهر مآسي كربلاء
واقعة كربلاء كانت الجرح النازف لمسيرة الإسلام، حيث اعتدى قادة
النفاق بقيادة يزيد بن معاوية على أطهر قلب، وأعظم إنسان، وأشرف
راية، وأسمى مقام، وهو سبط الرسول (ص)، وسيد شباب أهل الجنة الإمام
الحسين بن علي (ع).
لقد حملت واقعة كربلاء حزمة من المآسي والآلام والفجائع في كل
تفاصيلها، وأن إحدى أكبر المآسي التي وقعت في كربلاء، وأبلغها في
المظلومية هي جريمة قتل الطفل عبد الله الرضيع في ذات الواقعة.
جريمة تهزّ الوجدان وتزلزل المشاعر، جريمة يبكي لها حتى الصخر
الصلد، حيث تمّت بكل معاني سبق الإصرار والترصّد، وعبّرت عن مدى
استرخاص دماء الأبرياء، من أجل حفنة من ركام الدنيا وملذاتها
الزائلة، وتحقيقاً لرغبات الزعامة والتأمر، ظهر ذلك في ممارساتهم
التي ورثوها ممن أسس أساس الظلم والجور على أهل البيت (ع)،
وأورثوها إلى أبنائهم وذيولهم الذين انتهجوا ذات السبيل.
جريمة قتل رضيع الإمام الحسين (ع) هي أبلغ المآسي التي كانت
فرقاناً بين الحق والباطل، بين رجالات الله وأعوان الشيطان، بين
نهج الإصلاح وهمجية الإفساد، بين النفوس الزكية والنفوس الفاجرة،
بين رموز الفضيلة ورموز الرذيلة بكل معانيها.
وبعد الإطلاع على تلك الجريمة لا يمكن لذي لب ولذي قلب أن يقف
مع جند يزيد فيكون ممن سمعوا بذلك فرضوا عنه، فتحلّ عليهم لعنة
الله، ولا يمكنه أن يقف إلى الحياد، فيكون شيطاناً أخرس، بسكوته عن
الحق.
معرفة مأساة قتل الطفل الرضيع بكربلاء هي مدخل إلى الدين الحق،
واهتداء للصراط المستقيم، وبداية لحمل راية المظلومين، وبناء
أنموذج التقوى بأسس الولاية الحقة لأهل البيت (عليهم السلام).
وقبل التعرف على مأساة رضيع الحسين (ع) تفصيلاً، فإننا سنمرّ
على التعرف على هويته الكريمة، اسماً ونسباً وعمراً.
من هو عبد الله الرضيع؟
عبد الله الرضيع هو الولد الذي استشهد في كربلاء مع أبيه الإمام
الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام). فأبوه أعرف من أن
يعرّف، فهو سبط رسول الله (ص) وريحانته، وشفيع أمته، وسيد شباب أهل
الجنة، وهو الإمام الحق المفترض الطاعة، كما ورد عن رسول الله (ص)
في العديد من الروايات المتواترة في كتب المسلمين بمختلف
طوائفهم[1].
"وأمه الرباب بنت امرئ القيس[2] بن عدي بن أوس بن جابر بن كعب
بن عليم ابن جناب بن كلب. وأمها هند الهنود بنت الربيع بن مسعود بن
مصاد بن حصن بن كعب بن عليم بن جناب. وأمها ميسون بنت عمرو بن
ثعلبة بن حصين بن ضمضم.
وأمها بنت أوس بن حارثة. وزعم ابن عبدة أن أمها الرباب بنت
حارثة بن أخت أوس بن حارثة بن لام الطائي بن عمرو بن طريف بن عمرو
بن ثمامة بن مالك بن جدعان بن ذهل بن رومان بن جندب بن خارجة بن
سعد بن قطرة من طئ. وهي التي يقول فيها أبو عبد الله الحسين بن علي
بن أبي طالب (عليه السلام):
لعمرك إنني لأحب داراً
تكون بها سكينة والرباب
أحبهما وأبذل جلّ مالي
وليس لعاتب عندي عتاب".[3]
أسمه الشريف
لقد ورد في مرويات المؤرخين أن اسم الطفل الرضيع الذي قتل بين
يدي أبيه الإمام الحسين (ع) بكربلاء، عبد الله، وفي بعضها ذكرت أن
اسمه علياً.
ويذكر أن للإمام الحسين (ع) ثلاثة من الأبناء وكل واحد اسمه
علي، وهم كالتالي:
1/ علي بن الحسين، يمسى علي الأكبر وهو الذي قتل في كربلاء، وهو
أكبر من أخيه الإمام زين العابدين علي السجاد (ع)، وقد صرّح بذلك
الإمام السجاد (ع) عندما أدخل على بن زياد وسأله عن اسمه، وقال علي
بن الحسين، فقال بن زياد: أو لم يقتل الله علياً؟ فقال السجاد (ع):
كان لي أخ أكبر مني، يقال له علي، قتله الناس[4].
وقد صرّح بذلك الشهيد الأول (ع) في المزار، والشيخ الكفعمي
كذلك، حيث قال: "ثم صلِّ عند رأس الحسين ركعتين، وقل بعدهما ما مرّ
في زيارة عاشوراء، ثم زر علي بن الحسين، وهو الأكبر على الأصح"[5].
2/ علي بن الحسين، وهو الإمام السجاد الذي تنحدر منه ذريته
الإمامة، وكان مريضاً في كربلاء وأنقذته السيدة زينب (ع) من القتل،
فهو أيضاً اسمه (علي)، وقد سمي علي الأصغر على لسان العديد من
المؤرخين، أمثال أبو مخنف في (مقتل الحسين)، ومحمد بن سعد في
(الطبقات الكبرى)، وابن قتيبة في (المعارف)، والطبري في المنتخب،
وقد قال: "وشهد علي بن الحسين الأصغر مع أبيه كربلاء وهو ابن ثلاث
وعشرين سنة، وكان مريضاً نائماً على فراشه"[6].
وقد ذكر نفس المضمون العديد من المؤرخين غيرهم.
ولعل تسمية الإمام زين العابدين بعلي الأصغر نظراً للتفريق في
السن بينه وبين أخيه علي الأكبر، ولا يعني ذلك أنه الأصغر سناً من
بين أبناء الإمام الحسين (ع) كافة، لأن الإمام علي بن الحسين، وعلي
الأكبر كانا شابين ظاهرين، وعلي الآخر مازال رضيعاً، وقد ذكر
القندوري الحنفي وجه تسمية الإمام زين العابدين بعلي الأصغر ما نصه
"علي الأصغر، وهو الإمام زين العابدين، لقب بالأصغر، لأنه ولد في
حياة جدّه، وعند وفاة جده كان ابن سنتين، فجده أمير المؤمنين علي
الأكبر وهو الأصغر، وفي حادثة كربلاء كان عليلاً"[7].
ولكن نسبته للأصغر للتفريق بينه وبين أخيه هو الأنسب، لأن علياً
أخوه اشتهر بالأكبر.
3/ علي بن الحسين، الطفل الرضيع، وقد ورد في مرويات المؤرخين أن
الطفل الذي قتل بين يدي أبيه الإمام الحسين (ع) اسمه عبد الله،
وورد أن اسمه علياً، ووصف بالصغير والرضيع وذكره بعض المؤرخين
بالأصغر، كما ذكره السيد تاج الدين في التتمة في تواريخ الأئمة:
"بأن الطفل هو علي الأصغر"[8].
وتسمية الطفل الرضيع الشهيد بعلي الأصغر هي بالنظر لصغر سنه بين
أخويه العليين، وقد احتمل بعض الباحثين أن للإمام الحسين (ع) طفلين
رضيعين قتلا في كربلاء، أحدهما رمي بسهم على باب الخيمة وهو عبد
الله، والآخر أخذه أبوه للمعسكر ورمي بسهم هناك، وهو علي الأصغر،
ولكن ذلك بعيد، فإن تعدّد الأسماء وارد عند العرب وعند أهل البيت
(ع)، وكانت المؤيدات التي جاءت بعد كربلاء تشير إلى رضيع واحد،
كزيارة الشهداء المروية عن صاحب العصر والزمان (عج).
فالطفل الرضيع المقتول في كربلاء اسمه عبد الله، ويسمّى علي
الأصغر.
عمره الشريف
لقد اشتهر أن عمره ستة أشهر، وقد ولد في المدينة المنورة،
"وعليه فيكون مولده في شهر رجب سنة 60هـ في المدينة المنورة، وقد
عيّنه بعضهم في العاشر منه، وبه يعمل المؤمنون ـ وخصوصا في إيران،
وهناك من ذكر أنه ولد في التاسع أو الثامن من شهر رجب"[9].
قبره الشريف
لقد ذكرت أغلب الروايات أن الإمام الحسين (ع) قام بدفن رضيعه
الشهيد خلف الخيام، حيث حفر له بسيفه قبراً ووسّده فيه.
"وذكرت بعض الأخبار أن الحسين (ع) أوصى ولده علي بن الحسين (ع)
بدفن ولده الرضيع إلى جنبه قائلاً له: بني علي إذا أتيت لمواراة
الأجساد وسد رضيعي إلى جنبي، فدفنه زين العابدين (ع) مع أبيه
الحسين (ع).[10]
مقتل الرضيع (ع)
تصاعدت غبرة الحرب وحَمِيَ الوطيس وتفجّرت الدماءُ الزاكية من
أجسادِ أطهر الناس في زمانهم، أولاد الحسين (ع)، وأصحاب سبط النبوة
ورحمة الله المهداة (ص)، حيث لم يكن على وجه الأرض لهم من مثيل.
قتلتهم جيوش جرّارة أعدّها أعداء الدين وجبابرة العصر، الذين
ملئت قلوبهم حقداً وعدواناً على أهل بيت النبوة الطاهرين، حيث
اجتمعت على قتالهم بقصد القتل والإبادة الكاملة، تلك الحشود بمختلف
آلات الحرب، بأمر من يزيد بن معاوية وعبيد الله بن زياد ومن تابعهم
من زمرة الكفر والفسوق والعصيان.
بعد أن أوغلت الطغمة الفاسدة في القتل وسفك الدماء، والرقص على
دماء الأبرياء، التفت الإمام الحسين (ع) إلى مخيماته، فوجدها خالية
مصفرّة من تلك الوجوه التي كانت تضيء سماء الدنيا بإيمانها
وتفانيها في نصرة ابن بنت نبيها (ص).. فها هي أجسادهم متناثرة على
أرض المعركة، وأعضاؤهم مبضّعة، ودماؤهم تلطّخ الأرض والسماء،
ووجوههم مرملة بدمائهم تصهرها حرارة الشمس وقساوتها..
ولم يجد الإمام (ع) إلا نساء ملأ الذعرُ قلوبَهن على ابن بنت
نبي الإسلام، دائبات الحركة يتحفّظن على أطفالهن خوف التيه والقتل
والتنكيل، وليس لهن بدّ إلا معالجة آلامهن بالنظر إلى وجه الإمام
الحسين (ع) الذي كان يزداد تلألؤاً كلّما ضاقت عليه الأرض بما
رحبت..
توجه نظر الإمام الحسين (ع) إلى القوم المصطفيّن بوجوه
مكفهرّة، لعل فيهم من ينجيه النظرُ إلى نور وجهه الكريم، علّ
أحدُهم يستدعي وصايا رسول الله (ص) في الإمام الحسين (ع) يوم كان
صغيراً.. توجّه ناحيتهم ونادى في القوم:
هل من ذابٍ يذبّ عن حرم رسول الله (ص)؟ هل من موحّد يخاف الله
فينا؟ هل من مغيثٍ يرجو الله بإغاثتنا؟ هل من معين يرجو ما عند
الله في إعانتنا؟
فأتمّ عليهم الحجة وأوصل الرسالة بأبلغ معانيها، وأجلى صورها..
أيها القوم.. هاهي نساء رسول الله (ص) الذي تدّعون انتمائكم
إليه، فأين هو إيمانكم بتوحيد الله وخوف معاده؟ وأين هم الذين
يرجون ما ادخره الله لأصحاب النفوس الكبيرة، الذين يغيثون الملهوف
ويعينون المحتاج؟!
توجّه الإمام الحسين (ع) ناحية خيمة أم المصائب زينب (عليها
السلام)، يحيطه البهاء، وتتوزّع من عينيه معاني الوداع.. فناداها:
أختاه، أوصيكِ بطفلي الصغيرِ عبد الله، ناوليني إيّاه لكي أشمّه
وأضمّه وأودّعه..
دخلت زينب بجلالها الخيمةَ، فأتت به للحسين تحمله، وتجرّ معها
اللوعة والأسى على الطفل الرضيع..هاكَ رضيعك قد يبس لسانُه من شدّة
الظمأ والجوع، فلم يشرب لبناً ولا ماء منذ ثلاثة أيام، وقد جفّ لبن
أمّه من عطشها، فاحمل طفلك يا خيرة الباقين ورائحة الماضين إلى
هؤلاء القوم لعلّ صحراء قلوبهم ترقّ لحاله.
تناول الحسين (ع) الأبُ ولدَه الرضيع بحال يرثى لها، فهو لا
يقوى على الحراك ويراوده الإغماء حيناً بعد حين، فانعطف الحسين
بوجهه الكريم ناحية طفله هامساً يخاطبه: يا بني! ويل لهؤلاء القوم
إذ كان غداً خصمهم جدّك محمد (ص).
والتفت به إلى ناحية القوم المدجّجين بالحقد والطمع قبل السلاح
والحديد، واستقبل الجيش الجرار فرداً رافعاً الطفل بيديه، وردّد
فيهم:
يا قوم قد قتلتم شيعتي وأهلَ بيتي، وقد بقي هذا الطفلُ يتلظّى
عطشاً، فاسقوه شربة من الماء، فإن كان هنالك جرم للكبار فما لكم
على الصغار من سبيل.
إلا أن القوم أصرّوا واستكبروا استكباراً، وحارت بين قلوبهم
الأطماع فاشتعلت أحقاداً، فتمكّن الشيطان من المجرم الكبير حرملة
بن كاهل، فانتفض معربداً، واستلّ سهامه المسمومة، وسدّدها ناحية
رقبة الطفل الرضيع المندلعة، التي كانت تشعّ بياضاً، فانطلق السهم
الغادر فأصابها بمقتل، واخترق رقبة الطفل الرضيع من الوريد إلى
الوريد، فتفجّر الدم العبيط، و انتفض الطفل من حرارة السهم فشقّ
القماط وأخرج يده منطلقة ناحية صدر أبيه، علّه يستقبل ألمه، لكن
صدر الحسين تثخنه الآلام، وهنالك الألم قد اعتنق الألم..
فبَسطَ الحسينُ يديه الشريفتين يجمع دماء الطفل.. وشفقة على أهل
الأرض، كي لا يطبق عليهم العذاب أجمعين، رمى بقطع الدم إلى السماء
وتصاعدت الدماء وتقبلها أهل السماء بقبول الألم، ولم تنزل من تلك
الدماء الزاكية ولا قطرة واحدة على الأرض.
وردّد الإمام المكلوم لرضيعه المسفوك دمه: هوّن عليَّ ما نزل بك
أنّه بعين الله.
فإن الله سميع بصير وهو خير الشاهدين..
ثم شخص ببصره إلى السماء داعياً الله: يا رب لا يكون هذا الطفل
المذبوح أهون عليك من فصيل ناقة صالح، ربّ إن تكن حبستَ عنّا
النصرَ من السماء، فاجعل ذلك لما هو خير، وانتقم من هؤلاء
الظالمين.
وقفل الإمام الحسين (ع) راجعاً إلى الخيام محتضنا رضيعه،
ومترقباً لآهات النساء ونحيبهن، فاستقبلته سكينة ابنته، قائلة: يا
أبه.. لعلك سقيت أخي الماء!
فمدت ذراعيها لتقر عينها بأخيها بعد معاناته، إلا أن النازلة
نزلت عليها فجأة بصوت أبيها يخبرها: هاكِ أخاكِ مذبوحاً، فقد
أجابني الأعداء بسهم منيته، اخترق رقبته من الوريد إلى الوريد.
فتصاعدت من الخيام النياحة والعويل بقلوب محترقة..
فتلقفته النسوة، عمته زينب (ع) وأمه الرباب، وأخته سكينة، وأم
كلثوم.. بقلوب محترقة على من قال عنه الإمام الحسين (أشبه الناس
برسول الله (ص)، لما عرف من أصل منبته وطهارة حجره..
فتناولته أم كلثوم بحرقة وألم، ضمّته إلى صدرها، وألصقت نحره
على نحرها، وانهالت الدموع من مدمعها، نادبة صارخةً: وا محمداه..
وا علياه، ماذا لقينا بعدكما من الأعداء.. وا لهفتاه على طفل مخضّب
بدمائه البريئة، وا أسفاه على رضيع فطم بسهم الأعداء..
ثم أخذ الإمام (ع) سيفه وحفر له قبراً بطرف سيفه، فأودعه الله
تعالى فيه مستقرّاً راجعاً إلى ربه تعالى، فلطخه الإمام (ع) ببقية
دمه ليكون شاهداً على شراسة الأعداء وعميق ظلمهم وقساوة قلوبهم..
فنودي من أرجاء السماء بنداء هاطلاً على أبيه الحسين (ع)
ومواسياً للنسوة الثاكلات: "دعه يا حسين، فإن له مرضعاً في الجنة".
صور المرويات للجريمة
الجريمة البشعة التي ارتكبها أعداء الدين والإنسانية، بقيادة
يزيد بن معاوية، بحق الطفل الرضيع (ع)، لم تكن خافية على مطلع، فهي
لم تكن جريمة سرّية متكتّم عليها، بل هي جريمة معلنة، بسبق نية
وإصرار، وتم تنفيذها بيد الإثم في وضح النهار، وأمام مرئى ومسمع من
الحشود المتكاثرة.
فلم يكن هنالك مجال لنكران جريمة قتل الطفل الرضيع بين يدي أبيه
الإمام الحسين (ع)، فكانت شاهدة على كافة الناس إلى يوم القيامة،
ودم الرضيع الطاهر، هو بمثابة "توقيع الحسين (ع) على وثيقة
الاستشهاد"[11]، وإكمالاً للشهادة على العصر بل على كل العصور التي
تشرّبت بذات الفكر المنافق من الفئات التكفيرية الجاحدة لحق النبي
الأكرم (ص) وأهل بيته الطاهرين.
وتأكيداً على تلك الجريمة وثبت وقوعها، قد اهتم بتدوينها
المؤرخون في كتبهم، وهنا نعرض بعض الروايات على اختلافها البسيط،
والذي يعبر بعضها عن رؤية مختلفة من زاوية أخرى، وبعضها يعبّر عن
مزيد من المعلومات، وبعضها قد تحتمل فيها قراءة الراوي ذاته
للمشهد، ويبقى المضمون واحداً، وتحمل تعدد الروايات في متونها
شيئاً من التكامل.
وإليك بعض نصوص ما ورد في كتب التاريخ والسير في مقتل الطفل
الرضيع:
الرواية الأولى:
"لمّا فُجِع الحسينُ بأهل بيتهِ ووَلَده (أي عليّ الأكبر عليه
السّلام)، ولم يَبقَ غيرُه وغير النساء والذَّراري، قال: هل مِن
ذابٍّ يَذُبّ عن حرم رسول الله؟ هل مِن مُوحِّدٍ يخاف اللهَ فينا؟
هل مِن مُغيثٍ يرجو اللهَ في إغاثتنا؟
وارتفعت أصواتُ النساء بالعَويل، فتقدّم (عليه السّلام) إلى باب
الخيمة فقال: ناولوني عليّاً ابني الطفل (هو الاسم الآخر لعبد الله
الرضيع) حتّى أُودِّعه. فناولوه الصبيّ.[12]"
الرواية الثانية:
"قال المفيد: دعا ابنَه عبدَ الله، ثمّ جلس الحسين (عليه
السّلام) أمام الفسطاط فأُتيَ بابنه عبدِ الله بن الحسين (عليه
السّلام) وهو طفل، فأجلَسَه في حِجْره، فرماه رجلٌ من بني أسد
بسهمٍ فذَبَحه، فتلقّى الحسينُ (عليه السّلام) دمَه في كفّه، فلمّا
امتلأ كفُّه صَبَّه في الأرض ثمّ قال: يا ربّ، إن يكنْ حَبَسْتَ
عنّا النصرَ من السماء[13]، فاجعلْ ذلك لِما هو خيرٌ، وانتقِمْ لنا
مِن هؤلاء الظالمين[14].
الرواية الثالثة:
"ولمّا رأى الحسينُ (عليه السّلام) مَصارعَ فِتْيانهِ وأحبّته،
عَزَم على لقاء القوم بمهجته، ونادى: هل من ذاب يذب عن حرم رسول
الله (ص)؟ هل من موحد يخاف الله فينا؟ هل من مغيث يرجو الله
بإغاثتنا؟ هل من معين يرجو ما عند الله في إعانتنا؟
فارتفعت أصوات النساء بالعويل، فتقدّم إلى باب الخيمة وقال
لزينب: ناوِليني ولدي الصغير حتّى أُودّعَه. فأخذه وأومأ إليه
ليقبّله، فرماه حرملةُ بن الكاهل الأسديّ لعنة الله تعالى عليه
بسهمٍ فوقع في نحره، فذبحه.
فقال لزينب: خُذيه. ثمّ تَلقَّي الدم بكفَّيه، فلمّا امتلأتا
رمى الدمَ نحو السماء، ثمّ قال: هَوّنَ علَيّ ما نزلَ بي أنّه بعين
الله. قال الباقر (عليه السّلام): فلم يَسقُطْ من ذلك الدم قطرةٌ
إلى الأرض".[15]
قالوا: ثم قال: لا يكون أهون عليك من فصيل. (فصيل ناقة
صالح)[16] اللهم إن كنت حبست عنّا النصر فاجعل ذلك لما هو خير
لنا"[17].
الرواية الرابعة:
"فبقي الحسين فريداً وحيداً ليس معه ثان إلا ابنه علي رضي الله
عنه وهو يومئذ ابن سبع سنين، وله ابن آخر يقال له علي في الرضاع،
فتقدّم إلى باب الخيمة فقال: ناولوني ذلك الطفل حتى أودّعه!
فناولوه الصبي، فجعل يقبّله وهو يقول: يا بني! ويل لهؤلاء القوم إذ
كان غداً خصمهم جدّك محمد (ص).
قال: وإذا بسهم قد أقبل حتى وقع في لبّة الصبي فقتله، فنزل
الحسين ـ (ع) ـ رضي الله عنه عن فرسه وحفر له بطرف السيف ورماه
بدمه وصلّى عليه ودفنه"[18].
الرواية الخامسة:
"ودعا الحسين بابنه عبد الله وهو صغير فأجلسه في حجره فرماه رجل
من بني أسد فذبحه فأخذ الحسين من دمه فصبّه في الأرض ثم قال: رب إن
تكن حبست عنّا النصر من السماء فاجعل ذلك لما هو خير، وانتقم من
هؤلاء الظالمين"[19].
الرواية السادسة:
"وروي من طرق أخرى... زينب أخته ـ أخت الإمام الحسين (ع)، أخرجت
الصبي وقالت: يا أخي، هذا ولدك له ثلاثة أيام ما ذاق الماء، فاطلب
له شربة ماء.
فأخذه علي يده وقال: يا قوم قد قتلتم شيعتي وأهل بيتي، وقد بقي
هذا الطفل يتلظّى عطشاً، فاسقوه شربة من الماء.
فبينما هو يخاطبهم إذ رماه رجل منهم بسهم فذبحه.
فدعا عليهم بنحو ما صنع بهم المختار وغيره"[20].
الرواية السابعة:
"أنّه كان في مخيم الحسين (عليه السلام) ستّة أطفال وقفوا في
باب الخيمة وقد أضرّ بهم العطش، فاتلعوا برقابهم إلى الفرات،
يتموّج كأنّه بطون الحيّات، فجاءتهم السهام فذبحتهم عن آخرهم، وكان
الحسين قد تناول ولده الرضيع ليودعه أومأ إليه ليقبّله رماه حرملة
بن كاهل بسهم فذبحه، فتلقّى الحسين (عليه السلام) دم الطفل بكلتا
يديه، لمّا امتلأتا من الدم رمى به نحو السماء ثم قال: هوّن عليَّ
ما نزل بك أنّه بعين الله.
وقيل: أنّ الطفل كان مغمى عليه من شدّة العطش، فلمّا أحسّ
بحرارة السهم رفع يديه من القماط واحتضن أباه "[21].
الرواية الثامنة:
"إن الإمام ـ الحسين ـ (ع) أقبل إلى أم كلثوم بعد مقتل علي
الأكبر وقال لها: (يا أختاه، أوصيك بولدي الصغير خيراً، فإنه طفل
صغير، وله من العمر ستة أشهر).
فقالت له: يا أخي، إن هذا الطفل له ثلاثة أيام ما شرب الماء،
فاطلب له شربة من الماء، فأخذ الطفل ثم توجه نحو القوم وقال: (يا
قوم، قد قتلتم أخي وأولادي وأنصاري، وما بقي غير هذا الطفل، وهو
يتلظّى عطشاً، فاسقوه شربة من الماء).
فينما هو يخاطبهم إذ أتاه سهم مشئوم من ظالم غشوم.. فذبح الطفل
من الوريد إلى الوريد، أو من الأذن إلى الأذن)[22].
الرواية التاسعة:
أنّه لمّا قُتل العبّاس, تدافعت الرّجال على أصحاب الحُسين
(عليه السّلام) , فلمّا نظر ذلك نادى: (يا قوم, أما من مجير
يجيرنا؟ أما من مغيث يغيثنا؟ أما من طالب حقّ فينصرنا؟ أما من خائف
من النّار فيذّب عنّا؟ أما من أحد يأتينا بشربة من الماء لهذا
الطّفل؛ فإنّه لا يطيق الظّمأ؟). فقام إليه ولده الأكبر ـ وكان له
من العمر سبعة عشر سنة ـ فقال: أنا آتيك بالماء يا سيّدي. فقال:
امض بارك الله فيك. قال: فأخذ الرّكوة بيده، ثمّ اقتحم الشّريعة
وملأ الرّكوة وأقبل بها نحو أبيه , فقال:يا أبة, الماء لِمَن طُلب,
اسق أخي وإن بقى شيء فصبه علىَّ, فإنّي والله عطشان. فبكى الحُسين،
وأخذ ولده الطّفل فأجلسه على فخذه, وأخذ الرّكوة وقرّبها إلى فيه،
فلمّا همّ الطّفل أن يشرب أتاه سهم مسموم فوقع في حلق الطّفل,
فذبحه قبل أن يشرب من الماء شيئاً, فبكى الحُسين ورمى الرّكوة من
يده ونظر بطرفه إلى السّماء، وقال: (أللّهمَّ أنت الشّاهد على قوم
قتلوا أشبه الخلق بنبيّك وحبيبك ورسولك).
ثم جاء به نحو الخيام، فقال لزينب (ع) خذيه، وقيل أعطاه أم
كلثوم.
قال الشيخ محمد مهدي الحائري (رحمه الله): فاستقبلته سكينة:
وقالت: يا أبه، لعلك سقيت أخي الماء! فبكى الحسين (ع) وقال: هاكِ
أخاك مذبوحاً بسهم الأعداء.
قال بن الجوزي: فنودي من الهواء: (دعه يا حسين، فإن له مُرضاً
في الجنة)[23].
الرواية العاشرة:
"أما النساء فإنهن لما رأينه مخضباً بدمه، مذبوحا من الوريد إلى
الوريد، تصارخن وأعلن بالبكاء عليه، ثم قامت إليه عمته أم كلثوم،
ضمته إلى صدرها، وجعلت نحره على نحرها، وجرت عيونها ثم نادت: وا
محمداه وا علياه، ماذا لقينا بعدكما من الأعداء؟ وا لهفتاه على طفل
مخضب بدمائه، وا أسفاه على رضيع فطم بسهام الأعداء"[24].
الرواية الحادية عشر:
"وفي روضة الأحباب أن الإمام المظلوم رفع علياً الأصغر ووضعه
على مقدّم سرج الفرس وذهب قريباً من جيش الأعداء ونادى فيهم، يا
قوم إن كنت مذنباً كما تزعمون، فليس لهذا الطفل أي ذنب، اسقوه شربة
من الماء، فلم يبق في ثدي أمه اللبن من شدّة العطش، فأجابه القوم
أننا لا نسقيك ولا نسقي أولادك قطرة من الماء بدون إذن ابن زياد،
فرمى رجل من قبيلة أسد يقال له حرملة بن كاهل سهماً إلى الإمام
الحسين، وكان القضاء أن يصل السهم إلى حلق علي الأصغر، واستشهد
الطفل على ساعد الإمام الحسين"[25].
مشاهد مؤلمة أخرى
لقد تم تناقل بعض المشاهد المؤلمة الأخرى في قصة استشهاد الطفل
عبد الله الرضيع (ع)، وقد وردت في بعض الكتب التي تناولت الحادثة،
ونحن هنا ننقلها من مصادرها المعاصرة.
فقد "جاء في بعض كتب التاريخ: أن الإمام الحسين (ع) لمّا رجع
بالرضيع مذبوحاً إلى الخيام، رأى الأطفال والبنات ـ ومعهن أم
الرضيع ـ واقفات بباب الخيمة ينتظرنَ رجوع الإ ما، لعلّهن يحصلنَ
على بقايا من الماء الذي قد يكون الإمام سقاه لطفله.
فلمّا رأى الإمام الحسين ذلك، غيّر طريقه، وذهب وراء الخيام،
ونادى أخته زينب لتأتيَ وتمسك جثمان الرضيع، لكي يُخرج الإمام خشبة
السهم من نحر الطفل!!
ويعلم الله ماذا جرى على قلب الإمام الحسين وقلب السيدة زينب
(عليهما السلام) ساعة إخراج السهم من نحر الطفل.
ثم إن الإمام حفَر الأرض ودفن طفله الرضيع تحت التراب"[26].
ومما نقل "قال بعضهم: مع ذلك ـ أي مع بشاعة جريمتهم بقتل الطفل
بسهم على صدر والده ـ فقد عمد القوم إلى قبر الطفل الرضيع، فحفروه
وأخرجوه وقطعوا رأسه وحملوه مع الرؤوس وكان حامل رأسه حرملة بن
كاهل الذي ذبحه من الوريد إلى الوريد."[27]
بشاعة الجريمة
جريمة قتل الطفل الرضيع لم تكن جريمة كسائر الجرائم في التاريخ،
بل اتخذت موقعيتها في عظيم المصاب وشديد الألم، وبالغ أهميتها
وبشاعتها وعمقها من جهتين:
الجهة الأولى: لما تمثله من مكانة في واقعة كربلاء بشكل عام،
حيث كانت التعبير الأبلغ والأوضح لفساد القوم الذين تأمّروا على
رقاب المسلمين، واغتصبوا مقام الخلافة الإلهية، ومن ثم انتهكوا
حرمة الإمام الحسين (ع)، بقتله وقتل أبنائه وأصحابه، وإن قتلهم
الطفل الرضيع هو الإثبات الأقوى والحجة الأبلغ في حقانية ثورة
الإمام الحسين (ع) على الظالمين.
الجهة الثانية: أن جريمة الطفل الرضيع اكتملت فيها مشاهد
المأساوية، وحرارة الألم، ولوعة المصاب، لما تمثله من انتهاك لروح
بريئة لا يمكن أن يصل إليها الشك والتشكيك في عدم استحقاقها لما
أصابها من نهاية قاتلة، وبصورة بشعة كالتي جرت على الرضيع في
كربلاء.
فقتل الطفل بتلك البشاعة بدل أن يكون عامل تفوّق للأعداء، صار
عامل استحقاق لعنة دائمة للقاتلين، وبذلك فهو قد قلب الموازين التي
قد يحرّفها المحرّفون، ليخدعوا أصحاب العقول البسيطة والنفوس
المريضة، فلم يدع لهم مجالاً لذلك.. إلا من تمكّن الحرام من قلبه،
واستحوذ الشيطان على عقله.
حرارة المصاب
لقد تجمّعت عدة عوامل لتحفر في القلب أشد الألم، بمقتل الطفل
عبد الله الرضيع (ع)، وتلك العوامل هي الظروف التي أحاطت بالحدث
ورافقته، ولم يكن أي من تلك العوامل خافياً على الأعداء قبل وبعد
إقدامهم على الجريمة النكراء التي اسودت فيها وجوههم، ومن تلك
العوامل:
1/ معاناة السفر
لقد خرج الإمام الحسين (ع) بركبه المبارك متجهاً نحو العراق،
يوم التاسع من ذي الحجة عام 60 للهجرة، وسار الركب المكوّن من
الإمام الحسين (ع) وأخوته وبنيه وبني أخوته وبعض أصحابه، وترافقهن
النسوة مع أطفالهن الذين يتفاوتون في الأعمار، فمنهم الرضيع ومنهم
الصبي.
والطفل عبد الله الرضيع كان مع أمه الرباب، وهو ابن خمسة أشهر
تقريباً، واستغرق السفر شهراً كاملاً، متحملاً وعورة الطريق ووعثاء
السفر، وحال الاضطراب والخطر، فكان الركب يتحمل تلك المعاناة،
والرضيع يكون عليه ذلك الوضع أصعب وأشدّ، فهو يتأثر بتعب أمه التي
إن ضعفت ضعفت رعايتها، وإن عطشت قل در لبنها، إضافة إلى إعياء
الطفل وتعبه من عناء السفر، كصغير في السن.
فإن وقوع الجريمة وسفك دمه الطاهر وهو بتلك الحالة من الإعياء
والتعب، لهي جريمة مضافة إلى الجريمة.
2/ معاناة العطش والجوع
قبل أن ينفّذ جيش يزيد جريمته بقتلهم الطفل الرضيع، أقدموا على
ارتكاب عدة جرائم، ومنها أنهم منعوا الماء عن مخيم الإمام الحسين
(ع)، وضيّقوا على من فيه من الرجال والنساء والأطفال، وقد استمر
ذلك حسب بعض المؤرخين، ثلاثة أيام، والحال هذه تؤثر أيّما تأثير
على قوة الرجال وعزيمة الأبطال كما حصلت مع العباس بن علي (ع)،
وعلي الأكبر بن الإمام الحسين (ع)، والتأثير أكبر في الأطفال،
وخصوصاً الرضع منهم، حيث أنهم يتأثرون لعدم شربهم الماء بالعطش،
ويتأثرون من جهة أن أمهم لا يدر الحليب في ثييها، فلا تكون قادرة
على إرضاعه، ولأن الرضاعة تعتبر شرب وأكل بالنسبة للطفل، وهي
الغداء الأساسي والوحيد له، فإننا نتصوّر تلك المصيبة ومقدار الألم
الذي تجرّعه الطفل الرضيع (ع) قبل قتله.
وكما تقول السيدة زينب (ع) عندما سلّمته لوالده الإمام الحسين
(ع): خذ ولدك إنه يتلظّى عطشاً، واللظى هي النار واللهب الخالص،
وسميت جهنم باللظى لأنها أشدّ النيران[28]. فقلب الرضيع (ع) كان في
حالة يرثى لها من ألم العطش والجوع، فجوفه يشتعل نيراناً لعدم
حصوله على لبن أمه أو الماء ليطفئ بها حرارته، فما أقسى قلوبهم
التي استحوذ عليها الشيطان.
3/ حرارة الإصابة
لم يمت عبد الله الرضيع (ع) موتاً عادياً، بل كانت طريقة قتله
بشعة بكل المقاييس، فلا يمكن لنفس بشرية أن تُقدِم على ما أقدم
عليه هؤلاء القوم من التمادي في الغي والعدوان.
فقد تمّ قتله بسهم يودي بحياة الكبار، فضلاً عن الصغار، وكان
موضع السّهم في رقبته الحساسة الغضة الطرية، حيث اخترق السّهم
رقبته من الوريد إلى الوريد، وقد استشعر الرضيع ألم السّهم، وبرغم
أنه كان أقرب إلى الإغماء، إلا أن حرارة السّهم، أطلقت يده الناعمة
لتشقّ القماط ليحضن أباه، وقيل أن السّهم كان مسموماً، وهذا ما
يضاعف الألم أكثر وأكثر، فلعنة الله عليهم أجمعين، على الآمر
المتسبّب، وعلى القاتل المنفّذ، وعلى الراضي بفعلهم، فقد انسلخوا
من حسّ الإنسانية، وتفوقوا على البهائم والسباع، فهم أضل سبيلاً.
4/ مأساوية الحال
لقد أمعن القوم في زيادة مصيبة الرضيع (ع)، بأن قتلوه وضرّجوه
بدمائه بين يدي والده الذي أراد أن يودّعه، وداع عالم بأنه مقتول
بين يدي وحوش الأنس، وإذا به يصاب في ولده الرضيع ويراه مذبوحاً
بين يديه وعلى صدره الطاهر، قبل أن يرحل عنه، فسبق الرضيع والده
إلى المنية.
ومازاد على المأساة مأساة هو قتله بمرأى من أمه وعمته وأخواته،
أو برؤيتهم له بُعَيد القتل بلحظات وهو ينزف دماً عبيطاً، فتحوّلت
حالة انتظارهم سقي ذلك الطفل وارتوائه من الماء لتعود له الحياة
وتدبّ في أحشائه العافية، إلى حالة الثكل والفقد الأليم بمشهد دموي
يعلق في القلب ولا تنمحي آثاره بكرور الليالي والأيام، ما يدلّ على
أن أولئك القوم وأسيادهم لم تبق في قلوبهم أي ذرة من رحمة، ولا
صبابة من شفقة، ولا حس إنساني، تحوّلوا إلى شياطين في صورة أنس،
ألا لعنة الله عليهم أجمعين.
مأساة تستدرّ دموع المسيحي
يقول المرجع المدرسي: روى لي أحد الخطباء قصة... يقول فيها:
كنّا نقيم مجالس العزاء على الحسين (عليه السلام) في بلد أجنبي في
صالة نستأجرها كلّ عام، فسألني أحد الأشخاص المسيحيين قائلاً: إنكم
تأتون إلى هذه الصالة، وتستأجرونها سنوياً لتبكوا، في حين أن
الآخرين يستأجرونها لإقامة مجالس الأعراس والأفراح، فلماذا تفعلون
ذلك؟. فقلت له: لأننا في عزاء، فقال: عزاء من؟ فقلت: عزاء سيّدنا
وإمامنا وقائدنا. فقال لي: متى أصيب وكيف؟
فقلت: قبل ألف وأربعمائة عام. فتعجّب من ذلك، وأصابته الدهشة
لأننا مازلنا نبكي على رجل مات قبل مئات السنين.
فقلت له: إنّ مقتله لم يكن عادياً، فلقد قتل مظلوماً وبشكل
مأساوي بعد أن دعاه الناس، ووعدوه بالنصرة، فإذا بهم يخذلونه،
ويسلمونه للأعداء، ويحيطون به في صحراء قاحلة حيث لا ماء ولا طعام،
وحتى طفله الرضيع لم يسقوه شربة من الماء بل رموه بدلاً من ذلك
بسهم قاتل!
يقول الخطيب: وبعد أن شرحت للرجل المسيحي سبب بكائنا على الإمام
الحسين (عليه السلام) إذا به يجهش بالبكاء، وتتقاطر دموعه، ويظهر
تعاطفه معنا، ثم طلب منا أن نسمح له بأن يشاركنا في العزاء على أبي
عبد الله (عليه السلام)"[29].
عمق الجريمة وثقافة الإجرام
جريمة قتل الطفل الرضيع (ع) على أرض كربلاء لها أبعاد فكرية
وثقافية عامة، تجعلها من حيث النوع جريمة عميقة، فإن المداليل
الثقافية مهمة في معرفة نوع الجريمة، وفي الجريمة التي نحن بصدد
الحديث عنها، تحمل بين طياتها إضافة إلى ألأبعاد الأخلاقية التي
ذكرناها، بعدين آخرين، أكثر أهمية مما ذكر، وهما بعد انتهاك حقوق
الطفولة، وبعد التعدّي على ذرية رسول الله (ص)، وفي هذا القسم نسلط
الضوء على هذين البعدين:
1/ انتهاك الطفولة
من أوضح الانتهاكات التي لا يمكن أن تبرّر بأي حال من الأحوال،
هي انتهاك حقوق الأطفال، لأنهم النفوس البريئة التي لم تع ما يجري
حولها من الأحداث، وليست قادرة على اختيار مواقف لها، فهي في طور
النمو، فلم يجب عليها تكليف، ولا تُعزى إليها مهام، فهي أحوج ما
تحتاج إليه الرعاية من قبل المحيطين بها كالوالدين، بل وسائر أطراف
المجتمع هم مسئولون عن سلامة ورعاية الطفولة، لكي تأخذ حقها في
النمو وسط مجتمع صالح.
وقد جاءت الرسالة الإسلامية لتشرّع لهذا المسار وتدعم حق
الطفولة في الرعاية والعيش بسلام، فعن النبي (ص): "الولد سيد سبع
سنين، وعبد سبع سنين، ووزير سبع سنين.."[30].
وجاء عن أبي عبد الله (ع): "دع ابنك يلعب سبع سنين، ,ألزمه نفسك
سبع سنين.."[31]. ودعه هنا أي لا تلزمه بعمل يؤثر على حقوقه
الطبيعية في النمو، ولا تعكر صفو براءة الطفولة بالقسر والإلزام
بما يشق عليه.
وقد ورد من أخلاق النبي (ص) أنه يراعي لأولاد الآخرين حتى في
الصلاة، فعن أبي عبد الله (ع) قال: "صلّى رسول الله (ص) بالناس
الظهر فخفّف في الركعتين الأخيرتين فلما انصرف قال الناس: هل حدث
في الصلاة شيء؟
قال: وما ذاك؟
قالوا: خفف الركعتين الأخيرتين، فقال لهم: أو ما سمعتم صراخ
الصبي"[32].
فالنبي (ص) يستشعر بكاء الصبي الذي يحتاج إلى صدر أبيه وحنانه،
فيقوم بتخفيف الصلاة التي هي عمود الدين، لكي يعلّم الناس أهمية أن
يحصل الطفل على حقوقه كاملة دون أن ينقصها شيء.
وجاء القرآن الكريم مشرّعاً ومؤكداً على حقوق الطفل في آياته
الشريفة، كما في قول الله عزّ وجل: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ
أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ
الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ
وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ
وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ
لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ
أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ
جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ
أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّا
آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ
اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)[33].
وقد جعل الإسلام الكثير من حقوق الطفل ليرعاها الوالدان، ومنها
تغذيته، وتعليمه ما ينفعه في الدنيا والآخرة، وتدريبه على المهارات
الحياتية، ودعاه إلى ما يوجب حمايته غيبياً كأن يعقّ عنه بذبيحة
عند ولادته، لمزيد من الحماية الغيبية، وغيرها الكثير.
وفي الجانب القانوني العام استشعرت الدول بأهمية أن تعمل على
كفالة حقوق الطفل ورعايته، "وعقد أول مؤتمر للعناية بالأطفال في
الولايات المتحدة عام 1909م"[34]، وكذلك إعلان جنيف لحقوق الطفل
عام 1934م، والمعترف به في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وقد
صدرت اتفاقية حقوق الطفل عام 1989م، "وقد احتوت الاتفاقية على 54
مادة، شملت جميع حقوق الإنسان من مدنية وسياسية واقتصادية
واجتماعية وثقافية، إذ تقر الاتفاقية بعدم إمكان فصل التمتع بحق من
الحقوق دون غيره، وتؤكد أن ما يحتاجه الطفل من حرية لتنمية قدراته
العقلية والأخلاقية والروحية يتطلب أموراً، من بينها العيش في بيئة
سليمة وآمنة، مع توفير للرعاية الطبية ومعايير دنيا للغذاء والكساء
والمأوى.."[35].
النقاط البارزة في اتفاقية حقوق الطفل
لكل طفل حق أصيل في الحياة وتكفل الدول الأطراف إلى أقصى حد
ممكن بقاء الطفل ونموه.
تكفل الدول أن يتمتع كل طفل بكامل حقوقه دون التعرّض لتمييز أو
التفرقة أيا كان نوعها.
تكفل الدول جمع شمل الأسر بتيسيرها لأفراد هذه الأسر السفر
داخل حدودها أو خارجها.
تقع على عاتق الوالدين المسؤولية الأولى في تربية الطفل وتقدم
الدول لهما المساعدة اللازمة وتكفل تطوير مؤسسات رعاية الطفل.
تكفل الدول حماية الطفل من الضرر والإهمال البدني أو العقلي
بما في ذلك الإساءة الجنسية أو الاستغلال الجنسي.
للطفل الحق في أعلى مستوى ممكن بلوغه من الصحة.
تبذل الدول قصارى جهدها للقضاء على عمليات اختطاف الأطفال
والاتجار بهم.
لا ينبغي إشراك أي طفل دون الخامسة عشر في أعمال حربية، وتوفر
للأطفال الذين هم عرضة لنزاع مسلّح حماية خاصة[36].
فمن ذلك الوعي الحقوقي للطفل الذي أولاه الإسلام أهمية في
تشريعاته وتوجيهاته، ومن الشعور الفطري والإنساني الذي دعاهم
لكتابة اتفاقيات حقوقية تخصّ الطفل، ذلك الوعي يبيّن لنا مدى عمق
الجريمة التي ارتكبها بنو أمية متمثلة في جيش يزيد بقيادة عبيد
الله بن زياد وعمر بن سعد، ومشاركة العديد من القتلة وأصحاب النفوس
المريضة، كحرملة بن كاهل الذي قام بتسديد سهمه عامداً نوح عنق
الطفل عبد الله الرضيع ابن الإمام الحسين (ع)، بل لم يكن الرضيع هو
الطفل الوحيد الذي قتل في كربلاء، فقد قتل ابن العشر سنين والأقل
منه والأكثر.
إن تسالم البشرية من خلال الاستجابة إلى فطرتها في شأن براءة
الطفولة وعدم استحقاقها لأي شكل من أشكال الاعتداء، تبين لنا عمق
جريمة قتل الرضيع، ومن جانب آخر تثبت لنا مدى وحشية مرتكبي
الجريمة، وتعرّفنا بنوع ثقافتهم الدموية، التي لا تعرف أي معنى
لقيمة دينية أو إنسانية.
2/ التعدّي على ذرية النبي (ص)
وما يضيف إلى جريمة قتل الرضيع معنى أعمق، هو انتساب الرضيع إلى
النبي محمد (صلى الله عليه وآله)، فهو من أشرف سلالة على وجه
الأرض، حيث فضلهم الله تعالى على العالمين، وطهرهم تطهيراً، وإن
قتل الرضيع من سلالتهم الطاهرة، لهو تعد على أصل المنبت، وإساءة
إلى النبي وأهل بيته.
وإن هذا الجانب لا يقلل من انتهاك حقوق الأطفال الآخرين، وإنما
يضيف مداليل أخرى لهذه المصيبة، وهي حالة الكراهية والانتقام من
الرسول (ص) في أهل بيته الطاهرين، وهذه الجنبة تعطي هذه المصيبة ما
لن تجدها في غيرها من المصائب أبداً، باعتبار أن نبي الإسلام محمد
بن عبد الله (ص) هو الذي جاءهم بالرسالة التي انتشلتهم من وحل
الجاهلية إلى عز الإسلام، وأن رسول الله (ص) هو أعظم رجل في
التاريخ، وكل المسلمين يعتقدون أنه الأعظم في المخلوقات على
الإطلاق، فكان من الواجب حفظه في أهل بيته وفي ولده، لأن المرء
يكرم في ولده.
وقد أوصى النبي (ص) المسلمين أن يحفظوه في ولده، أن يحترموا
ذريته التي عرفها كل المسلمين بأنها منحصرة في ذرية الإمام علي (ع)
وفاطمة (ع) بنت رسول الله (ص)، وأن الطفل الرضيع (ع) هو ابن سيد
شباب أهل الجنة وريحانة رسول الله، وهو من أجلى المصاديق وأوضحها
في وصايا النبي (ص)، ولا يمكن لأي معاند أن يدّعي خلاف ذلك، فهو لم
يكن كبيراً حتى يمكن أن يلفّق له تهماً أو يؤخذ بجريمة مدّعاة،
فطفولته وسلالته تشهدان له، وتزكيانه.
ومما قال رسول الله (ص): "من صنع إلى أحد من أهل بيتي يداً
كافيته به يوم القيامة"[37].
وقال رسول الله (ص): أنا شافع يوم القيامة لأربعة أصناف ولو
جاءوا بذنوب أهل الدنيا: رجل نصر ذريتي، ورجل بذل ماله لذريتي عند
الضيق، ورجل أحب ذريتي باللسان والقلب، ورجل سعى في حوائج ذريتي
إذا طردوا أو شرّدوا"[38].
وجاء في كتاب صحيح البخاري، عن النبي (ص): "إن الله اصطفى كنانة
من ولد إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم،
واصطفاني من بني هاشم"[39].
فمن ذلك وجب على كافة المسلمين أن يحفظوا نبيهم (ص) في ولده
وذريته وأهل بيته، وأن يقدّموهم على أنفسهم، والحال أن الذي حدث هو
خلاف ذلك تماماً على أيدي بني أمية ومن أسّس أساس الظلم على أهل
البيت (ع)، ومن تبعهم على ذات النهج، وينقل لنا التاريخ، أن يزيد
بن معاوية قد استبشر عندما جاءوه برؤوس الحسين (ع) وشهداء كربلاء،
وقال شعره المشهور[40]:
ليت أشياخي ببدر شهدوا
جزع الخزرج من وقع الأسل
لأهلوا واستهلوا فرحا
ثم قالوا يا يزيد لا تشل
قد قتلنا القرم من ساداتهم
وعدلنا ميل بدر فاعتدل
لعبت هاشم بالملك فلا
خبر جاء ولا وحي نزل
لست من خندف إن لم أنتقم
من بني أحمد ما كان فعل
وتأكيداً على إرادتهم في إبادة ذرية النبي الأعظم (ص) وتواتر
حقدهم الدفين الذي اجترّوه من ثأرات الجاهلين، كانت مقولتهم (لا
تبقوا لأهل هذا البيت باقية)[41]، فأمر عمر بن سعد قائد الجيش،
حرملة بأن يسدّد سهامه حتى لأطفالهم الرضّع؛ لتحقيق هذا المأرب
الحاقد.
وبانتهاك الطفولة البريئة، وبانتهاك ذرية النبي الأعظم (ص)،
بأبشع صور القسوة والحقد والجهل والانحطاط، قد اكتملت في عملية قتل
عبد الله الرضيع (ع) كل فصول الجريمة، بل تحققت بذلك أبشع جريمة
تاريخية، وأكثرها مأساوية، وأبرزها في عملية كشف زيف الطغمة
الفاسدة كيزيد بن معاوية ومن لفّ لفه، ألا لعنة الله عليهم أجمعين
إلى قيام يوم الدين.
من المسئول عن الجريمة؟
جريمة قتل عبد الله الرضيع في كربلاء من أوضح الجرائم وأبلغها
في الكشف عن قسوة قلوب مرتكبيها، ومدى جهل وحقد المتسبّبين بها،
ولزاماً على كل من يرى حدثاً عابراً أمامه أن يتخذ منه عبرة، فما
بالك بمن يرى حدثاً مسبوقاً بتخطيط وبنوايا فاسدة، ومعه الإصرار في
تنفيذه، فهذا الحدث أولى بأن يتخذ عبرة ويستل منه الدروس، وأهم
النتائج التي يمكن أن يفضي بها الحدث من نوع جريمة قتل الطفل
الرضيع، لهي معرفة المتسبّبين ومعرفة المرتكبين لتلك الجريمة، لكي
يتم البراءة منهم ومن أفعالهم، بل واللعنة عليهم، باعتبارهم من
أبرز مصاديق من قاموا بأذية النبي (ص) في ولده، وقد قال تعالى:
(إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ
اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً
مُّهِيناً)[42].
كما أنهم بانتهاكهم الطفولة البريئة من أبرز من قال عنهم الله
تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ
بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً
مُّبِيناً)[43].
وبفعلهم ذاك قد انتهجوا الثقافة الفرعونية الطاغوتية، ففرعون
الذي قام بذبح الأطفال عدواناً على الرسالة الإلهية، فقد كان لنا
مثالاً في التاريخ يعرضه لنا القرآن الكريم ليكون من ثوابت
مقاييسنا تجاه أفعال الناس وسلوكهم، قال تعالى: (إِنَّ فِرْعَوْنَ
عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ
طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي
نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ)[44].
جريمة التأسيس لظلم أهل البيت (ع)
التأسيس للجريمة هو سنّها في الأمة، وإذا أصبحت سنّة يُعمل بها
اقتفاء لأثر من سنّها، وانتهاجاً لسبيله، ومماثلة لفعله، فسيكون
المؤسس هو المبتدع الذي يشارك في جنس العمل، جميعَ الخلق من الذين
يأتون بعده ويستنّون بسنّته التي سنّها، فإن كانت خيراً فسيوف يكون
له نصيب من الخير، وإن كانت شراً فسيكون له نصيب من الشر، وسيتحمل
وزر التأسيس، الذي هو من أكبر الأوزار لما فيه من استمرارية في بثّ
السوء ونشر الفساد حتى بعد وفاته.
ويدلّ على ذلك ما جاء عن الرسول (ص) في كتب المسلمين عامة من
قول: (من سنّ في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها من
بعده لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان
عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده لا ينقص ذلك من أوزارهم
شيئا)[45].
فعوداً لجذور المأساة التي حصلت في كربلاء وسفك دماء أهل البيت
(ع)، سنرى أنه لم يكن حدثاً مبتوراً عن سياق التاريخ، فإن هناك من
أسّس لهذا النوع من الظلم، وهو أفضع ظلم قد تم ارتكابه، حيث أن نبي
الإسلام الذي جاء ليخرجهم من الجهالة وحيرة الضلالة إلى نور الهدى
والتوحيد، أوصى بأهل بيته خيراً، ولم يطلب لقاء جهوده الجبّارة من
القوم شيئاً، إلا أن يبرّوه في أهل بيته، وقد ثبّت الله تعالى هذه
الحقيقة في القرآن الكريم، لكي لا يعمد إليها المحرفون، ولكي لا
تندرس مع تقادم الأزمان، حيث قال تعالى على لسان نبيه (ص): (ذَلِكَ
الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا
الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ
لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ)[46].
فمع ذلك التأكيد من الله تعالى ومن نبيه إلا أن زمرة النفاق
وطغمة الفساد أبت إلا أن تجحد ما عرفت من الحق في أهل البيت (ع)،
وانقلبوا على أعقابهم بعد انتقال النبي (ص) إلى ربه جل وعلا،
فاغتصبوا حق أهل البيت (ع) وتقمصوا مكانتهم، واحتلوا بقاعهم، ثم
جاء من بعدهم خلف اقتفى أثرهم واحتذى حذوهم حذو النعل بالنعل
والقذة بالقذة، فارتقوا منابرهم، وأوغلوا في ظلم أهل البيت (ع)،
وتشريد أوليائهم وأنصارهم، فصارت سنّة واضحة لدى كل من لديه طموح
تسنّم الخلافة وسرقة إمارة المسلمين.
فأولئك الأوائل الذين نهبوا حق أهل البيت (ع) ومارسوا الظلم في
حقهم بكل أنواعه، لهم أول من يتحمّل مسؤولية المآسي في كربلاء،
وعلى رأسهم مأساة قتل الطفل عبد الله الرضيع (ع)، فحرملة جاء
مقتفياً أثر من قبله من المفسدين.
لذلك يقول كل زائر للإمام الحسين (ع) عن قاتلي الإمام الحسين
(ع) ومن معه بما فيهم الطفل الرضيع: (فَلَعَنَ الله اُمَّةً
أَسَّسَتْ أَساسَ الظُّلْمِ وَالجَوْرِ عَلَيْكُمْ أَهْلَ
البَيْتِ، وَلَعَنَ الله اُمَّةً دَفَعَتْكُمْ عَنْ مَقامِكُمْ
وَأَزالَتْكُمْ عَنْ مَراتِبكُمُ الَّتِي رَتَّبَكُمُ الله
فِيها..)[47].
يزيد يحمل راية الانتهاكات
لقد حذّر النبي (ص) المسلمين من آل أبي سفيان، وقد قال الإمام
الحسين (ع): على الإسلام السلام إذا ابتليت الأمة براع مثل يزيد،
ولقد سمعت جدي رسول الله (ص) يقول: (الخلافة محرّمة على آل إبي
سفيان، فإذا رأيتم معاوية على منبري فابقروا بطنه، وقد رءآه أهل
المدينة على المنبر فلم يبقروا بطنه فابتلاهم الله بيزيد
الفاسق)[48]. وقد قال الإمام الحسين (ع) من قبل هذه الكلمة عن
معاوية في مؤتمر منى في الحج: (أما بعد فإن الطاغية قد صنع بنا
وبشيعتنا ما قد علمتم ورأيتم وشهدتم..)[49].
ويزيد من أهم المجرمين الذي يتحملون وزر قتل الطفل الرضيع (ع)،
لأنه هو الذي أعلن الحرب على الإمام الحسين (ع) وأمر بقتله، "فلّما
توفي معاوية بن أبي سفيان ـ وذلك في رجب سنة ستين من الهجرة ـ كتب
يزيد بن معاوية إلى الوليد بن عتبة وكان أميراً بالمدينة يأمره
بأخذ البيعة له على أهلها، وخاصّة على الإمام الحسين بن علي (ع)،
ويقول: إن أبى عليك فاضرب عنقه وابعث إليّ برأسه"[50].
فيزيد قد حمل راية من قبله ممن أسّس أساس الظلم والجور على أهل
البيت (ع)، وأمر بقتل الإمام وبقطع رأسه صراحة، إلى أن وصل ركب
الإمام الحسين (ع) إلى كربلاء، ومن معه من أهله وأصحابه، ومن أولئك
الطفل عبد الله الرضيع (ع)، فقد قامت جيوش يزيد وبأيدي عمّاله من
عبّاد المال، والتسلّط، ممن لم يدخل الإيمان قلوبهم قط، قامت بقتل
الإمام ومن معه، بما فيهم عبد الله الرضيع (ع)، دون رحمة أو وازع
من دين أو فطرة، فتحمّلوا مع قائدهم يزيد وزر دم الرضيع (ع).
فإن يزيد لعنه الله ومن باشروا قتل الطفل الرضيع ومن رضا بذلك
بعد أن سمع به، كلهم شركاء مع الذين أسّسوا أساس الظلم على أهل
البيت (ع)، وقد قال الإمام الحسين (ع) وهو يحمل الطفل الرضيع عند
خيمته في كربلاء قبيل قتله: "يا بني! ويل لهؤلاء القوم إذ كان غداً
خصمهم جدّك محمد (ص)".
الموقف الرسالي
فأمام حقائق التاريخ الواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، لابد
أن يكون هنالك وضوح في الموقف الرسالي لمن يقرأ التاريخ، ويتصفح
المظالم التي وقعت فيه، ويقف وقفة صادقة مخلصة مع قلبه وعقله،
فيتخذ المجرمين أعداء، فلا يكفي أن يؤمن إيماناً قلبياً بالحقائق،
إذ لابد أن يتبع ذلك موقف، فإن الله تعالى يقول: (إِنَّ
الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا
يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ)[51]، ومن
يتخذ المجرم عدواً فهذا يعني أن يعلن البراءة منه، ومن أفعاله،
ويقف مع المظلوم ويحمل رايته.
وفي حادثة عظيمة كحادثة قتل الطفل الرضيع (ع)، تحتّم على
العاقل أن يجري مع الأمور إلى اكتشاف عمق الجريمة، وإلى اكتشاف
المتسببين والمؤسسين لهذا النوع من الجرائم في حق أهل بيت النبوة،
وفي زيارة عاشوراء تأخذنا النصوص إلى هذه الحقيقة من الاعتبار من
التاريخ ومن مآسيه وجراحاته، حيث جاء فيها:
"يا أَبا عَبْدِ الله لَقَدْ عَظُمَتِ الرَّزِيَّةُ وَجَلّتْ
وَعَظُمَتِ المُصِيبَةُ بِكَ عَلَيْنا وَعَلى جَمِيعِ أَهْلِ
الإسْلامِ، وَجَلَّتْ وَعَظُمَتْ مُصِيبَتُكَ فِي السَّماواتِ عَلى
جَمِيعِ أَهْلِ السَّماواتِ، فَلَعَنَ الله اُمَّةً أَسَّسَتْ
أَساسَ الظُّلْمِ وَالجَوْرِ عَلَيْكُمْ أَهْلَ البَيْتِ، وَلَعَنَ
الله اُمَّةً دَفَعَتْكُمْ عَنْ مَقامِكُمْ وَأَزالَتْكُمْ عَنْ
مَراتِبكُمُ الَّتِي رَتَّبَكُمُ الله فِيها، وَلَعَنَ الله
اُمَّةً قَتَلَتْكُمْ وَلَعَنَ الله المُمَهِّدِينَ لَهُمْ
بِالتَّمْكِينِ مِنْ قِتالِكُمْ، بَرِئْتُ إِلى الله وَإِلَيْكُمْ
مِنْهُمْ وَمِنْ أَشْياعِهِمْ وَأَتْباعِهِمْ
وَأَوْلِيائِهِمْ"[52].
فالمصائب والمآسي لابد أن توقظ الضمائر، وتحي النفوس، وتهدي
العقول، للوصول إلى الحق، واكتشاف رجالات الحق، لكي ينتهج سبيلهم
ويقتفي أثرهم، ثم لا يسقط في ذات الوحل في حياته المعاصرة مع
الظالمين والمجرمين الذين يستعبدون الناس وينتهكون حرياتهم، فيعمل
على تقويض سلطتهم، ويعمل في سبيل إحقاق الحق وتحقيق العدالة.
قاتل الرضيع ومصيره
لقد اشتهر أن المباشر لقتل عبد الله الرضيع (ع) بالسّهم، هو
حرملة بن كاهل لعنه الله، وبذلك جاءت العديد من روايات المؤرخين،
إلا أن هنالك أسماء عديدة ذكرت لقاتل الرضيع أيضاً، ومنها:
قتله رجل من بني أسد. يقال له (ابن موقد النار)[53].
وقيل عقبة بن بشر[54].
ونقل بن الجوزي "وقتل عبد الله بن بقطر رضيع الحسين"[55].
وعن الجزري "قتله هانئ بن ثبيت الحضرمي"[56].
ونقل ابن الجوزي الحنفي "قتله هاني بن ثابت الحضري"[57].
ويبدوا أن هاني هذا هو نفسه هانئ بن ثبيت الحضرمي مع اختلاف
كتابة اسمه ونسبة موطنه حضرموت.
كما يبدو أن الذي قتله هانئ بن ثبيت، هو غلام آخر في كربلاء،
فقد روى ابن كثير الدمشقي عن هانئ بن ثبيت نفسه قوله: (إني لواقف
يوم مقتل الحسين عاشر عشرة ليس منّا رجل إلا على فرس، إذ خرج غلام
من آل الحسين وهو ممسك بعود من تلك الأبنية، وعليه إزار وقميص، وهو
مذعور يلتفت يميناً وشمالاً، فكأني أنظر إلى درتين في أذنيه
تذبذبان كلما التفت، إذ أقبل رجل يركض فرسه حتى إذا دنا من الغلام
مال عن فرسه ثم أخذ الغلام فقطعه بالسيف.
قال هشام السكوني: هانئ بن ثبيت هو الذي قتل الغلام، خاف أن
يعاب ذلك عليه فكنّى عن نفسه)[58].
من الواضح أن ما ورد في هذه الرواية أن الذي قتله بن ثبيت ليس
رضيعاً وإنما هو صبي يمشي، فلعل الأمر اشتبه بين هذا الصبي للحسين
وبين رضيع الحسين عبد الله، وذلك الصبي اسمه عبد الله بن علي (ع).
وقد ورد في زيارة الشهداء المروية عن الإمام الحجة (عجل الله
فرجه) أن الذي قتله هانئ هو عبد الله بن أمير المؤمنين (ع)، كما في
نصها: "السلام على عبد الله بن أمير المؤمنين، مبلى البلاء،
والمنادي بالولاء، في عرصة كربلاء، المضروب مقبلا ومدبرا، لعن الله
قاتله هانئ بن ثبيت الحضرمي"[59].
ومع ذلك الاختلاف إلا أن الأقوى أن المباشر لقتل الرضيع (ع) هو
حرملة بن كاهل، لذكر العديد من الروايات له، وأيضاً باسمه صرّح
الإمام الحجة المهدي المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) في نص زيارة
الشهداء المروية عنه، فقد جاء فيها: (لعن الله راميه حرملة).
مصير قاتل الرضيع في الآخرة
في الآخرة تتم العدالة الإلهية وتبسط عزّة الله على الظالمين،
فيقتص من الظالم للمظلوم، فكل أعمال العباد في كتاب لا يغادر صغيرة
ولا كبيرة إلا أحصاها، ومن أظهر المواقف التي ستعلن على رؤوس
الأشهاد هي جرائم انتهاك الطفولة ووأدها وسفك دمها، وهي التي لم
تكن قادرة على أن تدفع عن نفسها الأذى في الدنيا، فيكون الله تعالى
بجبروته هو الحكم والمقتص لهم، يقول تعالى تعبيراً عن هذا الحدث في
الآخرة: (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ. بِأَيِّ ذَنبٍ
قُتِلَتْ)[60]، هنالك يجرّع ظالم الطفولة غصص الإهانة، ثم أليم
العذاب.
وليس من شك أن من أكثر الناس عذاباً في الآخرة هو قاتل الطفل
الرضيع (ع)، لأن خصيمه سيكون رسول الله (ص) كما صرّح بذلك الإمام
الحسين (ع) قبيل مقتله، ولأن الجريمة كانت عظيمة في مأساويتها،
ولأن الطفل هو طفل مبارك وأشبه الناس برسول الله (ص)، وابن الإمام
الحسين (ع)، كما أن دوافع قتله كانت تحمل في طياتها الحقد على أهل
بيت النبوة، لذلك فإن عذاب الآخرة لقاتل الطفل عبد الله الرضيع (ع)
سيكون أشدّ العذاب.
ويكفي أن ننقل رواية واحدة عن عذاب الآخرة لقتلة الإمام الحسين
(ع) ومن فيهم قاتل الرضيع (ع)، فقد روى الصدوق في (العيون) بأسانيد
ثلاثة معتبرة عن الرضا (ع) عن آبائه (ع)، قال: "قال رسول الله (ص):
إن قاتل الحسين بن علي في تابوت من نار، عليه نصف عذاب أهل الدنيا،
وقد شدّ يداه ورجلاه بسلاسل من نار، منكّس في النار حتى يقع في قعر
جهنّم، وله ريح يتعوّذ أهل النار إلى ربهم من شدّة نتنها، وهو فيها
خالد ذائق العذاب الأليم مع جميع من شايعه حتى يذوقوا العذاب
الأليم على قتله، كلّما نضجت جلودهم بدّل الله عزّ وجلّ عليهم
الجلود غيرها حتى يذوقوا العذاب الأليم لا يفتر عنهم ساعة، ويسقون
من حميم جهنم، فالويل لهم من عذاب النار"[61].
المختار ينتقم للطفل الرضيع
لم يكن ليفر أي مشارك في واقعة كربلاء من العقاب الدنيوي،
لعظيم الوزر الذي اقترفوه، ولأن الإمام الحسين (ع) قد دعا عليهم،
فلم يستقر بهم مقام، ولم يهنئ لهم بال، ولم يحصل أحد منهم ما
ابتغاه لقاء مشاركته في قتل الإمام الحسين (ع) ومن معه، ولقد دعا
الإمام الحسين (ع) على القوم بأن يفعل بهم الله تعالى بمثل ما
فعلوا ومارسوا في كربلاء على الإمام الحسين (ع) وأنصاره وأبناءه
ونسائه، وقد كان دعاء الحسين (ع) عليهم عندما قتلوا الرضيع (ع) وهو
بين يديه، حيث جاء في التاريخ: "فبينما هو يخاطبهم إذ رماه رجل
منهم بسهم فذبحه. فدعا عليهم بنحو ما صنع بهم المختار وغيره"[62].
فعلى يد المختار استجاب الله تعالى دعاء الإمام الحسين (ع) في
قاتليه، وبه انتقم الله من قتلة الحسين وأصحاب الحسين (ع)، وقد قال
الإمام الباقر (ع) بعد أن اختلط على بعض الناس أمر المختار: (لا
تسبّوا المختار، فإنه قد قتل قتلتنا وطلب بثأرنا وزوّج أراملنا،
وقسّم فينا المال على العسرة)[63].
والمختار بن أبي عبيدة بن مسعود الثقفي "الذي كان من القادة
العسكريين الذين فتحوا العراق وكان والده أحد أصحاب النبي (ص)،
وأحد قادة حروبه.. تربّى في بيت والده الصحابي الجليل أبي عبيدة بن
مسعود الثقفي، الذي كان من الموالين للإمام علي (ع) وكان يراه أحق
بالخلافة، وكان المختار رجلاً رسالياً.. وقد حكم المختار فترة من
الوقت، وكان حكمه بصدق عودة الحكم الرسالي بعد غياب طويل منذ حكم
الإمام علي (ع)، ولقد قتل في حركته أغلب من اشترك في قتل الإمام
الحسين (ع) من بن زياد إلى عمر بن سعد وشمر بن ذي الجوشن، وبعض
أشراف الكوفة وغيرهم"[64].
لقد اقتصّ المختار من قاتل عبد الله الرضيع ابن الإمام الحسين
(ع)، وهو حرملة بن كاهل (لعنه الله)، ويروي لنا المنهال بن عمرو
شهادته على كيفية انتقام المختار من قاتل عبد الله الرضيع، ويقول:
"دخلت على زين العابدين (عليه السلام) أودّعه وأنا أريد
الانصراف من مكة، فقال: يا منهال، ما فعل حرملة بن كاهل؟
وكان معي بشر بن غالب الأسدي، فأخبره أنه حي بالكوفة، فرفع يديه
وقال: اللهم أذقه حر الحديد، اللهم أذقه حر النار.
قال المنهال: وقدمت الكوفة وقد ظهر المختار، وكان لي صديقا،
فركبت إليه فلقيته خارجاً من داره فقال: يا منهال لم تشركنا في
ولايتنا هذه، فعرّفته إني كنت بمكة، فمشى حتى أتى الكناس، وقف كأنه
ينتظر شيئا فلم يلبث أن جاء قوم فقالوا الشر؟
أيها الأمير ققد أخذ حرملة، فجيء به.
فقال ـ المختار لحرملة ـ: لعنك الله، الحمد لله الذي أمكنني
منك، ثم قال: الجزّار الجزّار، فأتي بجزار فأمره بقطع يديه ورجليه،
فقطعهما، ثم قال: النار النار، فأتي بنار وقصب فاحرقه.
فقلت سبحان الله، سبحان الله.
فقال ـ المختار ـ: إن التسبيح لحسن، لِمَ سبّحت؟
فأخبرته بقول زين العابدين (عليه السلام).
فقال لي: أسمعتَ علي بن الحسين (علهيما السلام) يقول هذا؟
فقلت: والله لقد سمعته، فنزل عن دابته وصلّى ركعتين وأطال
السجود وركب وقد احترق حرملة، وسار فحاذى داري فطلبت منه أن ينزل
ويأكل من طعامي.
فقال تعلمني أن علي بن الحسين (ع) دعا بأربع دعوات فأجابه الله
على يديَّ، ثم تدعوني إلى الطعام! هذا يوم صوم، شكراً لله تعالى،
فقلت أحسن الله توفيقك"[65].
وينقل ابن طاووس انتقام المختار من قاتل الرضيع، حيث يذكّره
بقتله طفلاً صغيراً، ويقول: "وأما حرملة فلمّا رآه المختار بكى
وقال: يا ويلك أما كفاك ما فعلت حتى قتلت طفلاً صغيراً وذبحته
بسهمك يا عدو الله، أما علمت أنه ولد النبي؟! فأمر به فجعلوه مرمى،
فرماه بالنشاب حتى مات، لا رحمه الله"[66].
"وقيل إنه لمّا نظر المختار إلى حرملة قال: الحمد لله الذي
مكنني منك يا عدوّ الله، ثم أحضر الجزّار فقال له: اقطع يديه
ورجليه، فقطعها، ثم قال: عليّ بالنار، فأحضرت بين يديه، فأخذ
قضيباً من حديد وجعله في النار حتّى احمرّ، ثم ابيضّ، فوضعه على
رقبته، فصارت رقبته تحبوش من نار وهو يستغيث حتّى قطعت رقبته"[67].
فقد انتقم الله تعالى من قاتل عبد الله الرضيع في الدنيا قبل
الآخرة، حيث حلّت عليهم النقمة لسوء ما ارتكبوا.
شهادة الرضيع دلالات وبركات
لقد احتلّ عبد الله الرضيع (ع) مكانة عالية بعد استشهاده،
وبفضل ذلك المصاب وذلك الدم المراق من نحره، صار مناراً وهدى
وسفينة للنجاة وباباً للحوائج، فذلك الحدث التاريخي لم تقبره
السنين وتقلباتها، ولم تتمكّن يد التحريف من محو آثاره، ولم يستطع
الطغاة أن يدرسوا أثره، أو يمنعوا بركاته على كل من عرفه.
1/ الرضيع شاهد على الأمة
عبد الله الرضيع (ع) كان أصغر شهيد في كربلاء فأصبح أكبر شاهد
فيها، لقد كانت شهادة الرضيع في كربلاء معلومة لدى الإمام الحسين
(ع)، فهو يعلم علماً يقينياً بمصارع أصحابه ومن معه، وقد كانت
مسيرته بتخطيط إلهي، ومعرفة من الإمام، وكل حركة فيها ذات مضامين
وأهداف.
فقد روى ابن بن طاووس عن الواقدي وزرارة بن صالح قالا: لقينا
الحسين بن عليّ (عليهما السلام) قبل أن يخرج إلى العراق بثلاث
ليال، فأخبرناه بضعف الناس في الكوفة، وأنَّ قلوبهم معه وسيوفهم
عليه! فأومأ بيده نحو السماء ففتحت أبواب السماء، ونزل من الملائكة
عدد لا يحصيهم إلاّ الله، وقال: لولا تقارب الأشياء وحبوط الأجر
لقاتلتهم بهؤلاء، ولكن أعلمُ علماً أنّ من هناك مصعدي، وهناك مصارع
أصحابي، لا ينجو منهم إلاّ ولدي عليٌّ !)[68].
وكذلك قول الإمام الحسين (ع) لأخيه محمد بن الحنفية عندما سأله
ما حداك على الخروج عاجلاً ـ من مكة إلى الكوفة ـ (أتاني رسول الله
(ص) بعدما فارقتك فقال: يا حسين، أخرج، فإن الله قد شاء أن يراك
قتيلاً.
فقال محمد بن الحنفية: إنا لله وإنا إليه راجعون، فما معنى حملك
هؤلاء النساء معك وأنت تخرج على مثل هذا الحال؟
فقال له الإمام (قد قال لي ـ رسول الله (ص) ـ إن الله قد شاء أن
يراهنّ سبايا)[69].
فمعرفة الإمام (ع) بما سيجري في كربلاء معرفة تامة غير ناقصة،
ويعي تماماً ما ترمي إليه، وما سوف تأول إليه الأمور، فمن أهم
أهداف حمله للطفل الرضيع وسائر الأطفال هو ليثبت للعالم مدى
الانحراف الذي أصاب الأمة، ومدى انقلاب الولاة على أعقابهم بعد
رسول الله (ص)، ومدى الحقد والفساد الذي يسيرون فيه، فإن قتلهم
الأطفال دون وازع من دين، ودون شعور من فطرة، لهو خير دليل على أن
الفساد قد نخر في عقولهم وتمكّن من نفوسهم، فلا يستحقون البقاء،
وحرام على كل ذي ضمير أن يبايعهم أو يشايعهم أو يؤيدهم بأي نحو من
الإنحاء، بل توجّب على الأحرار في كل مكان، وفي كل زمان أن يتبرءوا
منهم ومن أفعالهم، فهذه كانت شهادة واضحة لعبد الله الرضيع (ع) على
الأمة إلى قيام الساعة.
كما أن أخذ الطفل الرضيع إلى كربلاء هو ملازم لحمل النساء التي
شاء الله أن يراهن سباياً، وبهم تتحقق المعاني الإعلامية في ثورة
الإمام الحسين (ع)، فلا يمكن للأم أن تترك ابنها وهو في سنّ
الرضاعة، وبغض النظر عن أي حسابات أخرى، فإن أخذ الإمام الحسين (ع)
الرضيع إلى معسكر الأعداء طلباً للماء هو واجب على أبيه، ومن حق
الطفل أن يحصل على الماء، ولكن القوم أظهروا مدى حقدهم على أهل
البيت (ع) حتى في صغارهم.
وتمضي شهادة الطفل الرضيع على الأمة قائمة إلى يوم القيامة،
حيث أن المشهد المأساوي وملابسات المعركة، تعطي الإنسان وعياً
أصيلاً لكي لا يكون عبداً للمال، ولا يكون عبداً للطغاة والمفسدين
ولاة الجور، وأن يكون في كل عصر خصماً للظالم، وعوناً للمظلوم،
وبشهادة الطفل الرضيع تمّت المصادقة على أصالة حرية الإنسان
وكرامته، فلا يساوم عليها عاقل عند سلاطين الجور وأئمة الكفر، مهما
بلغ به الأمر، ولو كلّف ذلك حياته.
راية المظلومية
وللاستفادة من شهادة الطفل الرضيع على الأمة، فإن من الضرورة
الاستفادة من هذه المأساة ونشر هذه المظلومية في الجانب الإعلامي،
وفي إحياء الشعائر، لكي يتم استظهارها من أجل الوصول إلى الحق،
ويمكن ذلك من خلال التنوّع في طرح مصيبة الطفل الرضيع ونشرها بكافة
أنواع الأدوات الإعلامية.
نقل المرجع الراحل الكبير السيد محمد الشيرازي عن الميرازا
الشيرازي: (كان الميرزا الشيرازي (رحمه الله) دائماً ما يوصي خطباء
المنبر بقراءة مصيبة عبد الله الرضيع (ع) كلّما استطاعوا ذلك، وفي
أيام المحرم كان يوصي الوعّاظ وخصوصاً خطباء المنبر بقراءة مصيبة
الطفل الرضيع (عليه السلام) أكثر، لأن الميرزا كان يعتبر مصيبة
الرضيع (ع) سنداً (ودليلاً) لمظلومية سيد الشهداء (ع)، كيف لا وذلك
الطفل لم يكن قادراً على حمل سيف ولا على التكلّم ولا الدفاع عن
نفسه، فأي دليل يمكن الحصول عليه أكبر من هذا الدليل الذي يضيء
ظلمة التاريخ ويوصل مظلومية والده (ع) إلى أهل هذا العالم إلى يوم
القيامة)[70].
2/ الرضيع (ع) ومنازل الآخرة
لم يخسر الطفل الرضيع (ع) حياته، كما يظن البعض بأن الجهاد هو
طريق التهلكة، فللجهاد بعد في بناء الحضارة وقيام للحق ومبادئ
الدين، وهو" يشكّل نقطة قوة كبيرة لمصلحة المسلمين، وهو حسب تعبير
الإمام علي (ع) (ذروة الإسلام وسنامه)، وبه تقام بقية الفرائض..
فإذا تعرّض للنسيان فلا تقوم للإسلام قائمة"[71].
ومن جانب آخر للجهاد نتيجة في الآخرة، فإن المجاهدين عند ربهم
حيث يرثون الفردوس، والشهداء خصوصاً لهم مكانة عالية في الجنة،
والحياة الآخرة هي هدف الخلق ودعوة الرسالات، وفيها استقرار
الإنسان، (وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى)[72]، ويقول تعالى:
(الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ
بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ
وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ)[73].
وإن استشهاد عبد الله الرضيع (ع) في كربلاء، كان له أجر الشهادة
الكبير، وأجر الشهادة مع الإمام الحسين (ع) الذين يتميّزون عن
سواهم بعظيم المنزلة ورفعتها، فقد جاء بإسناد معتبر عن أبي بصير عن
الصادق (ع) قال: (ما من شهيد إلا وهو يحب لو أنه كان مع الحسين بن
علي (ع) حيّاً حتى يدخلون الجنة معه)[74].
مع الرضيع يوم القيامة
ولقد جاءت الروايات في أن زائر الإمام الحسين (ع) في عاشوراء
ومن يبيت عنه في كربلاء ليلة عاشوراء يحصل على مقام كبير ويحشر
ملطّخاً بدمه مع الإمام الحسين (ع)، أي مع من استشهد بين يديه،
ومنهم الطفل الرضيع (ع)، فقد ورد عن جابر الجعفي، أنه قال: "دخلت
على جعفر بن محمد (ع) في يوم عاشوراء، فقال لي هؤلاء زوار الله وحق
على المزور أن يكرم الزائر، من بات عند قبر الحسين (ع) ليلة
عاشوراء لقي الله يوم القيامة ملطّخاً بدمه كأنما قتل معه في
عرصته".
وقال: من زار قبر الحسين (ع) ليوم عاشوراء وبات عنده كان كمن
استشهد بين يديه".
وورد عنهم (ع): من زار قبر الحسين (ع) يوم عاشوراء كان كمن
تشحّط بدمه بين يديه.
"ومن سقى يوم عاشوراء عند قبر الحسين (ع) كان كمن سقى عسكر
الحسين (ع) وشهد معه"[75].
3/ الرضيع وفصيل ناقة صالح
لقد ورد أن الإمام الحسين (ع) قال بعد مقتل الطفل الرضيع بين
يديه: " لا يكون أهون عليك من فصيل ناقة صالح". أي يارب لا يكون
مقام الطفل الرضيع أقل شأناً لديك من فصيل ناقة النبي صالح (ع)،
الذي يروى أنهم بعد أن قاموا بقتل الناقة التي أمرهم الله برعايتها
وكانت آية لهم وفتنة وامتحان لإيمانهم، عمد "جماعة منهم أربعة
تبعوا فصيلها لمّا هرب منهم، فرماه أحدهم بسهم فأصابه في قلبه فسقط
على الأرض، ثم جرّوه برجليه وأنزلوه ووضعوا لحمه مع لحم أمه،
واقتسموه بينهم.."[76].
وقد استحقوا بقتلهم الناقة وفصيلها وتعدّيهم وجرأتهم على الله
تعالى على آياته، العذاب المدّمر، الذي أبادهم عن آخرهم، ولم يدع
لهم من باقية، فشمل العذاب المتآمرين، والمنفذين، والراضين بذلك
الفعل، (فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم
بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا)[77].
وعند مقتل عبد الله الرضيع، أخذ الإمام الحسين (ع) دمه بكفه
الشريفة، ورمى به إلى السماء، وقال الإمام الباقر (عليه السّلام):
فلم يَسقُطْ من ذلك الدم قطرةٌ إلى الأرض".[78] وقد جاء في زيارة
الشهداء عن الإمام الحجة (عج) عند السلام على الرضيع، قوله:
(المصعّد دمه في السماء)، ويبدوا أن لدماء الرضيع أثراً كبيراً
فيما لو وقعت على الأرض، فلعل النقمة ستعم والعذاب سيقع كما وقع
على قوم صالح، إلا أن الإمام الحسين (ع) رمى به إلى السماء، لتكون
شهادته في أعلى عليين، ويخفف على أهل الأرض.
ومع ذلك فإن الإمام الحسين (ع) قد دعا على القوم الظالمين
خاصّة بأن يريهم الله تعالى أليم عذابه في الدنيا قبل الآخرة، وكان
الدعاء بعد مقتل الطفل الرضيع، وهذا ما حصل، فإن كل من دعا عليه
الإمام (ع)، لقي حتفه بالطريقة التي دعا بها عليه، ومماثلاً لما
كسبت يداه على أرض كربلاء، وقد ألف العلماء في مصير قتلة الإمام
الحسين (ع) وقاتل الرضيع (ع) الكتب التي تحكي تفاصيل ما جرى عليهم،
كرضي الدين أبي القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس، تحت عنوان
"قصة المختار في الأخذ بالثار"، وككتاب "قتلة الإمام الحسين (ع)،
والجزاء الدنيوي" للإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي، وغيرهما.
ويستفاد من ذلك أن هنالك أثر دنيوي لكل من يستهين بدم الطفل
الرضيع.
4/ الرضيع (ع) باب الحوائج
لقد حظي عبد الله الرضيع (ع) بشهادته بالمكانة السامقة التي
أهّلته إلى أن يكون باباً من أبواب رحمة الله، ومحطة من محطات
عناية الله عزّ وجل، فتقضى بالتوسّل به الحوائج، وتنجلي بإحياء
مصيبته الملمّات والمصائب، ويتمّ ببركته التوفيق، فهو وسيلة إلى
الله تعالى، حيث قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ
اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ
فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[79].
ولقد عرفنا ما لمصابه من المكانة وما يحمل من المأساوية
والألم، ودماءه التي لم تسقط منها قطرة دم على الأرض والتي سيكون
لها الأثر البالغ على أهل الأرض، وهو أول دم يصعد في كربلاء وأسرع
قبول للشهادة، حيث رمى به الإمام إلى السماء، وقد جاء نداء
الاستجابة من السماء حالاً: "دعه يا حسين فإن له مرضاً في
الجنّة"[80].
وكذا استبانت عظمة الرضيع (ع) بأن دعاء الإمام الحسين (ع) على
كل المجرمين في كربلاء ليلقوا جزاءهم الدنيوية قبل الأخروي، كان
ذلك الدعاء مختلطاً بحرقة مصيبة قتل عبد الله الرضيع (ع)، وكذلك ما
ورد من دعاء الإمام أن لا يكون الطفل الرضيع أهون على الله من فصيل
ناقة صالح النبي، الذي بسبب قتله وقتل أمه الناقة، قد دمدم الله
عليهم الأرض فسواها بهم، فمن هنا كان للطفل الرضيع شأناً قدسياً
ومكانة ربانيّة، وموضعاً لرحمة الرب جل وعلا.
فمن تلك العظمة والمكانة عند الله تعالى، ولدى الإمام الحسين
(ع) وأهل بيته، أصبح الطفل عبد الله الرضيع باباً للحوائج ومحطاً
للكرامات، والتوسل به نافع في قضاء حوائج الدنيا والآخرة بإذن الله
تعالى.
ولقد تكاثرت المجرّبات لدى الموالين وعلى الأخص علمائهم
ومراجعهم، حول حقيقة بركات وكرامات الرضيع (ع)، وننقل بعضاً منها
على سبيل المثال، وإلا فهي أكثر من أن تحصى في مثل هذا الكتاب.
توسل السيد الكلبايكاني بالرضيع
قال السيد اليثربي: إن المرحوم السيد الكلبايكاني (رحمه الله)
كان له قارئ وخطيب مخصوص، فكلما كان يتواجد هذا القارئ في بيت
السيد (رحمه الله) وكانت هناك مشكلة أو حاجة مهمّة عند السيد، وكان
في كل مرة يقرأ عند السيد يذكر الطفل الرضيع ويقرأ مصيبته، وكانت
تقضى حوائجه (رحمه الله) ببركة عبد الله الرضيع[81].
عنايات الرضيع (ع) بعلماء الحوزة العلمية
في زمن زعامة ومرجعية مؤسس الحوزة العلمية في قم آية الله
العظمى الشيخ عبد الكريم الحائري (أعلى الله مقامه) وقع الشيخ في
ضائقة مالية بحيث لم يتمكّن من تأمين الرواتب الشهرية لطلاب
الحوزة، فكان (رحمه الله) يرى أن الأبواب محدودة ليس أمامه سوى
التوسّل بصاحب العصر والزمان (عجل الله فرجه) فأرسل بعض أفراد
عائلته إلى مسجد جمكران، ليتوسلوا هناك نيابة عنه.
ذهبوا إلى جمكران مشياً على الأقدام، وهناك عملوا أولاً على طبق
الآداب المعروفة للمسجد (من صلاة ركعتين وتسبيح و..) ثم انشغلوا
بالدعاء والتضرّع والصلاة..
قال أحد أولئك الأفراد وكان مقرّباً من الشيخ الحائري: عندما
كنت مشغولاً بأعمال المسجد، فكأن مكاشفة حدثت لي، وفي تلك اللحظة
سمعت كأن خطاباً وجّه إلىّ وفيه أمر مهم وهو يقول:
أبلغ الشيخ الحائري سلامي وقل له: سوف يصلح أمرك وتحل مشكلتك،
وقل له أيضاً: توسّل بعبد الله الرضيع لحل هذا الأمر المعضل، فإنه
وإن كان صغيراً من جهة العمر إلا أنه كبير وعال المرتبة بين أصحاب
أبي عبد الله (ع).
بعد ذلك ذهبت مباشرة إلى بيت الشيخ عبد الكريم الحائري (رحمه
الله) وكان الوقت بين الطلوعين من الفجر، وكان الشيخ يمشي وسط فناء
البيت، وعندما نظرنا إلى وجهه بان وكأنه ينتظر إبلاغه الرسالة،
وكان متلهفاً لسماع الكلام بكل شوق فأخبرته بالأمر.
وطبقاً لأمر الإمام (عجل الله فرجه) أقام الشيخ عبد الكريم
الحائري (رحمه الله) مجلساً في الصحن الكبير في حرم السيدة فاطمة
المعصومة (عليها السلام)، وتوسل بالطفل الرضيع الشهيد ذي الستة
أشهر (عليه السلام)، وفي ذلك المجلس كان الشيخ متأثراً جداً مما
انعكس ذلك على الحاضرين أيضاً.
ولم يمض وقت طويل حتى حلَ ذلك المعضل وتوفر المال لدى الشيخ
(رحمه الله) لينفقه على الحوزة، ولتحيا حياة عزيزة إكراماً من هذا
الرضيع الشهيد (عليه السلام)[82].
الرضيع يطلب الشفاعة لمحبيه
قال الواعظ والخطيب المشهور الشيخ عبد الحسين الواعظ الخراساني
النجفي: قال والدي (رحمه الله): إنه كان يقرأ مصيبة الرضيع (ع) في
مكان ما وكان البكاء في المجلس شديداً، بعد ذلك رأى شخص من الأجلاء
عبد الله الرضيع (ع) في المنام، وأنه خرج من قبر والده الحسين (ع)
وهو يبكي وهو يقول: يا أبتاه أريدك أن تشفع لهؤلاء الذين تذكّروا
مصابي ومصيبة حلقي المصاب بالسهم[83].
جمعة الطفل الرضيع (ع)
لقد اشتهر في السنوات الأخيرة تخصيص أول جمعة من شهر محرم
الحرام من كل عام لإحياء مراسم الطفل الرضيع، وبداية المراسم كانت
في عام 2003م تقريباً، في حسينية المهدية في طهران من قبل المجمع
العالمي للطفل الرضيع، وبالتعاون مع المسئولين في حسينية المهدية
وبحضور ما يقارب من خمسة آلاف امرأة من الأمهات والنساء والأطفال
الرضع، باعتبار أن المناسبة جمهورها النساء والأطفال يشكلون مشهداً
مهيباً يرتدي فيه الصغار ملابس خضراء، وتعجّ فيه الأصوات وتنهمر
الدموع وترتفع فيها الأكف متوسلة إلى الله بالطفل الرضيع، وبمصيبته
العظيمة.
لقد تسالم الشيعة على تخصيص ليلة التاسع أو العاشر من المحرم
في كل عام لإحياء مصيبة الطفل الرضيع، وبإضافة صباح أول جمعة من
المحرم للرضيع، أصبحت لها خصوصية أكبر، وانتشرت هذه المراسم
كانتشار النار في الهشيم، وتحيى الآن في أكثر دول العالم، كالدول
العربية والإسلامية، والدول الأوربية وفي القارة الأفريقية، حتى
وصل الإحياء إلى أكثر من ألف مدينة موزعة حول العالم.
كما ويعقد المجمع العالمي للطفل الرضيع (عليه السلام) مؤتمراً
سنوياً للمسئولين عن إحياء المراسم العالمية لتداول البحث والحديث
والأفكار لكيفية تطوير المراسم وإيصال الأهداف الرسالية الربانية
لهذه المراسم للعالم وتربية المجتمع الإيماني الحسيني والأم
المؤمنة والطفل الحسيني الذي يتربى على ثقافة وقيم النهضة
الحسينية. وقد عقدت لحد الآن[84] أربعة مؤتمرات، إثنان منها في
مركز بهمن الثقافي في طهران ومؤتمران في مدينة مشهد المقدسة وبجوار
الإمام الرضا (عليه السلام) بالتعاون مع المسئولين في العتبة
الرضوية المقدسة[85].
ومنذ أن بدأت مراسم إحياء جمعة الرضيع في عاشوراء شاهد الناس
الكرامات الباهرة للرضيع، وعاينوا نفحاته الربانية على واقعهم، ففي
كل عام يزاد الإحياء حماساً واتقاداً.
يرزقن بأربعة أولاد
في أول إحياء أقمناه في مؤسسة أهل الكساء (ع) في بني جمرة في
البحرين، في العام 2007م، رأت إحدى السيدات المواليات في ليلة
الجمعة التي سيقام في صباحها الإحياء أن فارساً[86] جاء على حصان
أبيض، وهو يحمل بين ذراعيه أربعة أطفال رضّع، فوقف بحصانه على
بوابة المخيم الذي سوف تحيى فيه المراسم.
فأخبرتنا تلك السيدة برؤياها، فتوقعنا أن يستجاب لأربعة من
النسوة ممن لا ينجبن، ببركة الطفل الرضيع، وبعد أن أقيمت المراسم
في أجواء مؤثرة وحزينة، جاءنا بعد فترة زمنية خبر ثلاث نسوة ممن
رزقن بالذرية بعد طول انتظار، فبعضهن تأخرت عن الإنجاب ثمان سنوات
وبعضهن خمس سنوات، ولكننا بقينا نترقّب الرابعة لعل ذلك يكون تأويل
الرؤيا التي رأتها السيدة.
وقد جاءنا خبر إحدى السيدات أنها كانت تنجب ولكن أولادها
جميعاً كانوا يولدون صم بكم، وقد حضرت المراسم وهي في حالة حمل،
وأخذت معها اللباس الذي يوزع على الأطفال، بعد أن توسّلت بمصاب
الرضيع، وحال ولادتها في المستشفى أعطت اللباس إلى القابلات
وأمرتهن بأن يلبسوا الطفل هذا اللباس كأول شيء يفعلنه، وهذا ما
حصل، وبعد أن قام الأطباء بفحص الطفل وجدوه سليماً معافى قادراً
على النطق والسمع دون سائر أخوته.
فاعتقدنا أن هذا الطفل هو الرابع كما جاء في الرؤيا، إلا أننا
وبعد أن مر عام وجاء وقت إحياء المراسم للسنة التي تليها، قمنا
بإلإعلان عن المناسبة، بعدة وسائل، ومنها على شبكة الإنترنت، فقامت
إحدى الأخوات بالتعليق على الخبر: "إنني سأحضر قطعأً ومتحمّسة جداً
فأنا متزوجة منذ أكثر من ست سنوات ولم أنجب إلا ببركة التوسل
بالطفل الرضيع في العام الماضي في نفس هذا المكان"، فعرفنا أن هذه
السيدة هي صاحبة الطفل الرابع، وقد التقت بها الأخوات المسئولات في
مكان المناسبة.
أما الأخت التي ولدت ولداً معافى، فهي كغيرها من الكثيرات التي
يقضي الله لهن حاجاتهن ببركة باب الحوائج عبد الله الرضيع (ع).
واستمرّت الكرامات في كل عام من إحياء المراسم الخاصة بجمعة
الطفل الرضيع في مؤسسة أهل الكساء (ع)، وما يبلغنا أكثره حول مسألة
الإنجاب، وبعضه حول العلاج من الأمراض المستعصية، فالعديد من
النسوة أنجبن بعد خمس سنوات من الزواج دون إنجاب، وبعضهن بعد ثمان
وعشر سنوات، وأكثر ما بلغنا لعائلة نعرفها أنهم لم ينجبوا منذ أن
تزوّجوا وطيلة خمسة عشر سنة، فرزقهم الله تعالى ببركة الرضيع (ع).
وفي كل عام يزداد الحشد والتفاعل من كل منطقة يأتون لإحياء هذه
المناسبة في المكان الذي تحي فيه المؤسسة جمعة الرضيع (ع)، بل
وأصبح من الروّاد من عائلات أهل السنة، يأتون طالبين للحوائج لما
رأوه وعاينوه مع معارفهم.
وتستمر بركات الطفل الرضيع (ع) لكل الأجيال، كعطاء من الله
تعالى لهذا الشهيد الصغير، والكبير في مقامه، فسلام عليه يوم ولد،
وسلام عليه يوم استشهد، وسلام عليه يوم يبعث حيّاً.
زيارة الرضيع الشهيد
نذكر هنا زيارة أوردها السيد ابن طاووس في كتاب الإقبال تشتمل
على أسماء الشهداء وبعض أحوالهم رضوان الله عليهم وأسماء قاتليهم
لعنهم الله. قال: روينا بإسنادنا إلى جدي أبي جعفر الطوسي، عن محمد
بن أحمد بن عياش، عن الشيخ الصالح أبي منصور بن عبد المنعم بن
النعمان البغدادي رحمهم الله قال: خرج من الناحية سنة اثنتين
وخمسين ومائتين على يد الشيخ محمد بن غالب الإصفهاني حين وفاة أبي
رحمه الله وكنت حديث السن، وكتبت أستأذن في زيارة مولاي أبي عبد
الله (عليه السلام) وزيارة الشهداء رضوان الله عليهم فخرج إلي منه.
بسم الله الرحمن الرحيم إذا أردت زيارة الشهداء رضوان الله
عليهم فقف عند رجلي الحسين عليه السلام وهو قبر علي بن الحسين
عليهما السلام فاستقبل القبلة بوجهك فان هناك حومة الشهداء وأومئ
وأشر إلى علي بن الحسين.. إلى أن قال: السلام على عبد الله بن
الحسين، الطفل الرضيع، المرمي الصريع المتشحّط دما، المصعد دمه في
السماء، المذبوح بالسهم في حجر أبيه لعن الله راميه حرملة بن كاهل
الأسدي وذويه"[87].
الإمام الحجة (ع) والأخذ بالثأر
إن الإمام الحجة المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) عندما يأذن
الله تعالى بالخروج، سوف يأخذ بثأر الإمام الحسين (ع)، كما هو
متواتر في الأخبار، فالإمام الحسين (ع) هو (ثار الله وابن ثاره)،
ولذلك نقرأ في زيارة الإمام الحسين (ع): (فأسال الله الذي أكرم
مقامك وأكرمني بك أن يرزقني طلب ثارك مع إمام منصور من أهل بيت
محمد صلى الله عليه وآله وسلم).
والإمام المنتظر (عج) يأخذ بثأر جميع من قتل في كربلاء ومنهم
الطفل عبد الله الرضيع، كما هي الإشارة في حديث الإمام الرضا (ع)
إلى ابن شبيب، إذ قال له: "يا ابن شبيب، إن كنت باكيا لشيء، فابك
للحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فإنَّه ذبح كما يذبح
الكبش، وقتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلاً ما لهم في الأرض
شبيهون، ولقد بكت السماوات السبع والأرضون لقتله، ولقد نزل إلى
الأرض من الملائكة أربعة آلاف لنصره فوجدوه قد قتل، فهم عند قبره،
شعثٌ غبرٌ إلى أن يقوم القائم فيكونون من أنصاره وشعارهم يا لثارات
الحسين"[88].
وتلك الثارات التي سوف يطالب بها الإمام (عج) هي من ذراري فتلة
الإمام الحسين (ع) الذين يبقون على نهج آبائهم، والذين يرضون بقتل
الإمام الحسين (ع)، فقد جاء عن الهروي قال: قلت لأبي الحسن الرضا
(عليه السلام): يا ابن رسول الله، ما تقول في حديث روي عن الصادق
(عليه السلام) أنه قال: إذا خرج القائم قتل ذراري قتلة الحسين
(عليه السلام) بفعال آبائها؟
فقال (عليه السلام): هو كذلك.
فقلت: وقول الله عز وجل "ولاتزر وازرة وزر أخرى "ما معناه؟
قال: صدق الله في جميع أقواله ولكن ذراري قتلة الحسين يرضون
بفعال آبائهم، ويفتخرون بها، ومن رضي شيئا كان كمن أتاه، ولو أن
رجلاً قتل بالمشرق فرضي بقتله رجل بالمغرب، لكان الراضي عند الله
عز وجل شريك القاتل، وإنما يقتلهم القائم (عليه السلام) إذا خرج
لرضاهم بفعل آبائهم)[89].
ومن المصائب التي ذكرها الإمام الحجة في زيارة الناحية، هي
مصيبة الطفل الرضيع في السلام عليه بقوله: "السلام على عبد الله بن
الحسين، الطفل الرضيع، المرمي الصريع، المتشحط دما، المصعد دمه في
السماء، المذبوح في حجر أبيه، لعن الله راميه حرملة بن كاهل الأسدي
وذويه"[90].
وقد نقل أن الإمام الباقر (ع) يذكّر بالثأر لعبد الله الرضيع
رجلاً من بني أسد التي ينتسب إليهم قاتله حرملة بن كاهل الأسدي،
حيث جاء في تاريخ الطبري وذخيرة الدارين عن الحدائق الوردية: قال
أبو مخنف: قال عقبة بن بشر الأسدي، قال لي أبو جعفر محمد بن علي بن
الحسين: إنِّ لنا فيكم يا بني أسد دماً.
قال: قلت فما ذنبي أنا في ذلك؟ رحمك اللَّه يا أبا جعفر وما
ذلك؟
قال: أتي الحسين بصبي له فهو في حجره إذ رماه أحدكم يا بني أسد،
بسهم فذبحه، فتلقى الحسين دمه، فلمّا ملأ كفّه صبّه ـ في رواية
صاحب الحدائق ـ رمى به نحو السماء. ثم قال: يارب إن تك حبست عنّا
النصر من السّماء فاجعل اللَّه لما هو خير وانتقم لنا منهؤلاء
الظالمين"[91].
وقد ذكروا أن الإمام الحجة (عج) سيخاطب أهل العالم عند قيامه
وظهوره ويقول: يا أهل العالم ما ذنب هذا الرضيع أن يذبح في حجر
أبيه.
ونقل صاحب كتاب مجمع المصائب أنه: "ورد في الأخبار أنه إذا ظهر
يتخذ من الكوفة عاصمة له وبعد توطيد حكمه يتوجه إلى كربلاء إلى قبر
جده أبي عبد الله الحسين (ع) فيقف على القبر ومعه خلق كثير، فينادي
السلام عليك يا جداه يا ابن رسول الله، فيأتيه الجواب: وعليك
السلام ولدي يا مهدي ثم يمد الإمام الحجة (عج) يده إلى قبر جده
فيستخرج عبد الله الرضيع والسهم مشكوك في نحره، وهو مذبوح من
الوريد إلى الوريد فيقول: أصحابي ما ذنب هذا الطفل حتى يذبح من
الوريد إلى الوريد فيضج الناس بالبكاء والنحيب"[92].
رثاء الشعراء لمصاب الرضيع (ع)
أخذ الشعراء في مختلف العصور بسلاح الأدب للتعبير عن مصيبة
مقتل الطفل الرضيع (ع)، معبرين عن شعورهم وولائهم، ونستعرض هنا بعض
العينات من قصائدهم.
قصيدة السيد حيدر الحلي
وَمُنْعَطِف أهوى لتقبيلِ طِفْلِهِ
فَقَبَّلَ منه قَبْلَه السَّهْمُ مَنْحَرا
لقد وُلِدَا في سَاعَة هو والرَّدَى
وَمِنْ قَبْلِهِ في نَحْرِه السَّهْمُ كبَّرا
وفي السَّبْيِ مما يصطفي الخِدْرُ نِسْوَةٌ
يعزُّ على فتيانِها أن تُسَيَّرا
حَمَتْ خِدْرَها يَقْظَى وودَّت بنومِهَا
تَرُدُّ عليها جَفْنَها لا على الكَرَى
فَأَضْحَتْ ولا من قَوْمِها ذو حفيظة
يقومُ وَرَاءَ الخِدْرِ عنها مُشَمِّرا
مشى الدَّهْرُ يومَ الطفِّ أعمى فلم يَدَعْ
عِمَاداً لها إلاَّ وفيه تَعَثَّرا
وَجَشَّمَها الْمَسْرَى بِبَيْدَاءَ قَفْرَة
وَلَمْ تَدْرِ قَبْلَ الطفِّ ما البيدُ والسُّرَى
وَلَمْ تَرَ حتَّى عينُها ظِلَّ شَخْصِها
إِلَى أَنْ بَدَت في الغاضريَّةِ حُسَّرَا
قصيدة أخرى للسيد حيدر الحلي
كـم ذا القعـــود ودينكـم
هـدمت قواعده الرفيــعه
تنعى الفـروع أصـوله
وأصوله تنعى فـروعه
فيه تحكم من أبـاح
اليوم حوزته المنيـعة
فاشحذ شبا عضـب له
الارواح مذعنة مطيعه
إن يـدعها خفت لـدعو
ته وإن ثقلت سريعه
واطلـب بـه بـدم القتيــل
بكربـلا في خير شـيعه
ماذا يهيجك إن صبرت
لوقعة الطـف الفضيعه
أتـرى تجـئ فجيـعة
بأمض مـن تلك الفجيعه
حيث الحسين علـى الثـرى
خيل العـدى طحنـت ضلوعه
قتـلته آل أميـة
ظـام إلى جنب الشـريعه
ورضيعه بدم الوريد
مخضـب فاطلب رضيعه
يا غيـرة الله اهتفـى
بحميـة الدين المنيعة
قصيدة الشيخ حسن الدمستاني
أخت هاتي لي رضيعي أره قبل الفراق
فأتت بالطفل لا يهدء والدمع مراق
يتلظى ظمأ والقلب منه فـي احتراق
غائر العينين طاوي البطن ذاوي الشفتين
فبكى لما رآه يتلظى بأوام
بدموع من إماق تخجل السحب السجام
فنحا القوم وفي كفيـه ذياك الغلام
وهما من ظمأ قلباهما كالجمرتين
فدعا في القوم يالله من خطب فضيع
نبئوني أأنا المذنب أم هذا الرضيع
لاحظوه فعليه شبه الهادي الشفيع
لا يكن شافعـُكم خصماً لكم في النشأتين
عجلوا نحوي بماء اسقه هذا الغلام
فحشاه من أوام في اضطرام وكلام
فاكتفى القوم عن القول بتكليم السهام
وإذا بالطفل قد خر صريعاً لليدين
فالتقى مما همى من منحر الطفل دما
ورماه صاعداً يشكو إلى رب السما
وينادي يا حكيم أنت خير الحكما
فجع القوم بقتل الطفل قلب الوالدين
قصيدة الشيخ صالح جعفر[93]
تلألأ نحرٌ في السماءِ لُجينه
فراقبه سهم نحاهُ يطيرُ
فما راعَ طفلُ السبطِ غيرُ وريده
يثج ومسَّ النبلِ فيه سعيرُ
فمدّ يديه نحو والدهِ وقا
فدتك أياه يا حسين نحورُ
سمعتُ بأنّ الطفل أرجع طرفهُ
بوجه أبيه والدماءُ تفور
كأن سؤالاً كاد ينطقُ دهشةً
على شفتيه فاعتراه فتورُ
ألست أبي؟ والوالدين كما ترى
إبنهما في النائباتِ خفِيرُ
فكيف دهاني النبلُ يا خيرَ والد
وكفّاك لي دون الأنام سريرُ
قصيدة للشيخ محمد حسن آل إبراهيم[94]
المشهد الأول:
كأنّكَ طيفٌ طاف بي وهو يلثمُ
وفي كتفيه من بقاياهُ مَلثَمُ
على صهوةٍ ساق البهاءُ جوادها
وفارسُها في حجره فاض زَمْزَمُ
فَزَمَّ بكفَّيهِ الكريمةِ منحَراً
يُخضّبُ صَدراً بالجِراحاتِ مفعمُ
يمدُّ إلى الجبّارِ دَمّ رضِيعِهِ
وخافِقُهُ للهِ مازالَ مُحْرِمُ
وما طَرَفتْ عَيناهُ بلْ ضَمّ طِفْلهُ
فضجّتْ له الأملاكُ والجِنُّ دَمْدِمُوا
وماجِتْ لهولِ الحالِ عَرْصَةُ كربلا
وأسْفَرَ عبدُ اللهِ عنْ صُبحهِ دَمُ
يقبّلُ نحرَ السبطِ في ضَمّةِ الإِبا
وناظِرُهُ من نَزْعةِ البينِ يَسهمُ
فلله توديعُ الرضيعِ إذْ اكتوى
بسهمٍ فألوا للحسينِ يُسلّمُ
فما شهد الأملاكُ مذ خلق آدمٍ
رضيعاً بأسهام المنيّةِ يُفْطَمُ
وأقبلت النسوان عند أبي الفِدا
كجيدٍ بهِ حاطت عليه تمائمُ
مشهد آخر...لما وصل الحسين عليه السلام للماء وأومأ أن يغترف
منه كأني به قد رأى في صفحة الماء وجه رضيعه فاخذ يخاطبه غير أن
هذه النجوى لم تدم طويلاً اذ تموجت صفحة الماء بالدمع الذارف وفي
الوقت ذاته هتف لعين من وراء الحسين (ع): يا حسين.. أتلتذ بالماء
وقد هتك حريمك؟!..
الحسينُ مخاطباً الرضيع:
أأشرب يبن الظامئات فراتها
ونحرك لم يروى وقلبُكَ مُضْرَمُ
تراءى بخد الماءِ صفحةُ وجههِ
وقد لاح في لجّيّهِ العذبُ مِبْسَمُ
وقال سقتني جدتي من معينها
وأذهب عني الوجدَ أنّكِ تقدُمُ
فكافأها دمعٌ من العينِ قدْ هما
وبدّدها داعٍ من الخلفِ يدْهمُ
قصيدة للشيخ محمد تقي آل صاحب الجواهر
وربّ رضيع أرضعته قسيّهم
من النبل ثدياً درّة الثرّ فاطِمُهُ
فلهفي له مذ طوّق السهم جيده
كما زينته قبل ذاك تمِائمُهُ
ولهفي له لمّا أحسّ بحرّهِ
وناغاهُ من طير المنيّة حائِمُهُ
هفا لعناق السبط مبتسم اللُما
وداعاً وهل غير العناق يلائمُهُ
ولهفي على أمّ الرضيع وقد دجي
عليها الدَجى والدّوح ناحت جمائمه
تسلّل في الظلماء ترتاد طفلها
وقد نجمت بين الضحايا علائمُهُ
قمذ لاح سهم النحر ودّت لو أنها
تشاطره سهم الرّدى وتساهمُهُ
أقلّته بالكفين تُرشف ثغره
وتلثم نحراً قبلها السهم لائمه
بني أفق من سكرة الموت وارتضع
بثديّك علّ القلب يهداً هائِمُهُ
بني فقد درّاً وقد كضّك الظما
فلعلك يطفى من غليلك ضارمُهُ
بنيّ لقد كنت الأنيس لوحشتي
وسلواي إذ يسطو من الهمّ غائِمُهُ
قصيدة الأديب حسين الأعظمي[95]
يزيد طغى في الأرض حتى تزلزلت
بطغيانه وانهد من ظلمه الصبر
وعاثت فسادا في البلاد وأهلها
فمادت وعم الناس في حكمه الجور
أيرضى إمام الحقِّ والدين أن يرى
عدوَّ الهدى والدين في يده الأمر
يريدون منه أن يبايع فاجرا
وفي بيعة الفجار لو علموا فُجر
أبى بيعة الباغي وخفَّ لحربه
بآلٍ لهم في النصر آماله الغر
أتى الكوفة الحمراء ليثا محرِّرا
وفي الكوفة الحمراء ينتظر النصر
هنالك أنصارٌ دعوه فجائهم
بقلب شجاعٍ لا يُداخله ذعر
وقد منعوه الماء وهو أسيرهم
فطافت به الدنيا وضاق به الأسر
يرى النهر والأطفال يبكون حوله
عُطاشى وما غير السراب لهم نهر
وجفت ثدايا المرضعات من الظما
وأصبحن في عُسرٍ يضيق به العسر
أبٌ في يديه طفله جاء يستقي
لما الماء إذ أودى بمهجته الحرُّ
رضيعٌ كمثل الطير يخفق قلبه
فما رحموا الطفل الرضيع وما بروا
سقوه دما من طعنهٍ في وريده
فخرَّ ذبيحا لا وريد ولا نحر
أبٌ في يديه طفله يذبحونه
فهل فيه وفي طفله وِتر
وهل يُقتل الطفل الرضيع بشرعهم
تَمُجُّ دما منه الحشاشة والثغر
فدوى صُراع الأم تلقى وليدها
ذبيحا قد احمرت وريداه والشعر
تُقبِّلُه من جُرحه وتضمُّه
إلى قلبها والقلب مستعرٌ جمر
wwww.mosawy.com
................................................
المصادر
القرآن الكريم
بحار الأنوار. العلامة المجلسي
إقبال الأعمال. السيد ابن طاووس
مفاتيح الجنان. الشيخ عباس القمي
جلاء العيون. السيد عبد الله شبّر
التاريخ الإسلامي. آية الله العظمى السيد محمد
تقي المدرسي
الإمام الحسين (ع) قدوة الصديقين. آية الله
العظمى السيد محمد تقي المدرّسي
الياقوتة الحمراء، حياة وكرامات الطفل الشهيد
بكربلاء. أحمد بن حسين العبيدان
تاريخ الأحمدي. تأليف الأمير أحمد حسين
بهادرخان الهندي
زينب الكبرى من المهد إلى اللحد. السيد محمد
كاظم القزويني
الآداب والسنن. آية الله العظمى السيد محمد
الشيرازي
موسوعة مقتل الحسين (ع)، الشيخ محمد عيسى
المكباس
مقتل الحسين (ع)، اللهوف في قتلى الطفوف، السيد
ابن طاووس
الملهوف على قتلي الطفوف، بن طاووس، تحقيق
الشيخ فارس تبريزيان.
مقتل الحسين (ع).، أبو مخنف الأزدي
الاحتجاج، الشيخ الطبرسي
أصدق الأخبار في الأخذ بالثار. السيد محسن
الأميني
قصة المختار في الأخذ بالثأر. السيد ابن طاووس
الصراع ومتطلبات الحياة. محمد هادي كاظم
كامل الزيارات. ابن قولويه القمي
الأنبياء، حياتهم ـ قصصهم. عبد الصاحب الحسني
العاملي
مجمع مصائب أهل البيت. الخطيب الشيخ محمد
الهنداوي
حقوق الإنسان، مدخل إلى وعي حقوقي. أمير موسى
بو خمسين
كتاب صحيح البخاري
كتاب صحيح مسلم
لسان العرب. ابن منظور
...........................................
الهوامش
[1] / يمكن مراجعة ذلك في كتاب (الإمام الحسين
الحداثة والقداسة) للمؤلف 2010م. وكذلك كتب الروايات لمختلف
المذاهب، قسم الفضائل أهل البيت (ع).
[2] / قالوا انه ليس امرؤ القيس الشاعر المعروف.
[3] / مقاتل الطالبيين، ص60 أبو الفرج
الأصفهاني.
[4] / المجالس الحسينية في المآتم العاشورائية،
ص 301 عن الطبقات الكبرى، ابن سعد 212/5، وتاريخ مدينة دمشق لابن
عساكر367/41، والمنتخب من ذيل المذيل، الطبري 119
[5] / الياقوتة الحمراء، ص 46، عن مصباح
الكفعمي، ص 667 في زيارة الإمام (ع) ليلة عرفة.
[6] / راجع الياقوتة الحمراء، ص 49
[7] / الياقوتة الحمراء، ص 53 عن ينابيع المودة
ج3، ص 151
[8] / انظر الياقوتة الحمراء، ص 57
[9] / الياقوتة الحمراء، حياة وكرامات الطفل
الشهيد بكربلاء، أحمد بن حسين العبيدان، ص73، دار زين العابدين.
[10] / مجمع مصائب أهل البيت، ج2، ص 32، الخطيب
الشيخ محمد الهنداوي.
[11] / بحسب تعبير آية الله السيد هادي المدرسي
في إحدى محاضراته.
[12] / جلاء العيون ج2 ص 246، السيد عبد الله
شبّر،ط1 عن بحار الأنوار: 45/45، والعوالم 288،
[13] / جلاء العيون ج2، ص 246، عن الإرشاد 2/108
[14] / موسوعة مقتل الحسين (ع)، الشيخ محمد عيسى
المكباس، ج1، ص124 ط1 عن مقتل أبي مخنف.
[15] / مقتل الحسين (ع)، اللهوف في قتلى الطفوف،
السيد ابن طاووس، ص49 ط دار المرتضى
[16] / جاءت (فصيل ناقة صالح) في مقتل أبو الفرج
الأصفهاني، عن موسوعة مقتل الحسين (ع) ج2، ص 249
[17] / جلاء العيون ج2 ص 246، عن مثير الأحزان
52، بحار ألأنوار: 45/47، العوالم: 289
[18] / موسوعة مقتل الحسين (ع)، الشيخ محمد
المكباس، ج1، ص 399، عن مقتل ابن الأعثم.
[19] / موسوعة مقتل الحسين (ع)، ج1 ص 739، عن
مقتل ابن الجزري (أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد ابن عبد
الكريم ابن عبد الواحد المعروف بابن الجزري، المتوفى في عام
630هـ).
[20] / موسوعة مقتل الحسين (ع) ج1 ص 792 ط1
[21] / الياقوتة الحمراء، ص 85، أحمد بن حسين
العبيدان، عن مقاتل الطالبيين ص89 عن أبي الفرج الأصفهاني.
[22] / الياقوتة الحمراء، ص 85، عن أسرار
الشهادات للدربندي ج2 ص35، ومعالي السبطين، للحائري ج1، ص 424،
وموسوعة كلمات الإمام الحسين (ع) ص573، وعن مقتل الإمام الحسين (ع)
129 والمعالي والأسرار.
[23] / الياقوتة الحمراء، ص 88 عن المنتخب
للطريحي ص 431 ومعالي السبطين للحائري ص 423 وغيرهما..
[24] / مجمع مصائب أهل البيت، ج2، ص 27، الخطيب
الشيخ محمد الهنداوي، عن ثمرات الأعواد، ج1، ص 189، عدة الخطيب ج1
[25] / تاريخ الأحمدي، ص 284، تأليف الأمير أحمد
حسين بهادرخان الهندي، تحقيق محمد سعيد الطريحي، مركز الدراسات
والبحوث العلمية، بيروت، الناشر: مؤسسة البلاغ.
[26] / زينب الكبرى من المهد إلى اللحد، ص209
السيد محمد كاظم القزويني، دار الغدير، قم، ط1، 2002م
[27] / مجمع مصائب أهل البيت، ج2، ص 38
[28] / راجع لسان العرب، لابن منظور، مادة لظي.
[29] / الإمام الحسين (ع) قدوة الصديقين، سماحة
آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرّسي.
[30] / الآداب والسنن، ج4، ص 365
[31] / الآداب والسنن، ج4، ص 362، آية الله
العظمى السيد محمد الشيرازي. مؤسسة الفكر الإسلامي، ط2
[32] / الآداب والسنن، ج4، ص 368
[33] / سورة البقرة، آية 233
[34] / حقوق الإنسان، مدخل إلى وعي حقوقي، أمير
موسى بو خمسين، ص 228 مركز دارسات الوحدة العربية، بيروت.
[35] / المصدر، ص 229
[36] / راجع حقوق الإنسان، مدخل إلى وعي حقوقي،
من ص 231 ـ 234
[37] / الآداب والسنن، ج4، ص 84
[38] / الآداب والسنن، ج4، ص 84
[39] / كتاب صحيح البخاري، المكتبة العصرية، ط
عام 2005م، ص 872، كتاب الفضائل، الباب 1 ح2276
[40] / نقله ابن كثير في تاريخه/ ج8، ص204، وفي
تاريخ بن عساكر، مقاتل الطالبيين، ص 120، وسيرة بن هشام، وشرح بن
أبي الحديد، وغيرها.
[41] / انظر المقاتل، ومجمع مصائب أهل البيت
(ع)، ج1، ص 205
[42] / سورة الأحزاب، آية 57
[43] / سورة الأحزاب، آية 58
[44] / سورة القصص، آية 4
[45] / كتاب صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب الحث
على الصدقة ولو بشق تمرة، رقم (1017)
[46] / سورة الشورى، آية 23
[47] / مفاتيح الجنان، زيارة عاشوراء، الشيخ
عباس القمي.
[48] / الملهوف على قتلي الطفوف، ص99 بن طاووس،
تحقيق الشيخ فارس تبريزيان.
[49] / الاحتجاج 296/2
[50] / الملهوف على قتلى الطفوف، ص 96
[51] / سورة فاطر، آية 6
[52] / مفاتيح الجنان، زيارة عاشوراء، الشيخ
عباس القمي.
[53] / موسوعة مقتل الحسين (ع) عن مقتل بن كثير.
[54] /الملهوف على قتلى الطفوف، للسيد ابن
طاووس، تحقيق الشيخ فارس تبريزيان،ص169 ط3، دار الأسوة للطباعة
والنشرـ طهران.
[55] / موسوعة مقتل الحسين (ع) عن مقتل بن
الجوزي.(أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد ابن الجوزي، المتوفى
عام 597هـ).
[56] / موسوعة مقتل الحسين (ع) ج1 ص 753 عن مقتل
الجزري.
[57] / موسوعة مقتل الحسين (ع) ج2، ص 600، عن
مقتل يوسف بن الجوزي الحنفي.
[58] / موسوعة مقتل الحسين (ع)، ج1، ص 920 عن
مقتل بن كثير الدمشقي.
[59] / بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج45، ص
65
[60] / سورة التكوير، آية 8و9
[61] / جلاء العيون، عن عيون أخبار الرضا (ع)،
1/51 ح 178
[62] / موسوعة مقتل الحسين (ع) ج1 ص 792 ط1
[63] / التاريخ الإسلامي، ص80 آية الله العظمى
السيد محمد تقي المدرسي، ط7/2004م، عن بحار الأنوار ج45، ص 242
[64] / التاريخ الإسلامي، آية الله العظمى السيد
محمد تقي المدرسي، ص 37و38، ط4
[65] / أصدق الأخبار في الأخذ بالثار، السيد
محسن الأميني، ص71
[66] /قصة المختار في الأخذ بالثأر، السيد ابن
طاووس، ضمن كتاب مقتل الحسين (ع)، ص 52
[67] / الملهوف على قتلى الطفوف، تحقيق الشيخ
فارس تبريزيان ـ الهامش، ص 169 نقلاً عن حكاية المختار: 55و59
[68] / جلاء العيون، ج2 ص172، عن دلائل الإمامة
182، ح98، واللهوف 38
[69] / موسوعة متقل الحسين ج1، ص 772 عن مقتل بن
طاووس.
[70] / الياقوتة الحمراء، أحمد بن حسين
العبيدان، ص 129
[71] / الصراع ومتطلبات الحياة، ص62 محمد هادي
كاظم (السيد هادي المدرسي).
[72] / سورة الأعلى، آية 17
[73] / سورة التوبة، آية 20
[74] / جلاء العيون، السيد عبد الله شبر، ج2 ص
111، ط1
[75] / كامل الزيارات، ص 323 ـ 325، بن قولويه
القمي، تحقيق نشر الفقاهة، دار السرور، بيروت، ط1، 1997م
[76] / الأنبياء، حياتهم ـ قصصهم. ص 106، عبد
الصاحب الحسني العاملي، مؤسسة الأعلمي ـ بيروت، ط1 1971م.
[77] / سورة الشمس، آية 14
[78] / مقتل الحسين (ع)، اللهوف في قتلى الطفوف،
السيد ابن طاووس، ص49 ط دار المرتضى
[79] / سورة المائدة، آية 35
[80] / الياقوتة الحمراء، ص 88 عن المنتخب
للطريحي ص 431 ومعالي السبطين للحائري ص 423 وغيرهما..
[81] / الياقوتة الحمراء، ص 131
[82] / الياقوتة الحمراء، ص 154، عن باب الحوائج
علي أصغر ص 184 نقلاً عن السيد اليثربي والشيخ غلامعلي زند
القزويني.
[83] / الياقوتة الحمراء، ص 138
[84] / نهاية عام 2011م، 1433هـ
[85] / راجع موقع باب الحوائج الطفل الرضيع على
شبكة الإنترنت. www.al-asghar.com
[86] / وكان الفارس متمثلاً بسماحة آية الله
العظمى السيد محمد تقي المدرّسي (حفظه الله).
[87] / إقبال الأعمال، السيد ابن طاووس.
[88] / بحار الأنوار، ج44، ص582، باب 43، ح32
[89] / بحار الأنوار، ج45، ص295، وعيون أخبار
الرضا ج1 ص 273
[90] / إقبال الأعمال.
[91] / مقتل الحسين (ع)، ص 172، أبو مخنف الأزدي
[92] / مجمع مصائب أهل البيت ج2، ص 31، لم يذكر
المصدر.
[93] / من علماء البحرين، بني جمرة، له كتاب
(الحسين والقرآن).
[94] / من علماء البحرين، بني جمرة، القصيدة
طبعت مستقلّة.
[95] / توفي عام 1375هـ، أنشدها يوم عاشوراء في
صحن الأمام الكاظم/ مجمع مصائب أهل البيت (ع)، ج1، ص 209، الخطيب
الشيخ محمد الهنداوي. |