شبكة النبأ: يتفق الجميع على أن
مبادئ الإمام الحسين عليه السلام، تعدّ قمة في جوهرها الإنساني،
فهي خلاصة ما وضعه الاسلام والاديان الاخرى من تعاليم شذّبت النفس
البشرية وقومتها، لتصل الى أرقى درجاتها الاخلاقية، وهي أيضا خلاصة
الفكر الانساني الهادف الى الحق والخير والجمال، وكل القيم
المساندة للانسان، وكما ذكرنا في كلمات وكتابات سابقة، أن الامام
الحسين ساوى كما هو جده الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، بين
صديقه وعدوه، أملا بإصلاح الانسان وثنيه عن المسار الخاطئ، بغض
النظر عن قناعاته السابقة.
بمعنى أن الفرصة لما تزل وستبقى متاحة للجميع، لكي يعودوا الى
المسار الصحيح، حتى لو أوغلوا بالخطأ، أي أن هناك نافذة دائمة
للتصحيح، وهو الامل الذي يتجسد بالجملة القرآنية المباركة (لا
تقنطوا من رحمة الله)، لذا تعد المبادئ الحسينية منبع متدفق وأزلي
للقيم الانسانية العظيمة، وهي قاعدة الاخلاق التي ينبغي أن ترتكز
إليها الشخصية البشرية منذ أوائل نشوئها.
بمعنى أن الطفل حين يولد في محيط معتدل، يفهم الطبيعة
الانسانية، وله القدرة على ترويض النفس، ويضع أمامها البدائل التي
تتمثل بفروع الخير، كالحق والصدق والامانة والاخلاص وحسن القول
والسلوك وما الى ذلك من قيم تسمو بالانسان عاليا، فإننا في هذه
الحالة نضمن فردا ناجحا متماسكا ومنتجا في آن، ولو حرصنا على انتاج
مثل هؤلاء الاطفال فإننا سنصل الى بناء قاعدة بشرية تصلح لصنع
مجتمع أخلاقي متطور ومعتدل في آن.
هذا النوع من المجتمعات كلنا نحلم بالوصول إليه، ومبادئ الحسين
عليه السلام بجوهرها الانساني الخلاق كفيلة بتخليق بشر من هذا
النوع منذ بوادر الطفولة، شريطة أن يتم غرسها كما هي في إنسانيتها
العالية وقيمها الخالدة، فالمطلوب منا بذل الجهد الكافي لغرس
المبادئ الحسينية بجوهرها الحقيقي في نفوس الاطفال لكي تكتمل
شخصياتهم وفقا لهذه المبادئ والقيم الخلاقة.
أطفالنا صفحات بيضاء خالية من لطخات السواد، وبياض القيم
الحسينية يليق بها تماما، فمن باب أولى أن يحرص المسلمون أولا، ثم
الانسانية جمعاء، على ملء صفحات الطفولة البشرية بهذه القيم
والمبادئ المستمدة من كتاب الله الحق، ومن سيرة رسولة الحق ومن
سيّر آله الحق أيضا، كونها لا تتناقض قيد أنملة مع أنبل الافكار
والقيم والمبادئ الانسانية التي عرفتها الارض منذ أن نشأ فيها
الانسان، ولو قيّض لنا أن نحوّل هذه الافكار الى عمل ملموس،
لأمكننا الوصول بسرعة قياسية الى بناء المجتمع المأمول، تطورا
واستقرارا وترفيها وأخلاقا وقيما لا يرقى إليها الزلل قط، فهل يمكن
لنا غرس القيم والمبادئ الحسينية في نفوس اطفالنا؟ وما هي السبل
التي يمكن أن تؤدي الى هذا الهدف؟.
إن الكلام وحده لن يحقق الهدف المبتغى، أيا كان نوعه او حجمه،
وهو يشبه الاماني التي لا تتحقق بسبب عدم السعي العملي إليها، هذا
يعني أننا نحتاج الى عمل مرادف للقول والافكار والتخطيط الذي نضعه
على الورق او في العقول او ضمن التمنيات، كما أننا نحتاج الى غرس
ما طالب به الحسين عليه السلام في جوهره الحقيقي، وهذا يتطلب مهاما
عملية كبيرة ومعقدة لكنها ليست مستحيلة، أي أننا نحتاج الى قراءة
الواقع الاسلامي والبشري عموما بتأنٍ ودقة، أو على الاقل دراسة
مجتمعنا بوضوح ودقة، ثم وضع خطط مرسومة بتعقل وحكمة، من لدن ذوي
الاختصاص، لكي ننجح فعلا في غرس القيم الحسينية في نفوس صغارنا،
كما نزرع النبتة في الارض البتول، ويمكن لنا القيام بما يلي:
- أن توضع برامج واضحة لتأهيل الأسرة (المحيط العائلي)، للقيام
بدورها الأولي في غرس قيم الحسين عليه السلام السابق ذكرها.
- أن تأخذ دور الحضانة مجالها الصحيح وليس المزاجي او غير
المخطط له، للقيام بتأهيل الاطفال وفق هذا المنظور لتشكل رديفا
للدور الاسري.
- أن يصل الطفل الى المرحلة الابتدائية وهو محمّل بجوهر المبادئ
الحسينية الحقة.
- أن يتضاعف الجهد العلمي العملي المخطط له في المراحل اللاحقة،
المراهقة الشباب، لضمان تنامي بذور الخير في شخصية الفرد.
- أن تقوم الدولة والوزارات المعنية بدورها الصحيح من حيث
التخطيط والتنفيذ والدعم المالي خاصة، اذا اتفقنا ان الهدف هو بناء
الشخصية الايجابية بكل ما تعنيه هذه الكلمة.
- أن تقوم المؤسسة الدينية بدورها الحقيقي في هذا المجال وهو
واضح كل الوضوح.
- أن تقوم المنظمات والمؤسسات الأهلية المعنية ببناء شخصية
الطفل بدورها المبرمج والصحيح في هذا المجال.
هذه مقترحات قابلة للزيادة، او الحذف، لكن يبقى الاهم أن نضع
قضية زرع المبادئ الحسينية بجوهرها الانساني المعروف في شخصية
الطفل، ضمن أولويات أهدافنا وأعمالنا لسبب بسيط، أننا سنضمن بناء
مجتمع معاصر ايجابي متطور ومستقر في آن. |