شبكة النبأ: مواكبة العصر جملة
مغرية، ليس في معناها اللغوي فحسب، إنما في النتائج التي ستتمخض
عنها، وقدرة الشعوب المتأخرة على اللحاق بالركب العالمي، ومكمن
الاغراء هنا، ناتج عن حرمان الشعوب الاسلامية من حقها في العيش
الكريم المرفّه، مع أن وسائل وأسباب الترفيه والقضاء على الحرمان
والظلم متوافرة، سواءا بصيغة ثروات طبيعية أو قدرات عقلية أو
مهارات عملية.
ما تفتقد له هذه الشعوب التي تحلم بمواكبة العصر في جانبه
الأفضل، هو العدل السياسي، وحسن الادارة المالية والاقتصادية
عموما، فمع كثرة الثروات يزداد الفقر، ومع كثرة الكفاءات تزدا
الفوضى وتتضاعف حالات الظلم ويستشري الجهل والتخلف، وكأننا لا
نمتلك إرثا عظيما في الادارة السياسية العظيمة ابان الدولة
الاسلامية بقادتها العظام، وكأننا لانمتلك عقولا علمية إنسانية
نشرت النور الأروع في ربوع الارض، هكذا نجهل السبل الى التقدم
والتطور من خلال جهلنا لإرثنا الانساني العظيم، وهو يتمثل بشخصيات
خلدها التأريخ والانسانية جمعاء.
إذن فشلنا في مواكبة العصر، ينم عن فوضى في السياسة والاقتصاد
والتعليم وسوى ذلك، هذه الفوضى الشاملة، نشأت وتنامت بيننا، لسبب
واضح وبسيط، أننا لم نبحث عن مكامن الضوء المتمثل في شخصياتنا
الخالدة، كما فعلت أمم وشعوب سبقتنا، وهي الآن تتصدر واجهة التطور
والرقي والاستقرار، نحن إذن بحاجة الى أن نتمثل شخصياتنا العظيمة،
تلك التي وجّهت مسارات البشرية نحو الصلاح والرقي دائما.
ونحن نعيش ذكرى استشهاد الامام الحسين عليه السلام، يمكننا أن
نبدأ الآن بمعرفة مبادئ الفكر الحسيني، لمن لم يعرفها أو يطلع
عليها سابقا لأي سبب من الاسباب، يمكننا أن نبدأ الآن بتشذيب
أخطائنا في عموم المجالات، السياسية والاقتصادية والتعليمية
وسواها، وذلك انطلاقا من روعة الفكر الحسيني الانساني العظيم، فهو
طريقنا الأسرع والأدق والأصوب لمواكبة العصر، تُرى ما هي حيثيات
هذا الفكر وماذا يريد، والى ماذا يهدف، وهل يمكن فعلا أن يكون
طريقنا الى اللحاق بالعالم المستقر المتطور؟.
الفكر الحسيني ببساطة، لا يقبل الظلم أيا كان مصدره أو نوعه،
ولا يقبل غمط الحقوق لأي سبب كان، وينتهج السلم طريقا لاجتراح
الحلول الناجعة للعقد المستعصية، وينبذ العنف، ويرفض منهج التسلط
والقوة المتغطرسة، ويدعو الى الوئام بين أهل الارض، ويطالب هذا
الفكر بالعمل الجدي للقضاء على الفقر، ورعاية الايتام ومؤازرة
الضعفاء مهما كانت أسباب ضعفهم.. إنه ببساطة شديدة فكر ينحاز الى
جانب الانسان، مسلما كان أو غير مسلم، قويا كان أم ضعيفا، فالمعيار
الاساس هو العدالة والمساواة، من خلال القضاء التام على بؤر الظلم
أيا كان مغذيها أو مصدرها، ويتقدم مصادر الظلم الحكام والسياسيون
الذين دأبهم الاستئثار بثروات الفقراء، هنا يؤكد الفكر الحسيني
الخالد على أولوية محاربة هؤلاء بكل السبل المتاحة، حتى يعود الحق
لأصحابه، وثمة حرب أخرى يخوضها الفكر الحسيني منذ أن سقط الحسين
شهيدا في محراب التحرر والفداء.
تلك هي حرب الانسان على نفسه لاصلاحها، فحين يدعو الفكر الحسيني
الى الاصلاح السياسي والاقتصادي عموما، فإن ذلك لا يتم إلا بإصلاح
ذوات السياسيين والاقتصاديين وغيرهم، بل إصلاح ذات الفرد طالما كان
عضوا فاعلا من أعضاء المجتمع الكبير، لذا لابد أن يتحرك القائد
السياسي وغيره لاصلاح ذاته أولا، ثم إصلاح معيته، سواءا كانوا
حاشية او بطانة او معاونين او مساعدين او موظفين وما شابه، فبإصلاح
النفس سيصلح هؤلاء جميعا، وذلك بالارشاد والتوعية والمراقبة
واستخدام مبدأ العقاب والثواب.
هذا ما يهدف إليه الفكر الحسيني بجلاء تام، مع ملاحظة أن هذا
الفكر ينبغي أن يتنامى وينتشر ويصل الى ابعد نقطة في الارض، من اجل
إحقاق الحق ومطاردة المارقين، أولئك الذين يحبذون مفاتن الدنيا
وملذاتها على حساب الآخرين وحقوقهم وحرياتهم، لاسيما أصحاب السلطات
السياسية وغيرها، هؤلاء ينبغي أن يفهموا الفكر الحسيني ويطبقوه، أو
عليهم أن يتركوا المسؤولية لمن يلتزم بالفكر الهادف الى مصلحة
الانسان وحفظ كرامته وحرياته دائما.
هكذا ينبغي أن يكون الفكر الحسيني طريقنا للتصحيح الدائم،
وسبيلنا الاسرع لمواكبة ما يحدث في عالمنا من مستجدات تجعل من حياة
الانسان أكثر رحمة وعدالة وكرامة، لذا فالامر منوط بنا أولا
وأخيرا، لأن الحسين عليه السلام قدم نفسه فداء لحرية الناس، وهي
أعلى مراتب التضحية، وما على الناس سوى أن يفهموا هذه التضحية
ويعطونها حق قدرها، متمثلا بتجسيد الاهداف العظيمة التي استشهد من
أجلها بطل الاسلام الخالد، بل بطل الانسانية جمعاء، سيد الشهداء
عليه السلام، عند ذاك وبعد أن يلتزم الجميع سياسيون، إقتصاديون
وغيرهم من عامة الناس، بمبادئ الفكر الحسيني، لابد أننا سنواكب
العصر، بل سنتقدم الامم والشعوب فيما يصلح لنا وللانسانية جمعاء. |